لا توقظوا النوم رجاء

لم أكن يوما من معشر النوامات والنوامين، لطالما شعرت بالهلع عند حلول الليل لأنه موعد النوم. كنت لا أنام واحترت جدا في أمر النائمين، رغم أن النوم، ظاهرة ليست استثنائية، كل الناس ينامون، بل إن الذين لا ينامون مرضى بداء الأرق.
بإمكان أختي قضاء 23 ساعة أو أكثر نوما في اليوم. كانت تكمل نومها كل صباح بعد أن تجبر على الاستيقاظ بعد إلحاح للذهاب إلى المدرسة، في الحمام.
وعلى عكسها كنت لا أنام أبدا وإن نمت فأكون نصف مستيقظة.. تحول هلعي من الليل إلى شغف أصبحت أنتظره حتى أصغي إلى ضجيج سكونه. باتت لي هواية ليلية.. النظر إلى القمر من فوق سطح بيتنا ساعات وساعات، بعد أن ينام الجميع.. لا يهم إن كان الفصل شتاء أو صيفا.
أعرف كل سهارة الحي، كلا منهم متى يعود إلى بيته، أسرارا صغيرة يحكيها البعض في الطرقات حين عودتهم…
تغيرت عاداتي بمرور العمر. وكغيري من الناس أذعنت للسلطان الذي لا يرفض له طلب. وجدتني اقتربت بحذر من النوم حتى لا أوقظه، لأتلمس ذلك الأمل الذي يتشكل في قلب الظلام ويجعلني قادرة على بدء يوم جديد.
فجأة، رغم احتفاظي بعادة السهر، أصبحت أوافق الجميع أن النوم هو الشيء الوحيد الذي يستحق أن نعطيه أكبر من حجمه.. فهو أجمل مكافأة يحصل عليها الإنسان نهاية كل يوم!
اقتنعت بمقولة أن النوم تدريب مستمر على الأمل، كما ورد في “كتاب النوم”.
يقضي البشر ثلث أعمارهم على الأقل في النوم. يذكرنا ذلك بحقيقة أننا عاجزون، على الأقل لمدة نصف يوم من كل يوم. بمعنى آخر نحن عاجزون نصف العمر.
قليلون، ناقمون على النوم لعجزهم أمامه، يظن الفلاسفة أنه يحرمهم التفكير، أما الكثيرون من بني البشر العاديين هم سعداء بظاهرة النوم ومستفيدون منها.
البارحة كانت الساعة الرابعة صباحا، كنت قد نمت منذ نصف ساعة.
جاءت ابنتي، التي انتقلت إليها عاداتي القديمة في الأرق وقد تذكرت ساعتها أن تطرح علي أسئلة وجودية تناسب سن الرابعة لا أجد جهدا ولا بالا واسعا للإجابة عنها، كنت نصف نائمة. وقبل أن يثور غضبي بثانية سألتني لماذا أنت على أعصابك، نامي أفضل.
نعم أفضل، يجب أن أنام الآن فالنوم هبة إلهية ولولاه لجنّ كل البشر وأصبحوا فلاسفة.