وباء كورونا يهدد مسار السلام في السودان

الجبهة الثورية تسعى إلى ترجمة المكاسب التي حققتها إلى واقع ملموس يمكنها من الانخراط في مؤسسات السلطة.
الأربعاء 2020/04/15
الحرب على كورونا تشغل حمدوك

الخرطوم – تركز الحكومة السودانية هذه الأيام جهودها في احتواء تفشي فايروس كورونا، الذي يثير الكثير من المخاوف في بلد يواجه مسارا انتقاليا صعبا نتيجة الوضع الاقتصادي وتعثر مسار السلام في غياب عامل الثقة.

وتبدي الجبهة الثورية تشككا في أن السلطة تحاول توظيف الانشغال بمحاربة فايروس كورونا لإعادة خلط الأوراق مجددا بخصوص عملية السلام.

وعقد المجلس الرئاسي للجبهة اجتماعا الاثنين في جوبا، بعد تلقيه رسالة شفهية من الحكومة حول نتائج الاجتماع الثلاثي بين قوى الحرية والتغيير ومجلسي السيادة والوزراء السبت، وما تمخض عنه من مصفوفة سياسية جديدة، جعل الجبهة تطالب بإرسال نتائج الاجتماع كتابة كي يتسنى الرد عليها كتابة، مشددة على أنه دون السلام لن تكتمل مكتسبات الثورة.

وأكد المجتمعون أن قوى الحرية والتغيير تسعى إلى إقصاء قوى الهامش والجبهة الثورية كتنظيم مؤسس، حيث تجاوزت الشارع ولجان المقاومة، وتوصلت إلى محاصصات حزبية حول الولايات بطريقة وصفوها بـ”المخجلة”.

وكان من المتوقع أن تشهد المفاوضات التي تجري عبر تقنية الفيديو كونفرانس تقدما بعد ثمانية أشهر من المباحثات الماراثونية في جوبا، لكن الجبهة الثورية قلقة من تغيّر المزاج العام مع هيمنة الأوضاع الاقتصادية والصحية على اهتمامات الحكومة.

وتدرك الجبهة الثورية أن حدوث تصدع أو تغير في معالم هذه المرحلة لن يكون في صالحها بعد أن حققت مكاسب سياسية الأشهر الماضية، وسيؤدي استمرار الوضع القائم من دون التوصل إلى سلام نهائي، وتعطيل بناء المؤسسات الحيوية، إلى خسارة الدعم الشعبي.

ودفع هذا الشعور الجبهة للتأكيد على ضرورة المواصلة في مفاوضات السلام، وأبرزت النقاط المضيئة في الاتفاقيات الثنائية التي وقعها قادة الحركات في المسارات المختلفة مع وفد الحكومة لطمأنة الأنصار في مناطق الهامش والأطراف، ومخاطبة الرأي العام السوداني الذي بدأ يتململ من تمديد المفاوضات أكثر من مرة بلا طائل حقيقي، وبات معنيا بالأوضاع الاقتصادية والصحية أكثر من الأمنية.

انشغال المكونين المدني والعسكري بالأوضاع الصحية جراء انتشار فايروس كورونا
انشغال المكونين المدني والعسكري بالأوضاع الصحية جراء انتشار فايروس كورونا

وأكدت ثمانية من التنظيمات المسلحة والسياسية، المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، في بيان مشترك الأحد، أن العملية التفاوضية مكنت مسارات الوسط والشمال والشرق من الوصول إلى اتفاقيات نهائية، وأنها المرة الأولى التي تجد فيها التنظيمات غير الحاملة للسلاح وأقاليم السودان غير المتأثرة بالحرب بصورة مباشرة فرصة للتعبير عن قضاياها في منبر للسلام.

وتحاول الحركات المسلحة التي انخرطت في مفاوضات مع الحكومة منذ أغسطس الماضي إعادة ترتيب أوراقها، عقب إعلان رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي تعليق مشاركته في التفاوض بسبب تحفظات على نهج الوساطة إثر قرارها تمديد المحادثات، والدخول في حوارات غير مباشرة لمناقشة ملف الترتيبات الأمنية الأكثر تعقيدا.

وتجد الجبهة الثورية صعوبات في إنجاز ملف الترتيبات الأمنية مع هذه التطورات، خاصة أنه يقوم بالأساس على التفاهمات السرية، أو ما يمكن تسميته بـ”توافقات تحت الطاولة”، وهو أمر لن يكون متاحا من خلال تقنية الفيديو كونفرانس. وكشفت مصادر من داخل الجبهة الثورية لـ”العرب” أن استمرار التفاوض أمر حتمي، وأن مني أركو مناوي سيعود إلى المفاوضات المقبلة في ظل رغبة الحركات في عدم الاضطرار لتمديد المفاوضات من جديد، لأن ذلك سيكون خسارة كبيرة.

وتخشى الجبهة الثورية أن يفضي التأجيل المتكرر أو التركيز على الهموم الصحية إلى مفاجآت سياسية، من نوعية الاتفاق بين شركاء الحكم، مجلسي السيادة والوزراء وتحالف الحرية والتغيير، على استكمال بناء هياكل السُلطة بعيدا عنها، من بين حزمة تفاهمات تم التوصل إليها في اجتماع مطول جرى بالتزامن مع مرور عام على الإطاحة بنظام عمر البشير.

وتعذر تكوين المجلس التشريعي وتعيين ولاة مدنيين بسبب اعتراض بعض مكونات الجبهة الثورية على ذلك قبل توقيع اتفاق سلام نهائي. وتسربت معلومات بشأن اتفاق شركاء الحكم في السودان على عقد مؤتمر للسلام في يونيو المقبل، وهي خطوة تنظر إليها الجبهة الثورية بكثير من الشكوك، لأن الوفد الحكومي سبق وأن طالب بتأجيل حسم ملفات نسب التمثيل في مؤسسات السلطة الحاكمة إلى حين عقد هذا المؤتمر، وهو الطلب الذي واجه رفضا من قبل مسار دارفور الذي يسعى للحصول على 30 في المئة من إجمالي مؤسسات السلطة العليا.

ويرى مراقبون أن التفاهمات بين شركاء الحكم في السودان من دون الجبهة الثورية تجعل من إعلان جوبا الذي وقعت عليه والحكومة الانتقالية في أكتوبر الماضي حبرا على ورق حال جرى تشكيل باقي مؤسسات الحكم دون انتظار تحقيق السلام، وأن الجبهة الثورية سيكون عليها التعامل مع الواقع السياسي الجديد.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري في الخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، أن الحركات المسلحة تتخوف جديا من انشغال المكونين المدني والعسكري بالأوضاع الصحية جراء انتشار فايروس كورونا، وتصبح قضية المفاوضات ثانوية في ظل الاتفاق على استكمال هيئات الحكم الانتقالي في منتصف مايو المقبل، وإن لم تصل المفاوضات إلى حل نهائي للسلام.

وأضاف لـ”العرب” أن التحركات الأخيرة لشركاء الحكم لاقت ترحيبا شعبيا ما يعني أن المزاج العام يتجه نحو الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية قبل السياسية، فيما تسعى الجبهة الثورية إلى ترجمة المكاسب التي حصلت عليها إلى واقع ملموس يمكّن مكوناتها من الانخراط في مؤسسات السلطة، وتدرك الجبهة أن تأخير السلام يجعلها في منطقة رمادية بين السلطة الحاكمة والمعارضة.

2