الجزائر تحظر الاحتجاجات من دون أمل في نهايتها

الجزائر- قررت الجزائر حظر جميع أشكال التظاهر والاحتجاج، مهما كانت طبيعتها ومطالبها، بدعوى الحيلولة دون تجمع الأشخاص وتجنب المزيد من الإصابات بوباء كورونا المستجد.
وأعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في أول خطاب رسمي له للأمة منذ انتخابه رئيسا للبلاد في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، عن حظر جميع المظاهرات والاحتجاجات، مهما كان شكلها، كإجراء احترازي لمنع توسع دائرة الإصابة بوباء كورونا.
وإذ حمل القرار الطابع الوقائي في إطار حزمة من الإجراءات الأخرى، وجاء بعد إقرار فعاليات الحراك الشعبي تعليق الاحتجاجات السياسية لعدة أسابيع لنفس الأسباب، فإن الخلفيات السياسية تبقى واردة في موقف السلطة، بعدما فشلت بجميع الوسائل في إجهاض المظاهرات الشعبية، ولم يتسنّ لها تحقيق الهدف إلا بفرصة الوباء.
ومع حصر المحتجين قرارهم في “عدة أسابيع”، فإن خطاب عبدالمجيد تبون، لم يحدد توقيتا معينا للقرار، وهو ما يمثل فرصة للسلطة لإيجاد آليات ناجعة لإفراغ الشارع من الاحتجاجات، وحتى ربما اللجوء إلى سن تدابير أمنية استثنائية في البلاد.
وظهر الرئيس الجزائري الثلاثاء، في أول خطاب رسمي للأمة بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتخابه رئيسا للجمهورية، لكنه لم يحمل في أوراق خطابه مسائل مهمة للرأي العام، لاسيما في ما يتصل بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوترة.وباستثناء الكشف عن حزمة الإجراءات المتخذة لتفادي الإصابة بالوباء، والإعلان عن الاستعانة بالإمكانيات المادية واللوجستية للمؤسسة العسكرية، وتسخيرها في خدمة القطاع المدني، فإن تبون لم يعرض أي أفكار أو تصورات لتجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، من عدم الاستقرار الاجتماعي والأزمة الاقتصادية.
وطفت على المشهد الجزائري سجالات واتهامات متبادلة بين الشارع والسلطة حول الازدراء بخطر الوباء، ففيما حمّل الأول المسؤولية للثانية، على خلفية التأخر والتساهل مع الظاهرة، مما حوّل منطقة البليدة إلى بؤرة مرضية، نتيجة قدوم عائلة مهاجرة من فرنسا إلى أهلها ومشاركتها في وليمة عائلية الأمر الذي نشر العدوى تباعا لدى أفراد العائلة والحضور، فضلا عن التماطل في تشديد المراقبة أو تعليق حركة المسافرين جوا وبحرا وبرا.
وفي المقابل وجّهت دوائر سياسية وإعلامية موالية للسلطة، تهم “التهوّر وقلة الوعي والمغامرة بصحة الناس”، لنشطاء الحراك الشعبي، بسبب الاستمرار في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية إلى غاية الأسبوع الماضي، رغم التحذيرات التي أطلقتها السلط السياسية والصحية.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن انهيار الثقة بين الطرفين أحدث قطيعة بينهما وأفضى إلى سلوك “التحدي والنكاية”، قبل أن تدخل أصوات معتدلة على الخط وتدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات ووضع صحة الناس في المقام الأول، والانخراط في هدنة سياسية مؤقتة.
وسبق للجزائريين، أن قاطعوا خلال العام 2018 حملة تطعيم الأطفال من مرض الحصبة، رغم الحملة التحسيسية التي نفذتها السلطات الصحية، وفشلت جميع الدعوات أمام صفحات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، استطاعت أن تقنع الرأي العام وتوجهه عكس حملات وزارة الصحة، على خلفية ما أسمته آنذاك بـ”عدم جدوى محلول التطعيم وتسببه في أمراض أخرى وشبهات في الصفقة المبرمة بين الوزارة والمخبر الهندي المورد له”.
وعكس رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، الذي وصف المحتجين بـ”الإخوة والأخوات”، وصرح بـ”شرعية التظاهر والاحتجاج”، فإن الرئيس تبون تقيّد تماما بمكتوب الخطاب، وبالإجراءات المتخذة من طرف السلطة، مما يوحي إلى أن الرجل الأول في البلاد، لا يزال يسير في خطة التجاهل وعدم الاهتمام بالاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من عام.
وتتجه أنظار المتابعين إلى مستقبل الحراك الشعبي بعد انجلاء غبار كورونا، ومدى قدرة الناشطين على الاستمرار في تعبئة الشارع، مقابل تحيّن السلطة للفرصة من أجل إفراغ الشارع من المظاهرات الشعبية، الأمر الذي يعيد الوضع إلى مربع الصفر، لما كان نظام بوتفليقة مطمئنا للقبضة الأمنية المضروبة على الشارع، قبل أن ينتفض الجزائريون ويكسرون كل الأغلال في الـ22 فبراير عام 2019.