إيران تعترف بسوء إدارتها لأزمة الإسكان المزمنة منذ عقود

تزايدت إشارات التشاؤم الصادرة عن الحكومة الإيرانية من تفاقم الكارثة في قطاع الإسكان التي يقول محللون إنها تختزل أحد وجوه التقصير في إدارة الأزمات الاقتصادية المتراكمة منذ سنوات، خاصة بعد أن زاد من وطأتها تفشي فايروس كورونا المستجد في أعقاب تنفيذ سلسلة من العقوبات الأميركية القاسية.
طهران- عكس إقرار السلطات الإيرانية بعجزها عن حل مشكلة الإسكان المزمنة أن السياسات الاقتصادية المعتمدة طيلة السنوات الماضية كانت تسير في الطريق الخاطئ.
وخلال تدشين مجموعة من المشروعات في محافظة إيلام الواقعة غرب البلاد، أقر الرئيس حسن روحاني بفشل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحل أزمة الإسكان، في ظل ارتفاع أسعار البيع والإيجار بشكل غير مسبوق منذ بداية العام.
ونسبت وكالة تسنيم الإيرانية إلى حسن روحاني قوله “لدينا ظروف سكنية صعبة، وإن الإجراءات التي نمتلكها اليوم لبيع المساكن ليست كافية، ويجب علينا إجراء إصلاحات لتخفيف الضغط على المواطنين”.
وأضاف “كانت هناك ظروف صعبة في السكن هذا العام، وكذلك في بعض المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون”. وأكد أن الحكومة تعكف على إعداد خطة تستهدف نحو 30 في المئة من الإيرانيين الذين يحتاجون إلى استئجار كي يحصلوا على منازل بسعر عادل.
واعتبر متابعون للشأن الاقتصادي الإيراني أن المشاريع التي تشمل بنية تحتية وبناء مدن سكنية وتبلغ تكاليف إنشائها نحو 11 تريليون ريال إيراني (240 مليون دولار) مجرد استعراض من قبل السلطات وأنها لا تزال تدير الأزمة الاقتصادية بثبات رغم كل الظروف القاسية.
ومن المتوقع ارتفاع تكاليف السكن والمعيشة بنحو 40 في المئة في ظل التضخم الكبير والكساد، الذي تفاقم بسبب الوباء وتزايد وطأة العقوبات الأميركية على إيران.
ويقول محللون إن أزمة السكن في إيران قضية مزمنة لا تتصل فقط بالمعطى الاقتصادي بل تنبع من تضافر عوامل عديدة، تؤدي جميعها إلى طبيعة النظام الإيراني المنغلق الذي لا يسمح بخلق ديناميكية اقتصادية ومرونة سياسية تنعكس على أوضاع المجتمع والبلاد.
وحتى بعد الاتفاق النووي المبرم في يوليو 2015، حيث كانت طهران تمني النفس بإنعاش اقتصادها المتعثر، فإن الأوضاع المعيشية والاجتماعية تفاقمت على نحو لم يعد يسمح بالسيطرة عليها، والدليل أن المشاكل القائمة ازدادت تعقيدا، فضلا عن غياب الإرادة لحلها أو التعاطي معها.
وفي ضوء سريان العقوبات الأميركية عقب انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وخاصة في ما يتعلق بصادرات النفط الإيرانية، فإن خشية الإيرانيين تزايدت حول دخول بلادهم حالة ركود ربما تكون أسوأ من الفترة التي بين عامي 2012 و2015.
ومنذ ظهور فايروس كورونا المستجد بالبلاد خلال فبراير الماضي، شهدت سوق العقارات ارتفاعا غير مسبوق في الأسعار سواء من حيث الشراء أو من ناحية الإيجار، دون وجود حلول من قبل السلطات الحاكمة.
وتظهر عدة تقارير دولية تهتم بقطاع العقارات أن أسعار المنازل في العاصمة طهران، على سبيل المثال، تسارعت وتيرة ارتفاعها خلال الشهر الماضي، بشكل واضح؛ إذ بلغ معدل شراء الشقة في منطقة غرب طهران بمساحة 87 مترا ما قيمته عشرة مليارات ريال.
وتثير أزمة الإسكان في إيران حفيظة الكثير من المواطنين، وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة، الذين لطالما انتظروا وعود الحكومات المتعاقبة بتحسين ظروفهم المعيشية.
وانسحبت الحروب التي تشنها طهران في المنطقة وتدخلها في شؤون جيرانها، ولاسيما العراق وسوريا ولبنان، على أوضاع الإيرانيين بشكل بالغ، خاصة مع قسوة العقوبات الغربية التي شلت الأنشطة الاقتصادية للبلد النفطي العضو في منظمة أوبك.
كما أن مجال الإسكان كغيره من القطاعات الأخرى يعتبر محل سجال بين التيارين المتشدد والمحافظ، إذ يلقي المحافظون باللائمة دوما على حكومات روحاني المتعاقبة بعدم تحريك هذا الملف رغم كل الوعود.
وقالت وسائل إعلام إيرانية محلية إن البرلمان الجديد، الذي يهيمن عليه التيار المتشدد، يعتزم مساءلة روحاني بشأن الاضطرابات الحاصلة في قطاع الإسكان. وكشف عضو البرلمان عن التيار المتشدد محمد كوجي الاثنين الماضي، أن نوابا يعدون عريضة من أجل مساءلة روحاني لتبرير ما يحصل في القطاع.
ويقول خبراء إن الحكومة الحالية لم تتخذ فقط إجراءات جادة لحل مشاكل الإسكان، وخاصة أسعار إيجار المنازل. ويطالب الكثير من المسؤولين الإيرانيين الحكومة بتقديم مشروع قانون حول قضية ضريبة دخل الإسكان، وقد هدد البعض منهم بأنهم سيقدمون خطة ضريبة دخل الإسكان في أقرب وقت ممكن.
وذكرت وكالة أنباء إيسنا الشهر الماضي نقلا عن مسؤولين قضائيين وبرلمانيين والنقابة العقارية قولهم إن “الزيادة في أسعار المساكن تعود لإدراج الأسعار غير التقليدية في الإعلانات ومواقع الإنترنت”.
40 في المئة ارتفاع تكاليف الإسكان في ظل التضخم والكساد وانهيار قيمة العملة المحلية
وكانت الحكومة قد أجبرت المواقع الإلكترونية المحلية المهتمة بقطاع العقارات على رفع الأسعار خلال عرض المنازل للبيع والإيجار، وتسبب ذلك في حدوث ارتباك كبير في السوق.
وما يزيد الأوضاع سوءا في قطاع الإسكان هو انهيار العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية بسبب تداعيات الوباء على الاقتصاد.
وشهد الريال خلال الأسبوعين الأخيرين انحدارا حادا أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وخاصة الدولار واليورو، مع انتشار شائعات في عدد من المواقع الإيرانية تفيد بعزم روحاني على تغيير وإقالة محافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي.
ونشرت عدة جهات دولية تتابع العملات تقارير تؤكد أن الدولار الأميركي بلغ سعر صرفه 184 ألف ريال، وهو أسوأ قيمة تبلغها العملة الإيرانية، فيما بلغت قيمة الشراء 182 ألف ريال إيراني.
وأشار موقع إيران فوكوس في تقرير مؤخرا إلى أن الأزمة أجبرت الكثير من الإيرانيين على الهروب من المدن للسكن في الأرياف، مما جعلهم يحتاجون وقتا أكثر، ويصرفون أموالا أكثر
على النقل.