ملف المخفيين قسرا في العراق يراوح مكانه رغم الدعوات الأممية والوعود الحكومية

تقرير أممي يكشف أن القوات العراقية أخضعت بين عامي 2015 و2016 ما لا يقل عن ألف رجل أغلبهم من العرب السُّنة للإخفاء القسري.
الاثنين 2020/08/31
العراقيون يطالبون بالكشف عن مصير أبنائهم الذين اختفوا قسرا

ملف المختطفين والمخفيين قسرا في العراق ليس مجرّد ملف حقوقي وقضائي وأمني، بل هو أيضا ملف سياسي بامتياز حيث تقف وراء عدم إقفاله قوى ضاغطة على السلطة بهدف عدم الاقتراب من شخصيات وفصائل مسلّحة متهمّة بالتورط في جرائم على صلة بالملف ذاته، وعدم إخضاعها للمحاسبة والعقاب. كما أن إغلاق الملف وإنصاف الضحايا لا ينفصلان عن جهود تحقيق المصالحة المجتمعية وإعادة الاستقرار إلى البلد.

بغداد- أعادت الأمم المتحدة تسليط الضوء على ملف المخفيين قسرا في العراق، بدعوتها إلى إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة لتحديد مصير نحو ألف مدني من الرجال والفتيان الذين اختفوا خلال فترة الحرب ضدّ داعش في مناطق السُنّة بغرب البلاد.

واكتست الدعوة الأممية طابعا ظرفيا حيث جاءت مرتبطة باليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري الذي صادف إحياؤه الأحد، كما جاءت محدودة زمنيا وأيضا جغرافيا، بينما الظاهرة أوسع نطاقا في العراق وهي مرتبطة أصلا بوجود سلاح خارج سيطرة الدولة وبأيدي العشرات من الميليشيات المتهمّة في المقام الأوّل بممارسة الاختطاف والاعتقال والإخفاء بدوافع سياسية وطائفية.

غير أن دعوة الأمم المتحدة إلى إجراء مثل تلك التحقيقات تتضمّن إشارة غير مباشرة إلى حالة العجز الحكومي المزمن عن مقاربة الملفّ الذي يظّل من موانع تحقيق المصالحة المجتمعية المنشودة التي تعتبر عاملا حيويا في جهود إعادة الاستقرار المفقود في البلد، وهو عجز يعزوه البعض إلى عدم توفر الإرادة السياسية، ويقول آخرون إنّه ناتج عن قوّة الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها بحيث تمنع الاقتراب من أي ملف يمكن أن يدين زعماءها وقادتها ويُخضعهم للمحاسبة.

مصطفى الكاظمي: ملتزم أخلاقيا وقانونيا بمتابعة ملف المختطفين
مصطفى الكاظمي: ملتزم أخلاقيا وقانونيا بمتابعة ملف المختطفين

ومنذ عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي مرورا بحكومة سلفه عادل عبدالمهدي وصولا إلى الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي ظل كبار المسؤولين الحكوميين العراقيين يغدقون الوعود بإقفال ملف المختطفين والمخفيين قسريا دون التقدّم خطوة واحدة في ذلك الاتّجاه.

وجدّد الكاظمي تعهّده بالعمل بجدية لمتابعة هذا الملف وذلك من “منطلقات قانونية وأخلاقية”.

وجاءت الدعوة الأممية في تقرير صدر عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. وأفادت المنظمة الدولية في تقريرها بأنها “تعتقد لأسباب معقولة أنه خلال العمليات العسكرية التي جرت بمحافظة الأنبار عامي 2015 و2016 أخضعت القوات الموالية للحكومة ما لا يقل عن ألف رجل أغلبهم من العرب السُّنة للإخفاء القسري، وما يتصل بذلك من انتهاكات بما في ذلك الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب”.

وأضافت أن هذه الأحداث وقعت إبان العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الأمن العراقية بما في ذلك الحشد الشعبي لاستعادة أجزاء من محافظة الأنبار من قبضة تنظيم داعش وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وأشار التقرير إلى أنه توصل إلى ذلك استنادا إلى النتائج التي توصلت إليها بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى جانب المعلومات التي حصلت عليها من مفوضية حقوق الإنسان في العراق (مرتبطة بالبرلمان) ومجلس محافظة الأنبار والنتائج التي توصلت إليها لجنة تحقيق شكلتها الحكومة العراقية عام 2016.

وأشار التقرير إلى وجود مزاعم ذات مصداقية حول حالات إخفاء قسري من عدة محافظات أخرى، بما في ذلك نينوى وكركوك وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق) وبابل وبغداد (وسط).

ودعا الحكومة العراقية إلى الاعتراف بالضحايا وتعويضهم، وإنشاء إطار قانوني وطني قوي للحماية من الاختفاء القسري وتحقيق الامتثال والضمانات الإجرائية، وضمان خضوع حالات الاختفاء القسري في الأنبار والمحافظات الأخرى لتحقيقات شاملة تؤدي إلى المساءلة.

وفُقد أثر الآلاف من العراقيين خلال ثلاث سنوات من الحرب الطاحنة بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017 في المناطق ذات الأكثرية السنية بشمال وغرب البلاد، وأيضا بجنوب العاصمة بغداد وتحديدا منطقة جرف الصخر، حيث أخرج الأهالي من المنطقة ومنعوا من العودة إليها، فيما فقد أثر الكثيرين منهم ولا يُعلم إلى اليوم إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

ووجهت أطراف سياسية داخلية ومنظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، فضلا عن سكان محليين، أصابع الاتهام إلى فصائل شيعية مقربة من إيران، بالوقوف وراء الكثير من عمليات الاختفاء القسري.

ظاهرة الاختفاء القسري مرتبطة بوجود سلاح خارج سيطرة الدولة
ظاهرة الاختفاء القسري مرتبطة بوجود سلاح خارج سيطرة الدولة

ويقول هؤلاء إن مقاتلي فصائل شيعية احتجزوا الآلاف من الشبان والرجال السنّة عقب استعادة مناطق من داعش، واقتادوهم إلى جهة مجهولة، ومن ثم انقطعت أخبارهم حتى الآن.

وتعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العمل بجدية لمتابعة ملف المخفيين قسريا والكشف عن مصيرهم. جاء ذلك خلال استقباله في بغداد، عائلات من محافظتي صلاح الدين والأنبار، وأيضا من مدينة الصدر بالعاصمة، ممن غُيّب أبناؤهم قسرا.

وقال المكتب الإعلامي للكاظمي في بيان، إن رئيس الوزراء “استمع إلى قصص مؤثرة، روتها العوائل عن أبنائها الذين فُقدوا، في أحداث مختلفة وفي أوقات متباينة”.

ووفق البيان، فإن الكاظمي تعهد بـ”متابعة ملف المفقودين قسرا بكل جدية انطلاقا من مبدأ قانوني ودستوري، فضلا عن كونه مبدأ أخلاقيا”.

3