كورونا وموسم الأزمات

ينحسر التفاؤل أحيانا بافتقاد شيء مهمّ وذي معنى في حياة أي منّا بسبب أحد العوارض القاهرة أو أزمة وبائية ما كالتي تعيشها البشرية جمعاء حاليا. لكن سرعان ما تعود الحياة لتدب من جديد بعدما ينفخ الأمل في الوجود ليبعث بالأشياء وإن بتنظيم وترتيبات مختلفة لا تخضع سوى لهول كورونا اللعين الذي فعل فعلته في الجميع وأربك كل الحسابات.
هكذا هو موسم كرة القدم الحالي في أغلب الدوريات العالمية والعربية على السواء. لحظة فاجعة، يتلوها تأمّل فحذر شديد، ليخيم الصمت على الكون فارضا علويته في المدرجات وفي كل الأمكنة التي جالت فيها الأقدام ليخضع الجميع لحتمية الحجر المطبق. كل يفكر في ليلاه وكل ينشط وفق طقوسه وحتمية الظرف والمحيط الذي وجد فيه، لتتبدد أحلام هذا ورؤية ذاك في موسم رياضي لم يخيّل لأحد أن سيرورته ستكون على هذا النحو.
جادة هي الحياة عندما تمنح الأبطال فسحة للتأمل، فرصة لإعادة ترتيب الأفكار واختيار مكان جديد للسعي والانطلاق من جديد. وبالمثل للمسؤولين لتنظيم روزنامة الأحداث وفق قاعدة لا تفرق بين التأجيل والإلغاء، بين الترقب والعودة… بين وبين إلخ.
كل الأمور باتت رهن إشارة وأوامر هذا العدو المجهول الذي لا أحد قادر على مقارعته سوى بالانتظار ومراقبة الأمور عن كثب، والأهم هو الالتزام بأوامر السلطات الصحية في أي مكان على الأرض.
فرض كورونا نفسه على الجميع دون استثناء. أطل على بواطن الأشياء وحفر كثيرا في الأعماق ليزيح الستار عن فوارق كبيرة وعدم مساواة طبعت وتطبع جل الرياضات عموما وكرة القدم على وجه الخصوص.
كرة القدم التي يعشقها الملايين من الناس ويتابعونها عبر الشاشات الصغيرة والملاعب وعبر مختلف المحطات بتلك الحماسة المفرطة لها وجه آخر سيء تماما ظهرت عيوبه مع هذه الأزمة العالمية.
لا يتوقف الأمر عند الهوة الشاسعة لرواتب اللاعبين والعقود الخيالية التي طبعت سوق التعاقدات بل إنه يتعدى ذلك إلى مطالب المساواة التي رفعت طويلا لتسوي بين الجنسين طوال سنين طويلة وجاءت هذه الأزمة لتدفع بها إلى مستويات بعيدة من الركام. فقد راود الأمل سيدات كرة القدم في مختلف أنحاء العالم بعد مونديال فرنسا 2019 بأن يلتفت المجتمع الكروي إليهن ويبارك التطور اللافت للعبة النسائية دوليا وعربيا، لكن ما بعد كورونا لا يمكن تصور مآلاته. ليست كرة القدم الرياضة الوحيدة التي طالها نير عاصفة كورونا بل هناك العديد من الرياضات باتت على المحك بسبب وقف نشاطها وعدم قدرتها على مسايرة هذه الأزمة الوبائية العالمية. بدءا بالرياضة الميكانيكية وليس انتهاء بكرة المضرب وغيرهما من الرياضات التي وجد لاعبوها أنفسهم في وجه العاصفة ولكنهم يجاهدون لإحياء أمل العودة إلى الميادين ولو بعد حين.
يقال إن “الضربة التي لا تقتل تقوي” والأكيد أن ضربة كورونا ستمنح حياة جديدة وفكرا جديدا للرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص. ستمنح الفرصة لمراجعة قوانين اللعبة الشعبية شمالا وجنوبا، شرقا وغربا وفي كل الدوائر.
ستفتح الباب لمعالجة الأعراض الظاهر منها والباطن وإن تطلب الأمر ضخ جرعات إضافية لإيقاف هول فايروسات الفساد والرشاوى وسوء الإدارة وغيرها من المطبات التي ظلت، كرة القدم خصوصا، ترزح تحت نيرها لسنوات طويلة خصوصا في أفريقيا، منبت النجوم وتفريخهم نحو أوروبا.
سيبقى موسم كورونا هذا العام عصيّا على النسيان لأجيال وأجيال. سيُحدّث كل جيل الآخر عما فعله كورونا بالرياضة والرياضيين في كل أنحاء الكون. وستظل فصول الإصلاح، إن كتب له أن يتجسد، خالدة لسنوات طويلة يتغنى بها الرياضيون في كل مكان ويتحدثون عما جلبه وباء كورونا من أزمات ومن محاسن أيضا.
سينتهي موسم كورونا السيء، لكنه سيحمل الجديد للرياضة عموما وكرة القدم خاصة. فقط مطلوب الانتظار للحكم على ما فعله وسيفعله كورونا بمستقبل أجيال وأجيال.