عقبات هيكلية تعرقل نهوض اقتصاد السودان

صندوق النقد الدولي يؤكد أن "الآفاق الاقتصاديّة للسودان تُنذر بالخطر مع غياب التوازنات الكبرى".
السبت 2020/03/14
كفاح من أجل لقمة العيش

تبخرت أحلام السودانيين بتحسّن وضع اقتصاد بلادهم بمجرد نهاية عهد عمر البشير الذي استمر 30 عاما، إذ استمر تدهور الأوضاع بعد عام على رحيله، الأمر الذي أصبح يهدد السلم الاجتماعي في مرحلة انتقالية.

الخرطوم - اتسعت مظاهر انحدار الأوضاع المعيشية في السودان، ومنها الوقوف في طوابير لنحو 6 ساعات لتعبئة السيّارات بالوقود، وثلاث ساعات للحصول على الخبز إضافة إلى ندرة غاز الطبخ وتزايد انقطاع التيار الكهربائي.

أمّا مستخدمو وسائل النقل العامّ فيبقون ساعات طويلة تحت أشعّة الشمس الحارّة والغبار، في انتظار حافلة قد تأتي وقد لا تأتي.

يقول حسن إبراهيم، وهو سائق حافلة مواصلات، بلهجة غاضبة “منذ الصباح الباكر أقِف، ولا أثر للديزل”. ويضيف أن “الناس خرجوا في المظاهرات لتحسين الوضع. إذا كان الذين يَحكمون لا يستطيعون ذلك، عليهم أن يذهبوا”.

وعاد الغضب للانفجار للمرّة الأولى منذ الإطاحة بنظام البشير، حين خرج في 20 فبراير الماضي المئات من الأشخاص في تظاهرة للاحتجاج على إقالة ضبّاط من الجيش ناصروا الاحتجاجات ضدّ حكم البشير.

لكنّ رقعة الاحتجاجات لم تتّسع، إذ إنّ رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لا يزال يحظى بشعبيّة كبيرة، خصوصاً بعد محاولة اغتياله الاثنين الماضي.

وقال أحمد وهو في الأربعينات من عمره يعمل على سيّارة نقل، أثناء وقوفه مع آخرين في طابور خارج محطّة وقود في الخرطوم “نُعاني في الحصول على كلّ أنواع الوقود. منذ مساء الأمس أقف للحصول على الديزل لسيّارتي، والآن المحطة ليس بها وقود”.

وكانت وزارة الطاقة والتعدين أعلنت الأربعاء أنّ مصفاة الخرطوم لتكرير النفط تعمل بطاقتها القصوى وتُنتج 70 في المئة من حاجة البلاد للبنزين و45 في المئة من الديزل و65 في المئة من غاز الطبخ.

Thumbnail

كما يتعيّن على فرد من كلّ عائلة الوقوف يوميّاً في طابور، للحصول على رغيف خبز.

وقال الشابّ العشريني محمد عمر أثناء وقوفه مع آخرين في طابور أمام أحد المخابز في العاصمة “منذ أربعة أشهر ونحن نقف يوميا لساعات في طابور للحصول على رغيف الخبز. الحكومة كانت وعدت بحلّ الأزمة خلال شهر، لكن لم يحدث شيء”.

ومنذ انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011، يعاني اقتصاد البلاد من ارتفاع معدّلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه السوداني إثر فقدان عائدات 470 ألف برميل يوميا.

وتسعى الحكومة إلى القيام بإصلاحات برئاسة حمدوك الذي عمل لسنوات في الأمم المتحدة وتمّ تعيينه في أغسطس الماضي بعد اتّفاق سياسي بين العسكريين والمدنيّين ليرأس حكومة لفترة انتقاليّة تمتدّ ثلاث سنوات وتنتهي بإجراء انتخابات عامّة.

ويُعقَد مؤتمر أصدقاء السودان الذي يضمّ دولا غربيّة على رأسها الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي وبريطانيا وبلدان عربيّة، في يونيو المقبل في الخرطوم.

ومن المقرر أن تعقد حكومة حمدوك نهاية الشهر الحالي مؤتمراً اقتصاديّاً يشارك فيه متخصّصون، في محاولة لحلّ الأزمة الاقتصاديّة في البلاد.

وتشكو الحكومة من أنّها الإرث الاقتصادي الثقيل. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة قوله “ورثنا وضعاً مفلساً”.

وأضاف أنّ “هناك تباطؤاً من المجتمع الدولي والإقليمي، لا نملك له تفسيرا. لعلّهم لا يُدركون اللحظة الحرجة التي نحن فيها. نحن لا نريد صدقات من العالم، وبلادنا لديها موارد طبيعيّة لم تُستَغلّ، ولكنها تحتاج للتمويل للبدء” باستغلالها.

صندوق النقد الدولي يتوقع استمرار انكماش الاقتصاد السوداني في العام الحالي بنسبة 1.5 في المئة

وأشار الوزير على سبيل المثال إلى أنّ موسم حصاد القمح “مبشّر جدّاً” لكنّه يُعاني نقصاً في آليّات الحصاد.

ويُعاني الاقتصاد السوداني جرّاء إدراج السودان على اللائحة الأميركيّة “للدول الراعية للإرهاب” منذ عام 1993 بعد اتّهام وُجّه آنذاك لحكومة البشير بإقامة علاقات مع تنظيمات إسلاميّة “متطرّفة” مثل تنظيم القاعدة التي أقام مؤسّسها وزعيمها السابق أسامه بن لادن في السودان بين الأعوام 1992 و1996.

وتُحاول حكومة حمدوك الحصول على استثمارات غربية مباشرة عبرَ رفع اسم البلاد عن تلك اللائحة الأميركية، في وقت تحذر فيه مؤسّسات اقتصاديّة دوليّة من خطورة الوضع في السودان.

وأكد صندوق النقد الدولي الأربعاء أنّه “مع غياب التوازنات الكبرى… فإنّ الآفاق الاقتصاديّة للسودان تُنذر بالخطر”.

وأضاف في تقرير مكون من 78 صفحة أن “نسبة الانكماش الاقتصادي بلغت في عام 2018 نحو 2.2 في المئة لتسجل ارتفاعا العام الماضي إلى 2.6 بالمئة. وتوقع أن ينكمش هذا العام بنسبة 1.5 في المئة ليبدأ النمو العام المقبل بنسبة 1.4 في المئة”.

وأوصى التقرير حكومة حمدوك بإجراء إصلاحات اقتصاديّة، على رأسها رفع الدعم عن المحروقات.

وأشار إلى أنّ الدين الخارجي يبلغ حوالي 55 مليار دولار إضافة إلى 3 مليارات متأخّرات واجبة السداد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعوق حصول البلاد على تمويل خارجي.

لكنّ جوناس هورنار المحلّل في مجموعة الأزمات الدوليّة للشؤون السودانية أكّد أنّ الإصلاحات الاقتصاديّة تُجابه بمعارضة من الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك، إذ إنّ قوى “الحرّية والتغيير ترفض رفع الدعم”.

وأضاف أنّ على “الحكومة الانتقاليّة والمجتمع الدولي التحرّك سريعا لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار الذي سيؤدّي إلى إفشال الفترة الانتقالية”.

وشدّد على أنّ “الحكومة تحتاج إلى مساعدات من أجل إنعاش الاقتصاد، وهو ما يتطلّب إصلاحات جريئة وتشريعات في الجانب المالي. لكنّ الخرطوم لا يمكنها القيام بذلك منفردة”.

11