انتخابات مجلس الشيوخ في مصر تخرج السلفيين من جلباب النظام

الحكومة تفك الارتباط بالتيار السلفي بسبب مواقفه تجاه مدنية الدولة ومدونة الأسرة.
الأحد 2020/08/23
مرحلة جديدة

القاهرة - أثبت خروج حزب النور السلفي خالي الوفاض من انتخابات مجلس الشيوخ المصري، التي أعلنت نتائجها النهائية الأربعاء الماضي، حجم الضعف الذي ضرب أوصال تيار الإسلام السياسي والرغبة الرسمية والنخبوية في تحجيمه وتقويض حضوره المرحلة المقبلة بمصر.

لم تكن مؤشرات خروج السلفيين من الحلبة وليدة اللحظة، ولم تثبتها فقط نتائج انتخابات مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان المصري، بل سبقتها ملامح أكدت توقعات قرب انتهاء دور هذا التيار في المشهد السياسي، وفي مقدمتها مستوى تمثيل حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، في مجلس النواب، فضلًا عن مستوى أداء نوابه المخيب للآمال.

حصل حزب النور السلفي على 12 مقعدا فقط في مجلس النواب الحالي بالمقارنة مع حجم تمثيل مرتفع حصده بالتحالف مع جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى في برلمان 2012، ما دل على أن صعود هذا التيار عقب ثورة يناير 2011 وما شاب هذه المرحلة من فوضى وارتباك سياسي جاء في ظرف معين مكّن هذا التيار من ممارسة التضليل الجماهيري الواسع تحت عناوين الدفاع عن الشريعة وحمايتها.

تنامى صعوده في مراحل سابقة في ظل عدم وضوح الرؤية الفكرية لدى شريحة واسعة من المصريين، وحاجة النظام الحاكم إلى منح تيار إسلامي فرصة لاختراق التكتل والتحالف الإخواني – السلفي، علاوة على عجز التيارات الأخرى عن القيام بأدوارها المتعلقة بتوضيح حقيقة ما يجري على الساحتين المحلية والإقليمية، وجوهر الخلافات الفكرية والسياسية الآنية وطبيعتها، ما أفقدها القدرة على إقناع الجمهور برؤاها وأهدافها.

اختلفت الأوضاع بداية من العام 2015 وصولًا إلى واقع اليوم الذي يشهد بروز عوامل أدت إلى انهيار شعبية التيار السلفي وضعف تمثيله البرلماني، في مقدمتها تنامي الوعي بحقيقة الأوضاع على الساحة، وتحالفات تيار الإسلام السياسي المهددة للأمن والاستقرار، وصعود تيارات ملأت الفراغ وتواصلت مع الجمهور الذي أصبح أكثر تيقّظا للإشكالات الفكرية المثارة.

وأدى كل ذلك إلى تقهقر نفوذ وتمثيل السلفيين، وبدأ بتراجع التمثيل في مجلس النواب الحالي وصولًا إلى انهياره كليا في انتخابات مجلس الشيوخ، ومن المتوقع أن يتواصل التراجع ويتعزز في انتخابات مجلس النواب المنتظر فتح باب الترشيح لها خلال سبتمبر المقبل، كي تجرى في الشهر التالي له.

انتهى الدور الذي أداه حزب النور في مرحلة معينة كعنوان لعدم قصد الدولة استهداف عموم تيار الإسلام السياسي، ودلل تمثيله في البرلمان على العزلة التي تعاني منها جماعة الإخوان التي سعت لتصوير ما يجري على أنه حرب ضد الإسلام، وأن المسار الحالي يضيّق الخناق على عموم الإسلاميين، مع تجاوز الدولة مرحلة الفوضى الأمنية، ونجاحها في فرض الهدوء والاستقرار، وتثبيت مؤسسات الدولة.

لم يتسم أداء حزب النور بالمرونة والشفافية والتطور، وهو ما جعل الحكومة تتوقف عن منحه رفاهية الحركة والحضور بنفس القوة السابقة، مع وضوح ملامح براغماتية اتسم بها أداء قادة الحزب الذين روجوا لأنفسهم في العلن بوصفهم حلفاء النظام الحاكم ومن داعميه، في حين روجوا أمام جمهورهم واجتماعاتهم المغلقة أنهم معارضون أكثر شراسة، ومن المدافعين عن مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية.

باتت فرص التيار السلفي في انتخابات مجلس النواب المقبلة ضعيفة أو معدومة، لأنه نزل بثقله وبمرشحين أقوياء (16 مرشحا) في انتخابات مجلس الشيوخ، ورغم ذلك لم ينجح أحد وحقق نتائج مخيبة للآمال.

وعرقل نواب حزب النور السلفي في مجلس النواب مواد قوانين تنص على مصطلح مدنية الدولة، واعترضوا على قوانين زعموا أنها مخالفة لنصوص الشريعة الإسلامية، ومنها تعديلات القانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية المعروف بقانون منع زواج الأطفال، فضلًا عن إبداء مواقف متشددة حيال حقوق الأقباط وتمثيلهم السياسي وحقوق المرأة والحريات الشخصية التي يضمنها الدستور.

طي صفحة الاستقطابات الدينية
طي صفحة الاستقطابات الدينية

تعمد هؤلاء النواب الاعتراض على مصطلح مدنية الدولة في التعديلات الدستورية العام الماضي، وأظهروا مواقف عديدة أثبتت عدم تطور حزب النور والبقاء في مربع صراعات الهوية، ما أفقد مؤسسات الدولة الحماس لمواصلة منح الحزب مساحة الحرية والحركة التي كان يحظى بها في السابق في الظروف العادية أو في مواسم الانتخابات.

حرصت الحكومة على أن تطوي صفحة الاستقطابات الدينية والسجال الذي شغل المجتمع وأجهزة الدولة لعدة سنوات حول قضايا خلافية غير مجدية، وهي الآن في وارد المضي في هذا المسار إلى نهايته بصيانة هوية الدولة وحراسة مدنيتها عبر نص دستوري يراعي منظومة القيم الأساسية للمجتمع ويحمي مصالح الشرائح الكبرى فيه، ويحول دون أية ممارسة استبدادية بمرجعية مذهبية أو طائفية.

وجدت الحكومة والنخب السياسية والفكرية وقطاع عريض من الجمهور اكتمل وعيه بشأن العديد من الإشكالات التي شابها الغموض في السابق أن انضمام أعضاء ورموز حزب النور إلى مجلس الشيوخ الجديد سيمثل عائقًا أمام مسيرة تقدم المجتمع ومساعيه لطي مرحلة حالكة وكارثية من الفوضى السياسية والأمنية والفكرية، كان حزب النور وعموم تياره أحد تجلياتها وركنًا رئيسيًا في استقطاباتها.

ويعي شيوخ ومنظرو حزب النور مقدار الأزمة والمعضلة المنهجية التي أوقعوا فيها تيارهم، فهم لا يملكون رفاهية الدعوة إلى الانتقال للعمل السري بعد تضييق منافذ العمل السياسي أمامهم، لأن الفكر السلفي لا ينازع الحاكم سلطانه وأدبياته لا تجيز فكرة الخروج على الحاكم بالقوة المسلحة.

كما لا يملكون رفاهية الرد على من يتهمهم بمخالفة نفس منطلقاتهم وثوابتهم عندما أفتوا بقبول فكرة تأسيس أحزاب سياسية وممارسة التشريع بمجلس نيابي رغم مخالفة ذلك لثوابت التيار بمبرر الدفاع عن الشريعة.

ومن بوابة عدم الثقة بشيوخ هذا التيار الذين أدخلوه في هذا المأزق من الممكن خروج أعداد محبطة لمزاولة العمل السري من خلال الانضمام إلى فصائل السلفية الجهادية، لكنه لو حدث لن يمثل ظاهرة ولن يكون بأعداد كبيرة بالنظر إلى الأوضاع الأمنية والانتصارات الكبيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية في مواجهة هذا النشاط، وهناك من سيتم إقناعهم بالكمون تحيّنًا لفرصة جديدة تسمح لهم بتغيير صورة التعبير عن قناعاتهم.

Thumbnail
1