رئيس الوزراء العراقي يمهّد طريق مهمّته المعقّدة بتثبيت قدميه سياسيا وعسكريا

ترتيب أوضاع المؤسسة العسكرية وصياغة جبهة برلمانية مساندة للحكومة.
الثلاثاء 2020/06/16
جدار الصد الأوّل

لا يحتاج رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في معالجته للأوضاع العراقية المعقّدة إلى مجرّد وضع البرامج العملية واختيار الطاقم الكفوء وإيجاد التمويلات الضرورية لإنجازها، لكنّه سيحتاج قبل ذلك إلى تذليل الصعاب وإزالة العوائق التي يفرضها العمل في بيئة سياسية موبوءة بالمحاصصة والفساد والولاء للخارج ولا يمكن التعايش معها دون حزام سياسي وأمني سميك.

بغداد - يوزّع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جهوده، بين معالجة ملفّات عاجلة بالغة التعقيد على رأسها مواجهة جائحة كورونا والأزمة المالية الحادّة المترتّبة على تراجع أسعار النفط والحفاظ على الاستقرار الأمني الهشّ ومنعه من الانهيار، وبين توفير حزام سياسي يسمح له بمواصلة العمل ويحميه من ضغوط الجهات العاملة على إفشاله وعرقلة تنفيذ مخطّطه الإصلاحي الذي قد يهدّد مكانتها ويتناقض مع مصالحها.

ويوجّه الكاظمي تحرّكاته الداخلية حاليا في اتجاهين، يتمثّل الأول في إعادة ترتيب أوضاع المؤسسة العسكرية، فيما يدور الثاني حول صياغة تحالفات داخل البرلمان تؤمّن له الغطاء السياسي الذي يفتقر إليه.

وفور تسلمه مهام منصبه أصدر الكاظمي قرارا يعيد الاعتبار لأحد أبطال الحرب على تنظيم داعش وهو الفريق عبدالوهاب الساعدي الذي عملت الميليشيات الموالية لإيران على تجميده بعدما صعد نجمه شعبيا في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وحث زعماء الميليشيات عبدالمهدي على تجميد الساعدي ودفعوه إلى اتهام الجنرال البارز بالتخابر مع الولايات المتحدة الأميركية ليصدر القرار بإحالته على منصب إداري شكلي دون مهام مع تجريده من حرسه الشخصي. لكن الكاظمي أعاد الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب، ولم يكتف بذلك، بل قلده موقع القيادة فيه.

وبعد أيام، أصدر الكاظمي، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة، أوامره لوزير الدفاع جمعة عناد، لإجراء سلسلة تغييرات في أعلى الهرم القيادي للمؤسسة العسكرية، شملت تكليف الفريق الركن عبدالأمير يارالله بمنصب رئيس أركان الجيش، وتكليف اللواء الركن قاسم المحمدي بقيادة القوات البرية.

وعمل يارالله والمحمدي في قيادة العمليات المشتركة، جنبا إلى جنب مع جنرالات المارينز الأميركي وعرف عنهما التنسيق العسكري الفعال مع قوات التحالف الدولي خلال حقبة الحرب على داعش، وهو ما وضعهما في دائرة الشكّ والتوجّس لدى الميليشيات الموالية لإيران.

ويرتبط الكاظمي شخصيا بعلاقات وثيقة مع الضباط الذين كلفهم بهذه المناصب العليا، تعود إلى حقبة عمله رئيسا لجهاز المخابرات منذ 2016.

منع منتسبي المؤسسة العسكرية من الظهور الإعلامي دون تصريح مسبق لفرض الانضباط والنأي عن التجاذبات السياسية

ويرى مراقبون أن قرارات الكاظمي ذات جدوى في تحصين المؤسسة العسكرية العراقية من التأثيرات الإيرانية وفي إحاطة منصب القائد العام للقوات المسلحة، بعدد من الضباط الأوفياء لتقاليد العسكر.

وفي سياق مساعيه لضبط أداء المؤسسة العسكرية أصدر الكاظمي، الاثنين، أوامر تمنع الضباط في مختلف الصنوف من التعبير عن أي آراء سياسية أو الظهور غير المصرّح به في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول مراقبون إن هذا النوع من القرارات يعيد الانضباط للمؤسسة العسكرية ويحصنها من التأثيرات السياسية التي تسببت في فوضى كبيرة منذ العام 2003 انتهت سنة 2014 بهزيمة الكثير من قطعاتها بشكل غير متوقّع أمام بضعة آلاف من عناصر تنظيم داعش.

وتقول مصادر مطلعة إن الكاظمي أصدر أوامره لفريقه الخاص بفسح المجال أمام الضباط المهنيين للارتقاء في سلم المناصب بعيدا عن التزكيات الحزبية التي كانت تتحكم في شغل أي ضابط لأي منصب رفيع.

لكن مهمة الكاظمي في هذا المجال لن تكون سهلة، وهو يواجه إرثا معقدا داخل المؤسسات العسكرية والأمنية التي عملت الأحزاب طيلة أعوام على اختراقها وزرع الموالين في مختلف مفاصلها.

وسياسيا، تقول مصادر في بغداد إن الكاظمي يتواصل مع زعماء كتل ونواب في البرلمان العراقي، للتفاهم بشأن إمكانية تشكيل تحالف يتبنى دعم الحكومة بشكل معلن.

وبرغم الأغلبية المريحة التي نالتها حكومته عند عرضها على البرلمان، إلا أن أي كتلة لم تعلن تبنيها الصريح لها ما يتركها عرضة للاستهداف السياسي في أي لحظة.

وتقول المصادر إنّ انفتاح الكاظمي على نواب البرلمان العراقي، جاء على خلفية معلومات تشير إلى أن أطرافا سياسية شيعية عراقية، عقدت لقاءات في طهران خلال الأيام القليلة الماضية، لتنشيط خط معارض للحكومة في المرحلة المقبلة.

ولم تتوفر تفاصيل واضحة عن الحراك السياسي الشيعي المضاد للكاظمي في إيران، إلاّ أن مصادر تقول إن ممثلين عن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي يشاركون فيه.

وفي ظل الدعم الشيعي غير المعلن للكاظمي من رجلي الدين العراقيين مقتدى الصدر وعمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، فضلا عن التأييد السياسي السني والكردي الواضح، فإن أي معارضة في البرلمان للحكومة الجديدة قد تحتاج إلى معجزة لتحقق النجاح.

ومع التخفيف التدريجي في إجراءات الإغلاق التي اتخذت بسبب تفشي وباء كورونا، يتوقع المراقبون أن تنشط الحياة السياسية في العراق مجدّدا خلال الأسابيع القليلة القادمة بعد شهور من الخمول.

3