ترويج ترامب لقناة مغمورة يجسّد علاقة السياسة بالإعلام

تقدم قناة “ون أميركا نيوز” نفسها على أنها بديل لشبكة أخبار فوكس وتدافع بصرامة عن الرئيس دونالد ترامب ونظريات المؤامرة، ما جعلها مثار إعجاب ترامب الشديد ومصدر تغريداته حتى لو خالفتها جميع وسائل الإعلام في الولايات المتحدة.
واشنطن – “ون أميركا نيوز” قناة أميركية محافظة مغمورة لا يتجاوز عدد مشاهديها 14 ألفا لكن حماسها الشديد للرئيس الأميركي دونالد ترامب وتبنيها لنظريات مؤامرة “يحوكها الديمقراطيون”، لاقت إعجاب ترامب وأصبح من أشد المروجين لأخبارها في تغريداته، ما رفع بدوره من عدد متابعيها على تويتر إلى أرقام قياسية.
فقد لمَّح ترامب الثلاثاء 9 يونيو على حسابه بموقع تويتر، إلى أن الحادثة التي وقعت بين متظاهر يبلغ من العمر 75 عاما وشرطة بافالو كانت “ملفقة” من حركة “أنتيفا” اليسارية. دون الاستناد إلى أي أساس بل وتناقضه أشرطة فيديو المراقبة، وسرعان ما جعله يتعرض للانتقاد من قبل جميع وسائل الإعلام. حتى قناة فوكس نيوز الموالية جدا لترامب نأت بنفسها عن هذه التغريدة الرئاسية المثيرة للجدل.
وتبين أن هذه الفكرة دافعت عنها قناة “ون أميركا نيوز ” على الهواء مباشرة، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يروِّج فيها الرئيس لهذه القناة المغمورة، والتي هي أكثر يمينية و“ترامبية” بمراحل من قناة فوكس نيوز، بحسب ما ذكرت قناة فرانس 24.
واستقى ترامب نظريته التآمرية الجديدة من خلال مشاهدة هذه القناة ذات التوجه المحافظ للغاية. وغالبا ما يستشهد بها بصورة منهجية تقريبا عندما يرى أن قناة فوكس نيوز لا تظهر اهتماما كافيا بآرائه. كما أنه لا يفوت فرصة لتوجيه الشكر إليها وبخاصة في الأوقات المضطربة سياسيا التي يمر بها. فعلى سبيل المثال هاجمت “ون أميركا نيوز” الديمقراطيين بلا هوادة أثناء إجراءات عزل ترامب العام الماضي، كما أنها لم تتوقف عن الإشادة بمجهودات ترامب “الرائعة” في التصدي لوباء فايروس كورونا المستجد.
في المقابل ومنذ بداية الأزمة الصحية واصل الرئيس الأميركي الترويج للقناة على تويتر أكثر فأكثر. وهو ما يعد دعاية لا تقدر بثمن لتلك القناة المغمورة التي أسسها رجل الأعمال، روبرت هيرينج عام 2013 في سان دييغو.
وليس لهذه القناة إلا ما يقرب من 14000 مشاهد فقط في المدن الأميركية الكبرى، وفق تقدير مركز “نيلسن لأبحاث الإعلام”، في مقابل 631 ألف مشاهد لشبكة فوكس نيوز. ولكن بفضل حساب دونالد ترامب على تويتر، بات لدى “ون أميركا نيوز” اثنان وثمانون مليون متابع على الإنترنت…
كما قدمت القناة نفسها منذ البداية، على أنها بديل لشبكة أخبار فوكس ودفعت بصرامة نظريات المؤامرة شوطا أبعد بكثير من فوكس ذات التوجه المحافظ، مزيحة بذلك المؤشر السياسي في البلاد بقوة إلى جهة اليمين. وهو الاتجاه الذي أصبح “أكثر شيوعا” بوصول دونالد ترامب إلى المشهد السياسي عام 2015.
كما أصبحت القناة أول وسيلة إعلامية تبث خطب الرئيس الصوتية كاملة غير منقوصة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن دونالد ترامب “بصفته مراقبا إعلاميا متحمسا قد لاحظ بسرعة وجود شبكة “ون أميركا نيوز” وفتح البيت الأبيض أذرعه بترحاب لمراسلة هذه القناة، ذات الجمهور الذي لا يذكر، واضعا إياها في مصاف مراسلي وسائل الإعلام الكبرى أثناء تغطية الإحاطات الصحافية للرئيس.
ومراسلة القناة تشانيل ريون تقوم بدور يلاقي تقدير الرئيس الذي لا يفوت مناسبة إلا ويقوم بإثارة غضب زملائها الآخرين من الصحافيين. إنها مثال محض لذلك النوع من “الصحافة” الذي يروج له روبرت هيرينج في قناته. فهي مروِّجة مقتنعة ومؤمنة بما تروج له من نظريات.
وتشانيل ريون لم تتورع عن نشر نظريات من قبيل أن عددا من كبار الساسة الديمقراطيين ينتمون إلى طائفة شيطانية ترتكب في تأديتها لطقوسها جرائم قتل، أو أن بعضا من أقارب هيلاري كلينتون كانوا مسؤولين عن وفاة موظف في الحزب الديمقراطي.
وتقدم نفسها، على موقعها في الإنترنت، بوصفها معادية لهيلاري كلينتون ومعارضة بشدة لباراك أوباما و”جميع المثقفين اليساريين الليبراليين”. كما رافقت ريون أيضا رودي جولياني، محامي دونالد ترامب ويده اليمنى، في المجر “للتحقيق” في مزاعم الصفقات المشبوهة لعائلة جو بايدن المرشح الديمقراطي للرئاسة.
ورغم هذه السيرة الذاتية المثيرة للإعجاب لصحافية من أشد أنصار ترامب ومروجة عتيدة لنظريات المؤامرة، فإن تشانيل ريون ليست نجمة القناة. فرجل الساعة هو كريستيان روز. وهو الرجل الذي ألهم دونالد ترامب في تغريدته عندما قال على الهواء مباشرة إن مشهد وحشية الشرطة ضد الرجل السبعيني في بوفالو كان ملفقا.
وعلقت صحيفة ديلي بيست “إن تلك المعلومة تحديدا وجدت على موقع كونسرفيتيف تري هاوس، وهو منصّة تفيض بالعديد من نظريات المؤامرة التي تجدها حتى بعض المواقع اليمينية المتطرفة مثل برايتبارت، غريبة بعض الشيء”.
وفي خضم أزمة جائحة كوفيد – 19، أكد روز أن السلطات الصينية وشخصيات أخرى مشهورة مثل بيل غيتس وجورج سوروس وأنتوني فوتشي (الاختصاصي في الأمراض المعدية لدى الإدارة الأميركية) وبالطبع بيل وهيلاري كلينتون يستخدمون الفايروس كسلاح “للتحكم في عدد السكان”.