هل تقبل روسيا هزة سياسية تقوض "حزامها العازل" في بيلاروسيا

رئيس بيلاروسيا يستنجد بموسكو في مواجهة حملة ضغوط متزايدة.
الاثنين 2020/08/17
احتجاجات متصاعدة تنذر بالأسوأ

تجاوزت الأزمة السياسية في بيلاروسيا، التي اندلعت إثر رفض المعارضة الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، أبعادها الداخلية لتمتد إلى الأبعاد الاستراتيجية للدول المجاورة بعد أن أعربت روسيا عن استعدادها لدعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عسكريا، ما قد يحول مينسك إلى مسرح جديد للصراع الروسي الأميركي الأوروبي على خارطة النفوذ.

موسكو – تراقب روسيا عن كثب تطورات الأوضاع في جارتها بيلاروسيا حيث تستضيف مينسك خطوط أنابيب تنقل صادرات الطاقة الروسية إلى الغرب، وتنظر إليها موسكو أيضا على أنها منطقة عازلة ضد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

وشاب التوتر العلاقات بين الحليفين التقليديين قبل انتخابات الأحد التي منحت الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ولاية سادسة، إلا أن روسيا أبلغت الأحد لوكاشينكو استعدادها لتقديم المساعدة العسكرية إذا لزم الأمر.

ويتعرض لوكاشينكو لضغوط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لاتخاذه إجراءات عنيفة ضد معارضين لفوزه بولاية جديدة فيما يعتبرها مؤامرة خارجية، قائلا إن دبابات وطائرات حلف شمال الأطلسي منتشرة على مقربة من حدود بلاده.

ويرى مراقبون أن التلويح الروسي بتقديم الدعم العسكري لمينسك يدخل في باب منع أي هزة سياسية في جوارها يمكن أن ينفذ منها الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي العدوين لها، حيث تشكل روسيا البيضاء وأوكرانيا ومولدوفا منطقة عازلة بين روسيا والغرب.

وبناء على ذلك تنظر موسكو إلى الاحتجاجات الداخلية التي تعصف بمينسك على أنها خطر على أمنها القومي ومصالحها الجيوستراتيجية، ما يرغمها على الاستعداد للتحرك وفق تطورات الأحداث كما فعلت من قبل في كل من أوكرانيا وجورجيا الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين.

ليناس لينكافيتشوس: التدخل الروسي في بيلاروسيا سيقوض استقلال البلاد بالكامل
ليناس لينكافيتشوس: التدخل الروسي في بيلاروسيا سيقوض استقلال البلاد بالكامل

وضمت روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها بعد أن كانت تتبع أوكرانيا، عقب استفتاء من جانب واحد جرى في شبه الجزيرة في 16 مارس 2014، دون اكتراث للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.

وشعرت موسكو حينذاك أن شيئا ما يدبر في حديقتها الخلفية بعد أن اتسعت رقعة سيطرة المعارضين لحكم الرئيس المقرّب من روسيا فيكتور يانوكوفيتش، وصولا إلى عزله وتغير الوجه السياسي للبلد.

واندلعت التظاهرات في نوفمبر بدءا من كييف، بعدما رفض الرئيس الأوكراني اتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا.

ويعتبر محللون أن أوكرانيا هي التي تصنع صورة روسيا كقوة عظمى أو هي التي تكسر هذه الصورة، ويضيفون أن روسيا من دون أوكرانيا هي مجرد بلد، بينما روسيا مع أوكرانيا هي إمبراطورية.

وتقول موسكو إنه يحق لها إبقاء 25 ألف جندي من قواتها على شبه الجزيرة، بينما تقول السلطات الجديدة في البلاد إنه لا يوجد مثل هذه الاتفاقية، وتواجد القوات الروسية في القرم عمل عدائي.

ويبدو السيناريو الأوكراني غير مستبعد في بيلاروسيا، إذ أعلنت موسكو الأحد أنها مستعدة لتقديم الدعم العسكري لمينسك وفق اتفاقية دفاعية ثنائية، وهو نفس السيناريو الذي تبرر به موسكو تواجدها العسكري في شبه جزيرة القرم.

و في جورجيا المجاورة، نشب خلاف بين موسكو وتبيليسي حول طموحات هذه الجمهورية السوفييتية السابقة الواقعة في القوقاز للانضمام الى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهو ما تعتبره روسيا في حال حصل، انتهاكا خطيرا لمنطقة نفوذها.

وفي صيف 2008، تحولت هذه التوترات إلى نزاع حين تدخل الجيش الروسي في الأراضي الجورجية لنجدة أوسيتيا الجنوبية، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا، التي أطلقت فيها تبيليسي عملية عسكرية دامية.

وخلال خمسة أيام، ألحقت القوات الروسية هزيمة بالجيش الجورجي وهددت بالسيطرة على العاصمة.

احتجاجات ضد نتائج الانتخابات الرئاسية البيلاروسية
احتجاجات ضد نتائج الانتخابات الرئاسية البيلاروسية 

وأدى اتفاق سلام تفاوض عليه الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي إلى انسحاب القوات الروسية، لكن موسكو اعترفت باستقلال منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا واحتفظت منذ ذلك الحين بوجود عسكري كبير فيهما. وأعلنت أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتان تشكلان حوالى 20 في المئة من الأراضي الجورجية، استقلالهما ودافعتا عنه خلال حرب أولى ضد قوات تبيليسي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات.

والأحد، قالت ليتوانيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، إنها لا تمثل تهديدا عسكريا لجارتها روسيا البيضاء وذلك بعد اتهام رئيسها للحلف بحشد قوات على الحدود الغربية لبلاده.

وأكد وزير الدفاع الليتواني ريمونداس كاروبليس أن “أزمة روسيا البيضاء أزمة سياسية وأي مزاعم تطلقها قيادة روسيا البيضاء عن تدخل دول أجنبية أو عن تهديدات تمثلها تلك الدول هي محاولة لإبعاد اللوم عنها وتبرير أفعالها”، في وقت تجري فيه ليتوانيا مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة.

وقال وزير خارجية ليتوانيا ليناس لينكافيتشوس، إن تصريح لوكاشينكو عن حشد عسكري “كاذب” ويستهدف إيجاد ذريعة لطلب المساعدة من روسيا، مضيفا أن “التدخل الروسي سيقوض استقلال البلاد بالكامل وهو أمر يدعو
للأسف”.

ويطالب عشرات الآلاف من جميع أنحاء بيلاروسيا لوكاشينكو بالاستقالة بعد ما تردد عن تزوير الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضي، ودخلت العديد من الشركات المملوكة للدولة في إضراب عن العمل، كما هدد صحافيون بالتلفزيون الحكومي بالتوقف عن العمل.

وأمر لوكاشينكو إثر تصاعد الاحتجاجات بنقل قوات مظليين إلى مدينة غرودنو غربي البلاد.

5