عمال العالم يهربون من كابوس الوباء ليقعوا في فخ فقدان الوظائف

ارتدادات أزمة فايروس كورونا تنفخ فقاعة البطالة في المنطقة العربية.
الاثنين 2020/06/08
الخطر يداهمنا

اضطر الملايين من العمال والموظفين حول العالم ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الرضوخ لقسوة الظروف الراهنة ليجدوا أنفسهم هاربين من كابوس الوباء ليقعوا في فخ البطالة بعد أن أغلقت الكثير من الأعمال الحرة أبوابها وباتت الشركات تقلص في قوتها العاملة لإعادة قدرتها على مواجهة الضغوط المالية الهائلة.

لندن - يقف الملايين من الناس حول العالم على واقع جديد يتمثل في فقدانهم وظائفهم وإلى الأبد حتى رغم انطلاق عمليات إعادة فتح المصانع والمتاجر وغيرها من القطاعات الإنتاجية إيذانا بتحرك عجلات الاقتصاد بعد سبات امتد لأسابيع بسبب الوباء.

وتتجلى هذه الحقيقة القاسية، التي يواجهها العمال الذين جرى تسريحهم في الولايات المتحدة والعالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، من خلال المطاعم في تايلاند مرورا بالفنادق في الإمارات وصولا إلى مصانع السيارات في فرنسا.

وراحت مصادر أرزاق هؤلاء الناس ضحية للركود الناجم عن عمليات الإغلاق المتبعة للحد من انتشار كورونا، الذي سرّع من التراجع في الصناعات المتعثرة، ويؤجج المزيد من الاضطرابات عبر القوى العاملة العالمية. ويعني ارتفاع مستويات البطالة إنفاق أموال أقل في المتاجر والمطاعم والسفر، ما سيخلف تداعيات عبر الاقتصاديات الغنية والفقيرة.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كغيرها من المناطق الأخرى في العالم، التي تتلقى الضربات تلو الأخرى في هذا المجال الحيوي والحساس، حيث من المتوقع أن تعاني منه حتى نهاية العام أو ربما يتجاوز الأمر لأشهر في العام المقبل.

ومع ذلك يختلف حجم هذه المعضلة من دولة عربية إلى أخرى نتيجة عدة عوامل أهمهما التعداد السكاني وقوة الاقتصاد ومدى قدرة القطاع الخاص على الصمود بوجه صدمة الوباء، فضلا عن العمالة الوافدة التي تتميز بها دول الخليج العربي.

ولطالما اعتمدت حكومات المنطقة على العمالة الوافدة زمن الطفرة النفطية، أما اليوم ومع القيام ببرامج إصلاحية فإن معالجة البطالة في صفوف الخليجيين باتت أولوية قصوى.

ورغم أن مشكلة قلة الوظائف موجودة في المنطقة قبل أزمة كورونا خاصة بين فئة المواطنين، لكنها لم تكن بالاتساع الذي طفت به إلى السطح في الوقت الحالي.

وترك الوباء بصماته على سوق العمل، فقد اضطرت شركات في قطاعات كثيرة إلى تسريح الموظفين بسبب الضغوط المالية كما أن بعض أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة استغنوا عن العمال الأجانب.

وربما تكون صناعة الطيران الأكثر تضررا. وقد أشار الرئيس التنفيذي لشركة طيران الإمارات، تيم كلارك إلى أن الأمر قد يستغرق أربع سنوات لتعود شركة الخطوط الجوية، التي تتخذ من دبي مقرا لها، إلى سابق عهدها.

ويبدو التأثير المضاعف على الوظائف في قطاعي السياحة والفندقة هائلا. وتبقى دولة مثل الإمارات موطنا للملايين من الأجانب الذين يفوق عددهم عدد السكان المحليين.

ارتفاع مستويات البطالة يعني إنفاق أموال أقل، وهو ما سيخلف تداعيات قاسية عبر الاقتصادات الغنية والفقيرة

وفي هذه الفترة، فقد العديد منهم وظائفهم في البلاد، وبالتالي لن يتمكنوا من إعالة أسرهم في دول مثل الهند وباكستان ونيبال والفلبين الذين لطالما اعتمدوا على تحويلاتهم الشهرية لتحمل تكلفة الخدمات الأساسية.

ويُعدّ طاهي الفنادق المصري رمضان السيد من بين الآلاف الذين عادوا إلى ديارهم في مارس الماضي، حيث بدأ الوباء في تدمير صناعة السياحة في إمارة دبي.

وقد عاد إلى زوجته وأطفاله الثلاثة في محافظة سوهاج، التي تبعد 500 كيلومتر جنوب القاهرة، وهو دون أجر منذ أبريل.

وقال “لا يوجد عمل هنا على الإطلاق وحتى السياحة عادت بنسبة لا تتجاوز 25 في المئة مما كانت عليه. من سيوظفني هنا؟”. وأصبح السيد يعتمد على أخيه ووالده للحصول على ما يطعم به عائلته، وهو يأمل أن يُعيده فندق ماريوت إلى عمله في نهاية الصيف عند إعادة فتحه.

ويلقي الوباء في مصر، أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان بنحو مئة مليون نسمة، بظلاله على سوق العمل. ووفق المؤشرات زادت نسبة البطالة، خاصة في قطاعات الخدمات الغذائية مثل المطاعم والأنشطة الترفيهية كدور السينما والمسارح، وما يرتبط بها من خدمات النقل.

وفي سيناريو متشائم بشأن البطالة، توقع المركز المصري للدراسات الاقتصادية الشهر الماضي، أن تتفاقم المشكلة ليصل المعدل إلى 20 في المئة من إجمالي قوة العمل نتيجة الأزمة الحالية وعودة المغتربين خاصة من دول الخليج.

أما تونس، فيبدو أن تسارع وتيرة المنظمين إلى طابور البطالة سينغص على الحكومة، التي تواجه عاصفة من الانتقادات من قبل الذين تم تسريحهم ولم يجدوا سندا لهم لمعاضدتهم كما تفعل الدول الغربية مع مواطنيها.

وهناك شواهد تمتد من الشركات إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الأعمال اليومية، التي تظهر أن موظفين وعمالا باتوا ضمن طوابير البطالة الطويلة، والتي لا تزال عند 15.3 في المئة منذ 2011. ويتوقع خبراء أن يشطب الوباء نحو 430 ألف وظيفة خلال فترة الحجر الصحي الممتدة حتى نهاية يونيو الجاري.

وعلى الصعيد العالمي، تبدو مسألة فقدان الوظائف هي السمة الأبرز اليوم وخاصة للأسر الفقيرة التي ستجد نفسها مضطرة في موقف لا تحسد عليه.

كابيتال إيكونوميكس: شركات كانت مزدهرة قبل فرض الإغلاق ستفلس
كابيتال إيكونوميكس: شركات كانت مزدهرة قبل فرض الإغلاق ستفلس

وكانت وانابا كوتابين، التي نالت وظيفة مساعد طاه في مطبخ أحد أقدم المطاعم الإيطالية في العاصمة التايلندية بانكوك، تعتقد أن حياتها المهنية أصبحت مستقرة وبآفاق واضحة. ولكن، وبعد مرور خمس سنوات، وجدت نفسها مع أكثر من 100 تايلاندي آخر عاطلين عن العمل أمام مكتب البطالة.

وتقول كوتابين البالغة 38 عاما بنبرة حزينة بعد أن قرر صاحب المطعم إغلاقه تماما إنها لم تعتقد أبدا أن هذا سيحدث و”لقد تحطم قلبي مرتين”.

وتنص لوائح الأمان الجديدة على وجوب اكتفاء المطاعم والمتاجر بزبائن أقل. لذلك، لم يعد بإمكانها أن تتحمل رواتب نفس العدد من الموظفين. ولم يستطع الكثيرون إعادة تسيير أعمالهم بعد الإعلان عن تخفيف إجراءات الإغلاق.

وتعتقد كوتابين أن بإمكانها الاعتماد على إعانة البطالة لفترة قصيرة، مشيرة إلى أنّها إذا لم تستطع العثور على عمل، فسيتعين عليها العودة إلى مزرعة المطاط لتعمل مع عائلتها.

ويعدّ العمال من ذوي الأجور المتدنّية الأكثر تضررا من أزمة الوباء. وتعد مارغريت أوينو البالغة 54 عاما، مثالا على ذلك، حيث فقدت وظيفتها بعد 15 عاما قضتها عاملة نظافة في إحدى مؤسسات الأم تيريزا الخيرية في نيروبي.

ومن دون راتبها الشهري البالغ 150 دولارا، تشتري الآن الدجاج وتقليه لبيعه في الشوارع. وقالت “منذ أن وجدت نفسي من بين المسرّحين بسبب الجائحة، بذلت كل جهدي في عملي”.

ولم تعد بعض الشركات قادرة على تأجيل اتخاذ قرارات التسريح. وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للبحوث الاقتصادية في مذكرة بحثية إن “بعض الشركات التي كانت مزدهرة قبل أن تفرض الحكومات عمليات الإغلاق ستفلس، وقد يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تُستبدَل بشركات جديدة. كما ستؤجل الشركات الأخرى استثماراتها المقررة أو تلغيها”.

ورغم المفاجأة، التي جاءت عكس توقعات المحللين بتراجع نسبة البطالة الأميركية في مايو الماضي لتبلغ 13.3 في المئة قياسا بنحو 14.7 في المئة قبل شهر، لكنه على الأرجح لن يستمر طويلا. وتشير التقديرات إلى أن ثلث العمال الأميركيين الذين عجزوا عن العمل بسبب الوباء لن يجدوا عملا في غضون ستة أشهر.

وقد يُسرّح بعض العمال الأوروبيين الذين يتمتعون ببرامج إجازة سخية مدعومة من الحكومة عند انتهاء صلاحيتها، حيث تواجه شركات مثل شركة صناعة السيارات الفرنسية رينو والطائرات أيرباص مستقبلا أكثر قتامة. وحذر كبير خبراء الاقتصاد في بيرينبيرغ هولغر شميدينغ، من أن الجائحة والركود الكبير الذي تلاها قد يشكلان النقاشات والخيارات السياسية لفترة طويلة.

10