تونس تعدل بوصلة القروض نحو مواجهة الوباء

أضافت أزمة كورونا أعباء إضافية على الاقتصاد التونسي المثقل بالديون في وقت يعاني فيه كسائر بلدان العالم من تعطل محركات الإنتاج بعد دخولها في الحجر الصحي العام والشامل وما تبعه من ركود إجباري لأغلب محركات النمو.
تونس - تتجه الحكومة إلى تعديل برامج القروض السابقة من صندوق النقد الدولي وتوجيهها نحو مواجهة جائحة كورونا التي وصفها الخبراء بصدمة للاقتصاد المحلي الهش في ظل غياب موارد مالية وبنية تحتية صحية لمكافحة أكبر أزمة صحية تمر بها البلاد.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن وزير المالية نزار يعيش قوله الاثنين، إن “تونس ستتلقى من صندوق النقد الدولي قرضا تفوق قيمته 400 مليون دولار لمجابهة تفشي فايروس كورونا في البلاد”.
وأضاف الوزير أن تونس سوف تتحول للتفاوض مع “صندوق النقد الدولي حول برنامج كورونا بأكثر من 400 مليون دولار وسيتم صرفها قريبا”.
وأكد أنه “تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على وقف برنامج المراجعة السادسة وفي المقابل سنحصل على أكثر من 400 مليون دولار” في إطار برنامج مكافحة فايروس كورونا المستجد وتخفيف تداعياته الاقتصادية.
وقال الخبير الاقتصادي وليد بن صالح في تصريح خاص لـ”العرب” إن موازنة الحكومة التونسية للعام المالي الحالي كانت تأخذ في الاعتبار الاعتماد على تمويل خارجي يمكن أن يتغير حاليا.
وأوضح أن الموازنة كانت تستند إلى “قروض خارجية بقيمة 8.8 مليار دينار (حوالي 3 مليارات دولار) من بينها صرف القسطين الأخيرين الخامس والسادس من برنامج صندوق النقد الدولي، وتصل قيمتهما إلى حدود 1 مليار دولار”.
ارتباط الاقتصاد الشديد بالأسواق الخارجية التي تشهد انهيارا غير مسبوق يحد من قدرته على مواجهة الصدمات
وأضاف أن “ذلك البرنامج تم تعليق العمل به الآن وسوف تتوجه الحكومة للحصول على خط تسهيل ائتماني ضد وباء فايروس كورونا المستجد بنحو 400 مليون دولار أي أقل من القسطين المبرمجين في الموازنة”. وأشار إلى أن ذلك يعني عدم وجود خطط اقتراض خارجي إضافية جراء هذه العملية، وإنما تعليق العمل بالقرض وتوجيه خط مالي جديد وفقا لأولويات فرضت نفسها بعد اجتياح الفايروس للبلاد رغم اتخاذ السلطات إجراءات استباقية لكبح انتشاره.
وفي ظل هشاشة الأوضاع المالية تساءل وليد بن صالح عن “كيفية تمويل موازنة السنة الحالية في ظل الفارق السلبي في الموارد المزمع الحصول عليها من صندوق النقد الدولي”.
وحسب هذه المؤشرات ستجد الحكومة نفسها في منعرج بين فقدان الحصول على حوالي 600 مليون دولار من ناحية وصعوبة اللجوء إلى الأسواق المالية العالمية في الوقت الحالي للحصول على تمويلات بقيمة 1.7 مليار دولار بحسب ما تم برمجته في قانون المالية من ناحية أخرى.
ووقعت تونس مع صندوق النقد الدولي اتفاقية قرض بحوالي 2.9 مليار دولار في العام 2016 يتم صرفها على أربع سنوات مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية واسعة وفقا لثماني مراجعات دورية.
غير أن البلاد واجهت أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية مما عرقل خططها ولم تتمكن جراء ذلك سوى من نيل سوى 1.6 مليار دولار، بعد إكمال خمس مراجعات فقط.
وكان ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشير قد أكد في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن السلطات التونسية قدّمت طلبا للاستفادة من آلية صندوق النقد للتمويل السريع من أجل التصدي لتداعيات فايروس كورونا (كوفيد-19) على الاقتصاد التونسي.
ويجمع الخبراء على أن تفشي الفايروس سوف تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد التونسي وأعباء كبيرة على تنفيذ الإصلاحات التي كانت حكومة إلياس الفخفاخ قد أعلنت عنها في فبراير الماضي عقب نيلها ثقة البرلمان.
وتوقع الخبير وليد بن صالح أن “تكون عواقب كورونا شديدة الوقع على الاقتصاد المحلي نظرا لهشاشة المقومات الاقتصادية الكمية والارتباط شبه الكلي بالأسواق الخارجية التي تشهد بدورها انهيارا غير مسبوق”.
ويشكل انهيار حركة التصدير والسياحة أحد أكبر المعضلات التي تهدد الاقتصاد بعد غلق موانئ وخطوط بحرية وجوية وبرية عديدة ضمن محاولات منع انتشار عدوى الفايروس وما انجر عن ذلك من ركود في حركة التصدير والاستيراد خصوصا مع تضرر أكبر شريك استراتيجي للبلد وهو الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق أشار الخبير إلى أن “انهيار الأسواق على مستوى التصدير والسياحة واستيراد المواد الأساسية والمواد الأولية والصناعات التحويلية سيزيد من حدة الأزمة في ظل اختلال التوازنات المالية العامة وضعف الإمكانيات المالية للشركات والأشخاص واعتمادها المفرط على الاقتراض مما يحد بشكل كبير من القدرة على مجابهة صدمات خارجية كالتي نعيشها حاليا”.
وخصصت الحكومة التونسية خطة مساعدات قيمتها نحو 850 مليون دولار للمؤسسات والأفراد بهدف مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فايروس كورونا.
وأكد رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ في خطاب تلفزيوني نقلته القناة الرسمية على ضرورة “الاتحاد في المعركة ضد الفايروس”.
وشدد الفخفاخ من لهجته نحو أصحاب الثروات من كبار الشركات قائلا “إن لم تقدم المؤسسات ذات الإمكانيات الكبيرة مساعدات للدولة فسوف نضطر إلى اتخاذ إجراءات أحادية”.
وعقب هذا التصريح صدرت تأويلات كثيرة اعتبرت الخطوة جريئة لإجبار كبار الشركات التي تحقق أرباحا طائلة على تقديم تبرعات ومساعدات كبيرة للبلاد في ظل أزمة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة فاقت إمكانيات الدولة.
وكان العديد من رجال الأعمال قد أعلنوا خلال الأيام الماضية تقديم تبرعات للصندوق الوطني المخصص لمواجهة الوباء، غير أن العديد من المتابعين والمراقبين اعتبروها مجرد فتات ولا تضاهي حجم التسهيلات والإعفاءات التي قدمتها الدولة التونسية لأصحاب المشاريع والتي بفضلها حققوا الأرباح.
وسجلت تونس حتى الثلاثاء نحو 114 إصابة بفايروس كورونا المستجد بينها ثلاث وفيات. كما أعلنت عن بؤر لانتشار الفايروس في جزيرة جربة جنوب البلاد وعدد من مناطق العاصمة تونس.
وأعلن رئيس البلاد قيس سعيد في بيان الاثنين، عن تعزيز نشر قوات الجيش في البلاد “لحث المواطنين على ملازمة بيوتهم واحترام الإجراءات التي تم اتخاذها تجنبا للتجمعات والتنقلات التي ليس لها أي مبرر”.