واشنطن تقاوم الوباء فتتضرر بكين

بكين- جو ماكدونالد- تواجه المصانع في الصين، التي تكافح من أجل إعادة فتح أبوابها بعدما تضرر الاقتصاد بسبب فايروس كورونا، تهديدا جديدا يتمثل في الضوابط الأميركية لمكافحة الأمراض التي قد تعطل صناعة الرقائق الدقيقة والمكونات الأخرى التي تحتاجها.
وتهدّد هذه الصدمة بتراجع جهود الحزب الشيوعي الحاكم لإحياء ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أن أعلن انتصاره على تفشي المرض. ومن شأن هذا التهديد أن يزيد من الضغوط على النشاط التجاري العالمي حيث تغلق الدول الغربية أماكن العمل، وتحد من السفر وتطلب من المستهلكين البقاء في منازلهم.
وينتج المصنعون الصينيون أكثر من 80 في المئة من الهواتف الذكية لأجهزة “آبل” و”سامسونغ”، وغيرهما من العلامات التجارية، ونصف أجهزة الكمبيوتر الشخصية في العالم، ونصيبًا كبيرًا من الأجهزة المنزلية والسلع الأخرى. لكنهم بحاجة إلى تصنيع شرائح معالج أميركي ومكونات أخرى عالية القيمة.
ولم يتّضح بعد كيف يمكن أن تؤثر القيود الأميركية المضادة لفايروس كورونا على التجارة. وتنطبق الضوابط حتى الآن على المسافرين، وليس على السلع. وتعمل المصانع الأميركية، لكن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة يقول إن 39 في المئة من أصل 300 شركة قام بالاستطلاع بشأنها كانت تعاني بالفعل من انقطاع الإمدادات.
انقطاع النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة بسبب مكافحة كورونا يؤدي إلى تعطيل النشاط الصناعي في الصين
وقال دارين تاي، محلل المخاطر لدى شركة “فيتش سولوشنز”، “من المحتمل أن يؤدي الانقطاع المستمر للنشاط في الولايات المتحدة إلى تعطيل النشاط الصناعي في الصين”.
وتعمل بكين على تخفيف الضوابط التي تركت شوارع المدينة فارغة وصامتة وأرسلت موجات صدمة عبر الاقتصاد العالمي، حيث يقوم المصنعون بإعادة بناء سلاسل التوريد (شبكات الآلاف من مزودي قطع غيار السيارات والرقائق الدقيقة والمكونات الأخرى).
ويقول المسؤولون إن شركات صناعة الصلب وغيرها من الصناعات الحكومية عادت إلى طبيعتها تقريبا. لكن الظروف تشكل خطورة أكبر بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والخاصة التي تعتبر المحرك الاقتصادي للصين وتصنّع الملابس والألعاب والسلع الاستهلاكية الأخرى. وتعمل الكثير من هذه الشركات على المستويات العادية أو يتم إغلاقها بسبب نقص المواد والموظفين.
وقالت غرفة التجارة الأميركية في جنوب الصين في تقرير الأربعاء إن واحدة من كل ست شركات ردت على استطلاع أجرته في الفترة من الـ9 إلى الـ14 من مارس نفدت مكوناتها وأخرى بدأت تنفد بالفعل.
وقالت الغرفة إن الولايات المتحدة وأوروبا ودول آسيوية أخرى شكلت 18 في المئة من هذا النقص. وقالت إن معاناة سلاسل التوريد في الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين.
وكانت أكثر بقليل من نصف الشركات التي شملها الاستطلاع والبالغ عددها 237 شركة أميركية، بينما ثلاثة أرباعها من الشركات المصنعة. وجميع هذه الشركات بلغت عن أنها تأثرت بسبب انقطاع الإمدادات بسبب تفشي المرض.
وقال تقرير الغرفة “أبلغ العديد من الشركات عن قدر كبير من السلع التي تحتاجها والتي يتم شحنها بانتظام من اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا والولايات المتحدة، وهي دول تتعرض الآن لضغوط من تفشي المرض”.
وأرجع الاقتصاديون الذين قلصوا توقعات النمو الاقتصادي العالمي لهذا العام إلى تعطيل التصنيع الصيني والأميركي كسبب واحد.
ويسلط المأزق الضوء على مخاطر استراتيجيات التصنيع التي تخفض التكاليف باستخدام شبكات واسعة من المورّدين والمصانع عبر دول متعددة. ومن المرجح أن تتأثر العلامات التجارية للهواتف الذكية بشدة بسبب اعتمادها على التجميع الصيني والمجموعات المجزأة من مورّدي المكونات.
كما تزوّد ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية المعالجات الدقيقة ومكونات الهواتف الذكية الأخرى، ولكن أكثر منتجي الرقائق تقدمًا هم من الأميركيين.
وقال باحثو شركة “آي دي سي” في تقرير “السيناريو المتشائم يرى انقطاعات في الإمدادات تستمر طوال العام. وإذا حدث ذلك، ستتم إعادة تشكيل الصناعة بشكل دائم بمجرد أن تبدأ في التعافي في العام المقبل أو في عام 2022”.
وقالت شركة “هواوي”، وهي شركة صينية لصناعة الهواتف الذكية ومعدات الشبكات، إنها لا تتوقع أيّ تغيير في سلسلة التوريد الخاصة بها في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة. وسعت الشركة لإزالة المكونات الأميركية من منتجاتها العام الماضي بعد أن فرض الرئيس دونالد ترامب قيودا على وصولها إلى التكنولوجيا الأميركية.
وقالت وكالة موديز لخدمات المستثمرين في تقرير لها إن صانعي السيارات “معرضون بشدة للخطر” لأنهم يحتاجون إلى مكونات من الولايات المتحدة والمورّدين العالميين الآخرين. وقالت إن الاضطراب في الصين سيؤثر على الصناعة العالمية.
ويستخدم صانعو السيارات العالميون أنظمة ضعيفة تعتمد على مكونات قليلة في متناول اليد. لقد أعادوا فتح مصانع في الصين، لكنهم يقولون إن وتيرة التعافي تعتمد على مدى سرعة المورّدين في التسليم مرة أخرى.
وقالت شركة فورد موتور في بيان إنها “تقيّم الوضع بعناية” لكنها تتوقع عدم حدوث أيّ تعطيل لعملياتها في الصين بسبب ضوابط مكافحة الفايروسات التي تفرضها الحكومات الأخرى. وقالت إن مصانعها قادرة على تلبية طلب السوق لكنها تحتاج إلى وقت للعودة إلى وضعها الطبيعي.
وقالت شركة “ديل”، إحدى أكبر الشركات المصنعة لأجهزة الكمبيوتر، إنها تستخدم شبكة عالمية من المورّدين وتطلع العملاء على التغييرات في وقت الإنتاج. وقالت الشركة في بيان “نستكشف باستمرار مصادر بديلة، وإنتاج واستراتيجيات لوجستية” وسوف “نعدّل حسب الحاجة”.
وأعربت شركة جنرال إلكتريك، التي توظف 18 ألف شخص في الصين، عن ثقتها في أن سلسلة التوريد العالمية تمنح الشركة “المرونة في إدارة المخاطر والتكيف معها”. وتأثرت سياسات سلاسل التوريد بشكل متزايد مع تزايد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وكان المصنّعون يبحثون بالفعل عن طرق للاعتماد بشكل أقل على الصين بعد اندلاع حرب تعريفية مع واشنطن في عام 2018. لكن قلة من الدول يمكنها مطابقة قوتها العاملة الهائلة ومورديها الأكفاء والموانئ الجديدة والبنية التحتية الأخرى.