رفض إسقاط حصانة نائب يجدد التنافس بين البرلمان والقضاء المصري

القاهرة – تكررت على نحو لافت خلال الأيام الماضية وقائع رفض البرلمان المصري طلبات مقدمة من النائب العام لرفع الحصانة عن عدد من النواب تمهيدا لاتخاذ إجراءات قانونية في بلاغات قُدمت في حقهم.
ورغم أن شبهة الكيدية تنتفي مع تحريك النيابة العامة للقضايا، إلا أن البرلمان رفض غالبية تلك المطالب بدعوى “الكيدية”، ما عدّه مراقبون مؤشرا على صراع خفي على النفوذ والقوة بين السلطتين التشريعية والقضائية في مصر، خصوصا أن مثل هذا الصراع يملك تاريخا حافلا من التجاذبات.
وفتح رفض البرلمان المصري لطلب جديد لرفع الحصانة عن النائب ورئيس نادي الزمالك الرياضي مرتضى منصور، الجدل حول إصرار البرلمان على حماية نوابه، ويصر على تحدي السلطات الأخرى، لأن منصور قدمت في حقه طلبات عدة لرفع الحصانة، طيلة الأعوام الخمسة الماضية.
بموجب الدستور، يملك النواب في مصر حصانة من المساءلة القانونية، إلا حال تم توقيفهم متلبسين بارتكاب جريمة ما، وغير ذلك يتعين على البرلمان السماح بمحاسبة النائب بعد رفع الحصانة عنه.
يخضع الطلب المقدم لرفع الحصانة بداية لفحص اللجنة التشريعية في البرلمان ثم يُعرض للتصويت في الجلسة العامة، وهي الطريقة التي أوقفت طلبات كثيرة في الفترة الماضية.
ورغم ما يمثله منصور من حالة جدلية خاصة في ذاته، غير أن الأمر تحول إلى تحد ضمني من السلطة التشريعية للسلطة القضائية، حيث تتمسك الأولى بنفوذها كاملاً، وتعتبر أن ممارسة الثانية لعمل يمس البرلمان ونوابه، حتى إذا كان في صلب سلطتها كجهة تحقيق، يخصم من رصيد قوتها ونفوذها.
ويجد ذلك الطرح دعما في ظل سجل من الصدام شهده البرلمان الحالي (تنتهي ولايته في أكتوبر المقبل) مع السلطة القضائية، بداية من إخضاع مشاريع القوانين إلى مراجعة مجلس الدولة (هيئة قضائية) قبل إقرارها من قبل البرلمان، ما عده النواب آنذاك سطوة للسلطة القضائية على عمل البرلمان، مرورا بالصدام الأكبر في العام 2017، حينما عدل البرلمان قانون الهيئات القضائية، ليغير ما جرت العادة عليه في اختيار رؤساء الهيئات، حيث منح رئيس الجمهورية فرصة للاختيار بين أكثر من مرشح.
اكتسبت السلطة القضائية شعبية تتجاوز الكثير من البرلمانات المنتخبة، خصوصا في ظل أنظمة ما قبل ثورة يناير 2011، حيث عُدت تلك السلطة حصنا ينتصر لكثيرين على حساب سلطات أخرى. وفيما ينتقص البرلمان المصري الحالي قدرا من الشعبية، وتتعمق الفجوة بينه وبين الشارع بأولويات ليست متناسقة لدى كل منهما، فإن شعبية السلطة القضائية في مصر آخذة في الاتساع، ممثلة تحديدا في النيابة العامة، مع لعبها دورا مجتمعيا بارزا، أقرب إلى دور المعلم والمرشد.
ولوحظت منذ شهور لهجة مختلفة في بيانات النيابة المتسقة مع قضايا الرأي العام، حيث تقدم تشريحا للظواهر يرتفع عن التنظير الأجوف.
وبدأت تبادر بالتحرك في قضايا تماشيا مع نبض الشارع، كما حدث في قضية التحرش الأخيرة التي أوقفت متهما، انطلاقا من “هاشتاغ” على مواقع التواصل الاجتماعي، حظي بمتابعة لافتة.
أكسبت تلك الشعبية حساسية البرلمان صوب هيبته وسلطته مبررا أقوى، يجعل الحرص على عدم المساس بأي من نوابه دعما لسلطة أعمق، لأن التحقيق مع نائب برلماني يعني إضافة نقاط جديدة للسلطة القضائية شعبيا على حسابها، لاسيما أن أية قضية يتورط فيها نائب تكسب صدى مضاعفا وتستدعي الانتباه والأنظار.
ويُحذر مراقبون من استمرار الحالة نفسها من الصراع الخفي بين السلطتين، بما يهز ثقة الجماهير في قدرة السلطة القضائية على النفاذ ومن ثمة قوة القانون، ففي حالة مثل رئيس نادي الزمالك، رفض البرلمان في 13 جلسة أكثر من 20 طلبا لرفع الحصانة عنه.
وكان آخر بلاغ جُدد على إثره مطلب رفع الحصانة قد قُدم من رئيس النادي الأهلي الرياضي، محمود الخطيب، والذي ناشد في بيان البرلمان رفع الحصانة، وطلب من النائب العام الشأن نفسه.
وأحبط رفض البرلمان رفع الحصانة عن منصور الشارع مجددا، وكان يتلهف لمثوله أمام القضاء، ووقع القرار بمرارة مضاعفة على المحلل البارز عمرو الشوبكي. وقال الشوبكي لـ”العرب”، “كنت أظن أن تقديم البلاغ والطلب لرفع الحصانة عن رئيس النادي ذي الشعبية الكبيرة، سيمنحه قوة دفع، وقد ينجح في نزع الحصانة عن النائب، لكن اتضح أن الأمر نفسه”.
وقدم الباحث المصري بلاغات عدة في حق منصور، بعد أن خاض الانتخابات البرلمانية الماضية على الدائرة نفسها التي خاض فيها نجل منصور الانتخابات، غير أن الأخير زور نتائج اللجنة، بحسب حكم قضائي، يحق بموجبه دخول الشوبكي المجلس.
وعلى مدار الأعوام الأربعة لم يُنفذ البرلمان الحكم القضائي الذي انتصر للشوبكي، وحاول الضغط عبر الرأي العام، وتضامنت معه 100 شخصية عامة وسياسية وثقافية من ضمنها الدكتور مجدي يعقوب، والأمين العام للجامعة العربية السابق عمرو موسى، ونحو 7 وزراء سابقين، بتوقيع بيان لدعمه، فإن منصور ظهر لمدة 5 ساعات متواصلة على إحدى القنوات متعرضا بالسب والقذف لغالبية الشخصيات في القائمة، ولشخص الشوبكي دون أن تُمس حصانته أو يتعرض للمساءلة. كانت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في مصر، قضت في سبتمبر 2016، بأحقية الشوبكي بمقعد مجلس النواب عن دائرة الدقي في محافظة الجيزة المجاورة للقاهرة.
يهدد إصرار البرلمان على حماية منصور أو غيره، هيبة الدولة، وليس سلطات أو مؤسسات، فالدولة يجب أن ترتكن إلى القانون وتنتصر لكونها دولة قانون، بغض النظر عن الاختلاف الذي يمكن أن يحدث حول القوانين، لكن طالما وجدت فيجب احترام سيادتها من باب الحفاظ على الدولة نفسها.
تبدو العلاقة بين البرلمان والقضاء عبارة عن تنافس بين سلطتين، وليست صراعا جوهريا، لأن لدى السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة قدرة للتأثير على البرلمان، باعتبار أن الأغلبية المطلقة فيه من قوى الموالاة.