خطط الصين لوقف استيراد "الخردة" تربك برامج التدوير عالميا

أثارت مزاعم الصين وقف استيراد مخلفات العالم، في ما يعرف باستيراد ”الخردة”، مخاوف العالم من ركود أنشطة تدوير كبرى الشركات، حيث سيشكل ذلك ضربا لصناعات الصلب والورق والمواد الصناعية الخام خصوصا في الولايات المتحدة حيث تحاول بكين عبر هذه الخطوة التخلص من السمعة السيئة التي ارتبطت بهذه الأنشطة التي تتسم بقلة الجودة وأضرار بيئية كبيرة.
بكين - تقترب الصين من تنفيذ قرارها القاضي بوقف استيراد “الخردة” من العالم بنهاية العام الحالي الأمر الذي سيجبر العديد من الأسواق التقليدية المصدرة للمواد المدورة كالولايات والمتحدة واليابان على البحث عن أماكن أخرى لشحن مخلفاتها إليها.
ومنذ ثلاث سنوات أعلنت الصين دراسة وقف استيراد “القمامة الأجنبية” التي تتم إعادة تدويرها في المصانع الصينية. ومنذ ذلك الوقت أصبح على الدول المصدرة للصناديق، والصحف، وزجاجات البلاستيك القديمة مثل الولايات المتحدة واليابان البحث عن أماكن أخرى لشحن مخلفاتها إليها.
وأثار قرار الصين ارتباكا في برامج إعادة تدوير المخلفات ونشاط الشركات حول العالم. والآن تقول الحكومة الصينية إنها ستمنع تقريبا استيراد المخلفات بنهاية العام الحالي.
ولكن هذا القرار يثير جدلا ويظل حمال أوجه في نظر عديد الخبراء، حيث يشكك الكاتب والمحلل الاقتصادي أدم مينتر في جدية القرار الصيني.
ويقول في تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، إنه في الوقت الذي تدرس فيه السلطات الصينية حظر استيراد المخلفات الأجنبية، أصدرت تصاريح لاستيراد ملايين الأطنان من هذه المخلفات. في الوقت نفسه، تضغط شركات صناعة الصلب الصينية على الحكومة من أجل السماح لها باستيراد الخردة من الخارج، في حين يضع المسؤولون خطة للسماح باستيراد أنواع محددة من المخلفات الصلبة باعتبارها مواد خام قيّمة.
في عالم السياسة يكون التغيير عملية معقدة، لكن الأمر ليس كذلك في الاقتصاد من وجهة نظر مينتر الذي يرى أن توقف الصين عن استيراد المخلفات وإعادة تدويرها لن يحسن فقط من الحد الأدنى لجودة منتجاتها وإنما سيقدم خدمة جليلة للعالم.
وإذا كانت تجارة المخلفات القابلة لإعادة التدوير في العالم تعود إلى قرون وربما أكثر، فإن تجار معادن الخردة والمخلفات الورقية التايوانيين أقاموا أولى شركات إعادة التدوير في الصين في أوائل ثمانينات القرن العشرين. ومع نمو الاقتصاد الصيني زاد الطلب على المخلفات القابلة لإعادة التدوير لاستخدامها كمواد خام في الصناعة. وفي أواخر التسعينات أصبحت أغنى أربعة أقاليم في الصين وهي غوانغدونغ وجيانغسو وشيجيانغ وشاندونغ أكبر مستورد للخردة.
وفي إقليم غوانغدونغ المعروف باسم “مصنع العالم” يتم استيراد ألواح الكرتون والورق المستعمل لإعادة تدويرها في صناعة علب الأحذية ولعب الأطفال والمحامص التي يتم تصديرها إلى العالم، ثم تعود هذه العلب إلى الإقليم مرة أخرى لإعادة تدويرها.
وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي كانت مخلفات الورق القابلة لإعادة التدوير تمثل أكثر من 50 في المئة من المواد الخام المستخدمة في مصانع المنتجات الورقية بالصين.
بالطبع، فإن صناعة إعادة التدوير في الصين بعيدة عن الالتزام بالمعايير المقررة. وحتى وقت قريب، كانت تلك المصانع تعمل بدون اهتمام كبير بمعايير البيئة وصحة العمال وأصبحت كلمتا “الصين” و”إعادة التدوير” مرتبطتين بصور الاستغلال.
ولكن هذه السمعة السيئة بدأت تدفع صناع السياسة في الصين إلى إعادة النظر في صناعة إعادة تدوير مخلفات العالم، وبخاصة في ظل حكم الرئيس الحالي القومي شي جين بينغ، بحسب أدم مينتر مؤلف كتاب “ساحة قمامة الكوكب: رحلة في عالم تجارة القمامة ذات المليار دولار”.
في الوقت نفسه، فإن صناعة إعادة التدوير المحلية في الصين تعاني منذ وقت طويل من الإحباط بسبب عدم قدرتها على منافسة المخلفات المستوردة عالية الجودة. هذه الرسالة اقترنت مع حديث بعض المسؤولين عن “القمامة الأجنبية” لتشجيع اتخاذ قرار لحظر استيراد المخلفات.
وبحسب وكالة بلومبيرغ للأنباء فإن الحظر الصيني على استيراد المخلفات سيلحق ضررا واضحا ببرامج إعادة التدوير في الولايات المتحدة، وبدرجة أقل وضوحا سيتعرض المصنعون الصينيون للضرر نتيجة هذا القرار.
وفي ظل القيود المفروضة على الاستيراد، تعتمد الصين على إعادة تدوير المخلفات الورقية لتوفير 67 في المئة من احتياجاتها من الألياف. وتمثل الواردات 41 في المئة من هذه المخلفات الورقية المستخدمة.
ومع تشديد القيود على الاستيراد اضطرت الشركات إلى إغلاق مصانعها ونقلها إلى دول أخرى في جنوب شرق آسيا أو حتى إلى إقامة مصانع إعادة تدوير في أميركا الشمالية وزيادة إنتاج لب الورق للتصدير إلى الصين.
والحقيقة أن المشكلات التي سببتها القيود على استيراد المخلفات في الصين لم تقتصر على شركات المنتجات الورقية، وإنما أدت القيود على استيراد خردة الحديد والصلب إلى نقص المعروض وارتفاع الأسعار.
وخلال الأسبوع الأول من الشهر الماضي زاد سعر طن خردة الحديد والصلب للمصنعين في الصين بمقدار 100 دولار تقريبا، عن سعر الخردة لمصانع الصلب التركية.
ودفعت القيود التي فرضتها الصين على استيراد خردة النحاس التي تمثل حوالي 10 في المئة من إمدادات الخام لمصانع المنتجات النحاسية، الشركات العاملة في هذا المجال إلى نقل مصانعها للخارج، لتتم معالجة النحاس وإعادة تصديره إلى الصين لاستخدامه في الكثير من الصناعات.
الأسوأ من ذلك أن التعافي الهش للاقتصاد الصيني من تداعيات جائحة فايروس كورونا المستجد، أدى إلى ظهور طلب جديد على معدن النحاس، في الوقت الذي أدت فيه الجائحة إلى اضطراب نشاط مناجم النحاس في تشيلي وفي عمليات تجميع الخردة في السوق المحلية بالصين.
في المقابل بدأ بعض المسؤولين في الصين يعيدون التفكير في موضوع حظر استيراد المخلفات لإعادة تدويرها بصورة أكثر عملية. فقد وافق المسؤولون على إعادة تصنيف بعض المخلفات مثل خردة النحاس والألومنيوم باعتبارها مواد خام قيّمة، ومن المنتظر ضم خردة الحديد إلى القائمة، وهو ما يعني استمرار المخلفات المستوردة في لعب دور رئيسي في الاقتصاد الصيني.