أنقرة تبحث تسوية دائمة مع موسكو للتخلص من ورطة إدلب

اعتبر مراقبون أن محاولات تركيا لانتزاع تسوية دائمة من روسيا خلال المشاورات، التي استمرت حتى الجمعة بخصوص اتفاق الهدنة المبرم بينهما، تهدف إلى بحث كيفية الخروج من ورطة محافظة إدلب السورية، بعد أن تم تضييق الخناق على القوات التركية بشكل كبير، في ظل الضغوط التي تعاني منها أنقرة بسبب النازحين إلى أراضيها ومكابرتها المستمرة بأن الحلول التي تطرحها على الطاولة هي في مصلحة الشعب السوري.
أنقرة – يعكس تمسك تركيا بموقفها المتعلق بإيجاد تسوية دائمة للهدنة في إدلب اعتقاد المتابعين أن الاتفاق، الذي أبرمته مع روسيا مطلع الشهر الجاري، لن يصمد كثيرا كغيره من الاتفاقات السابقة.
وتخشى أنقرة أن تخسر رهانها على الاتفاق الذي قد يعطيها أملا في تنظيم صفوفها مرة أخرى وبالتالي تقوية الجماعات التي تدعمها لإعادة السيطرة على المحافظة السورية.
وفي مسعى جديد من تركيا لرأب الصدع مع روسيا، قال مسؤول عسكري تركي الجمعة إن “مراكز المراقبة التركية في منطقة إدلب السورية باقية في مواقعها وتؤدي مهامها على الرغم من تطويق القوات الحكومية السورية لها، وذلك بعد أسبوع من اتفاق بين أنقرة وموسكو على وقف إطلاق النار هناك”.
ويبدو الهدف الظاهري لاتفاق عدم التصعيد هو تحقيق الاستقرار في المدينة وتجنّب نشوب حرب بين النظام السوري وهيئة تحرير الشام المسلحة المدعومة من تركيا، والتي تهيمن على إدلب، لكن المشكلة بالنسبة إلى الأتراك أكبر من ذلك.
واتفقت تركيا وروسيا، اللتان تدعمان طرفين متصارعين في الحرب السورية، في الخامس من مارس الجاري على وقف القتال في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا بعد أن أدى تصاعد العنف إلى نزوح حوالي مليون شخص واقتراب الجانبين من شفا المواجهة.
ويفترض أن يعالج الاتفاق مخاوف تركيا الرئيسية المتمثلة في وقف تدفق المهاجرين ومنع سقوط المزيد من القتلى من الجنود الأتراك، لكنه يعزز أيضا المكاسب الأخيرة، التي حققتها القوات الحكومية السورية ويترك المواقع التركية محاصرة.
وفي إدلب تسببت المعارك في تأزم العلاقات بين تركيا وروسيا اللتين تدعمان أطرافا متقاتلة في الصراع السوري، لكنهما تعملان أيضا على احتواء موجة العنف الأخيرة بعد تبادل الاتهامات بشأن خرق اتفاق وقف التصعيد في إدلب.
وحمّلت موسكو أنقرة مسؤولية الأوضاع في المحافظة السورية وعدم احترام الاتفاقات المبرمة، بينما عُزز هذا الاتهام مع انفراط عقد الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، والتي باتت أنقرة عاجزة عن ضبطها وتقييد تحركاتها بما يضمن حسن تطبيق الاتفاق.
وقتل نحو 60 جنديا تركيا في اشتباكات بالمنطقة منذ الشهر الماضي، لكن وقف إطلاق النار يبدو صامدا إلى حد كبير منذ إبرام الاتفاق بين أنقرة وموسكو.
الاتفاق يفترض أن يعالج مخاوف تركيا المتعلقة بوقف تدفق النازحين السوريين وخفض خسائر جنودها
وشنت دمشق، مدعومة من قوات إيرانية وضربات جوية روسية، هجوما لاستعادة إدلب منذ ديسمبر الماضي، ما أدى إلى فرار ما يقرب من مليون مدني شمالا باتجاه الحدود التركية.
وأقامت تركيا 12 مركزا للمراقبة العسكرية في منطقة إدلب بموجب اتفاق مع روسيا عام 2018، لكن الكثير من هذه المواقع أصبحت الآن في مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية.
وكانت أنقرة قد حذرت سابقا من أنها ستطرد القوات السورية من المنطقة إذا لم تنسحب، لكنها لم تفعل بعد. ونسبت وكالة رويترز إلى المسؤول الأمني التركي، الذي لم تكشف عن هويته، قوله إنه “لا توجد خلافات بشأن مراكز المراقبة. ولا انتهاكات أيضا لوقف إطلاق النار ضد مراكز المراقبة.. مراكز المراقبة ستستمر في أداء واجباتها”، مشيرا إلى أنه لن يتم سحب أسلحة ثقيلة أو معدات من هناك.
ومضى قائلا في إفادة في أنقرة إن “الهدف من مراكز المراقبة هو وقف إراقة الدماء والمأساة الإنسانية. يجب النظر إلى الخطوة التي اتخذت في الخامس من مارس باعتبارها تحركا في هذا الاتجاه. لا يوجد شيء على غرار هذا الاتفاق، وبالتالي كل شيء انتهى، لقد تم تجميد الوضع فحسب”.
وبموجب الاتفاق ستقوم القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة على طول الطريق السريع أم 4، الذي يربط بين شرق سوريا وغربها، وإنشاء ممر أمني على جانبيه.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أكد الأحد الماضي أن المحادثات مع روسيا مستمرة “بطريقة بناءة” لتنظيم دوريات مشتركة على طول الطريق السريع أم 4 المهم في إدلب، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
ووصل وفد روسي إلى أنقرة الثلاثاء الماضي لإجراء محادثات حول تفاصيل الاتفاق. وقال المسؤول العسكري التركي إن المحادثات مع الروس، التي كان من المقرر اختتامها الخميس، تواصلت إلى الجمعة”، واصفا إياها بأنها “إيجابية”. وأضاف أن أول دورية مشتركة سيجري تسييرها الأحد المقبل كما هو مزمع وأنه سيتم اتخاذ كل ما يلزم ضد أي جماعات تحاول عرقلة هذا، في إشارة إلى جيش النظام السوري.
وشدد الرئيس رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي على أن بلاده، التي تساند بعض جماعات المعارضة السورية، لن تتوانى عن القيام بعمل عسكري أقوى في إدلب في حال خرق وقف إطلاق النار.
وقال “وقعنا على اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في موسكو. المسألة الآن تتعلق بما إذا كان يمكن تحويله إلى وقف إطلاق نار دائم. الآن نسعى لوضعه بسرعة موضع التطبيق. وعندما ننتهي من الأمر ستكون مهمتنا أسهل”.
وأضاف “أمام أصغر هجوم على نقاطنا لن نرد فحسب، بل سنرد بشكل أعنف”.
وأشار المسؤول الأمني التركي إلى أنه سيكون هناك تدخل ضروري ضد الجماعات التي تعمل على انتهاك وقف إطلاق النار.
وفي يناير العام الماضي، تمكّنت هيئة تحرير الشام من كسب أرض في أنحاء إدلب، معززة بذلك هيمنتها على المدينة ذات الأهمية الإستراتيجية، عندما تخلى مسلحون مدعومون من تركيا عن أراض لهم بعد ما يزيد قليلا على الأسبوع من القتال.
وفي ضوء ذلك، يعتقد مراقبون أن الفشل التركي لم يقتصر على عدم القدرة على احتواء هيئة تحرير الشام، وإنما الفشل حتى في منع المجموعة من التوسع والتمدد.