هل تنجح الوساطة الأفريقية في ليبيا حيث فشلت الأمم المتحدة

يمثل انخراط الاتحاد الأفريقي بشكل أكبر في الأزمة الليبية من خلال رعاية وساطة بين الأطراف المتنازعة منعرجا جديدا قد يحمل معه متغيرات عجزت الوساطات الدولية والأممية عن تحقيقها، لكن الاتحاد الأفريقي المثقل بالإخفاقات في إيقاف الحروب التي تنهش القارة أمام مهمة معقدّة لأزمة ليبية شديدة التعقيد وكثيرة تشابك الأجندات.
طرابلس - تعددت الوساطات في الأزمة الليبية لكن مصيرها كان الفشل إلى حدّ الآن، فلا الأمم المتحدة حققت تقدما في ملف تسوية النزاع الليبي بشقيه السياسي والعسكري ولا دول الاتحاد الأوروبي (فرنسا، إيطاليا، ألمانيا) كانت أكثر حظا، فيما يشكك مراقبون في إمكانية توصل وساطة أفريقية لحلول جدية قادرة على اختراق جدار الأزمة بين الفرقاء في ليبيا.
ويرى هؤلاء أن الحل يجب أن يكون من الداخل عبر حوار ليبي- ليبي بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي عادة ما تكون مبنية على مصالح وأجندات لا تراعي مصلحة البلاد.
وأعلن ثلاثة رؤساء أفارقة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وممثّلون عن كلّ من الأمم المتّحدة والحكومتين الجزائرية والمصرية في ختام اجتماع في الكونغو الأسبوع الجاري أنّ أديس أبابا ستستضيف في يوليو المقبل مؤتمرا للمصالحة بين أطراف النزاع في ليبيا.
وجاء في البيان الختامي الذي ألقاه وزير خارجية الكونغو جان كلود غاكوسو أنّ “مجموعة الاتصال التابعة للاتحاد الأفريقي قررت عقد المؤتمر الوطني بين الأطراف الليبية في شهر يوليو 2020 في أديس أبابا بإثيوبيا طبقا للقرار الذي اتخذه مؤتمر رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأفريقي عام 2018”.
وأضاف “تؤكد مجموعة الاتصال إدانتها القوية للتدخلات وانتهاك حظر الأسلحة، ووجود وإرسال واستخدام المقاتلين الأجانب في الأراضي الليبية”.
والاجتماع الذي ترأّسه رئيس الكونغو دينيس ساسو شارك فيه نظيراه الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا والتشادي إدريس ديبي إتنو، ورئيس مفوضية الاتّحاد الأفريقي موسى فكي محمد، ورئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ماريا لويزا ريبيرو فيوتي. وهذا ثاني اجتماع تستضيفه الكونغو منذ قمة برلين حول ليبيا في يناير.
وعقد الاجتماع الأول في برازافيل في 30 يناير، وقد أعربت يومذاك الجزائر، التي تدعو كغيرها من بلدان القارة إلى وضع حدّ للتدخّل الأجنبي على الأراضي الليبية، عن رغبتها في استضافة الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا.
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي “لا شيء بات يضر بجهودنا لتسوية الأزمة الليبية أكثر من تضارب أجندات وطروحات المتدخلين “، مضيفا “أريد أن أعبر بأعلى صوت عن معارضة أفريقيا الشديدة لهذا التضارب والتناقضات في التدخلات والطروحات والأجندات الخارجية”.
ويأتي اجتماع أويو بعد استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، فيما تتحدث أوساط دبلوماسية عن ترشيح وزير الخارجية السابق رمطان العمامرة لمنصب المبعوث الأممي إلى ليبيا، وسط ترحيب تيارات الإسلام السياسي في العاصمة طرابلس.
وتواجه الوساطة الأفريقية تحديين رئيسيين على الأقل من أجل النجاح ولو جزئيا في مهامها، الأول هو حظر تدفق الأسلحة إلى البلاد كخطوة أولى تعبد الطريق نحو تفاهمات سياسية، والثاني التصدي للأجندات الخارجية وهو الأمر الأكثر صعوبة حسب مراقبين.
ورفضت حكومة الوفاق المحاصرة في طرابلس التقيّد ببند حظر دخول الأسلحة إلى البلاد، في وقت يؤيد فيه القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر الدعوات الأممية المتكررة.
وزاد التدخل التركي في تصعيد التوتر في طرابلس إذ عمدت أنقرة إلى تقديم الدعم العسكري للميليشيات المساندة لحكومة الوفاق من خلال توفير الأسلحة والمقاتلين المرسلين من سوريا من أجل تجنب خسارة المعركة أمام قوات الجيش الليبي التي تحاصر هذه الميليشيات منذ أشهر.
ومثّل إرسال المرتزقة إلى ليبيا خرقا لتعهدات مؤتمر برلين وتأكيدا على استمرار التدخلات الأجنبية في ليبيا رغم إدانة القوى الإقليمية والدولية لهذه الممارسات وخطورتها على أمن واستقرار البلد.
ويرى مراقبون أن تمسك حكومة الوفاق بالدعم التركي المقدم لها كان من أبرز أسباب فشل الوساطة الأممية، حيث تواصل أنقرة إرسال مرتزقة إلى طرابلس بالإضافة إلى قوات من الجيش التركي.
ومثل إرسال المرتزقة إلى ليبيا خرقا لتعهدات مؤتمر برلين وتأكيدا على استمرار التدخلات الأجنبية في ليبيا رغم إدانة القوى الإقليمية والدولية لهذه الممارسات وخطورتها على أمن واستقرار ليبيا.
ويدعم الرئيس التركي السراج الذي وقّع معه في نوفمبر 2019 اتفاقيات تعاون عسكري وأمني وبحري.
وفي خطوة عملية كبادرة حسن نوايا تجاه الدفع نحو حل سلمي ينهي الصراع في ليبيا، أعلن المشير خليفة حفتر أنه لا يعارض تسيير دوريات لدول الاتحاد الأوروبي على خطوط التماس لمراقبة تدفق الأسلحة.
واستبقت حكومة الوفاق هذا الإعلان، برفض المهمة الأوروبية التي ستمنع وصول الأسلحة إلى ميليشياتها، وذلك على لسان المتحدث باسم مسلحيها محمد قنونو الذي وصف المهمة بأنها عملية “مشبوهة ومتواطئة”.
وقال قنونو لوسائل إعلام قطرية إن المهمة الأوروبية، التي لم تبدأ بعد، ستفشل، مضيفا “لا ننسى أن لحكومة الوفاق الحق في مواصلة تحالفاتها العسكرية العلنية ومازلنا نحتاج إلى الدعم من الدول الصديقة لمواجهة الخطر الذي يهددنا”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن مؤخرا اعتزامه مراقبة حظر توريد أسلحة إلى ليبيا مستقبلا عبر مهمة بحرية جديدة من المقرر أن تبدأ بحلول نهاية مارس المقبل.
ويأتي رفض حكومة الوفاق المسبق للمهمة الأوروبية لمراقبة تدفق الأسلحة، وسط إدانات دولية للدور التركي القطري في تأزيم الأوضاع داخل ليبيا.