الصحافيات العربيات لا تنقصهن المهنية بل يعانين التمييز

منظمات عالمية تدعو للتحرك من أجل تحقيق العدالة الجندرية في الإعلام، فيما تتزايد حدة الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام عربيا.
الاثنين 2020/03/09
الصحافيات أثبتن جدارتهن في التغطية الميدانية

انتقدت منظمات عالمية التمييز الجندري في الأخبار مؤكدة أن “وسائل الإعلام بعيدة كل البعد عن تحقيق التوازن”. ورفعت الصحافيات اللواتي واجهن ولا يزلن يواجهن جهودا لكسر الصورة النمطية وإثبات قدراتهن في “يوم المرأة العالمي” شعارات إحلال العدالة الجندرية.

لندن - دعت منظمات عالمية في بيان مشترك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الأحد جميع القيادات الإعلامية والصحافيات والصحافيين حول العالم إلى التحرك من أجل إعادة التوازن بتمثيل قضايا النوع الاجتماعي في الأنباء، سواء من حيث الكم أو من حيث كيفية التمثيل. لأن “الإحصاءات تُظهر أن الإعلام بعيد كل البُعد عن تحقيق التوازن”.

وتمثل الصورة النمطية للمرأة في وسائل الإعلام إشكالية دولية لكن حدتها تزيد عربيا.

وأضاف بيان المنظمات أن “أغلب المحتوى الإعلامي يصوّر النساء في أدوار نمطية، بما يتراوح مثلاً بين أدوار ربة البيت وعارضة الأزياء والضحية، كما أن هناك احتمالات أكبر بأن يُشار في ما يتعلق بالنساء إلى السمات السطحية، مثل المظهر والسن والثياب والحالة الاجتماعية، مقارنة بالرجال”.

وبين أن “الرجال على الجانب الآخر، يمثلون الفئة الأكثر معالجة وتقديما كشخصيات عامة قوية، مع تركيز الإعلام في حالة الرجال على المهنية والمهارات والآراء. يعمق هذا ويرسّخ من التصورات القاصرة والمنطوية على عدم المساواة حول الجندر”.

وأوضح البيان أن “نسبة 4 في المئة فقط من تقارير وأخبار جميع الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون على مستوى العالم هي التي بها تحدٍ للأنماط الجندرية التقليدية القائمة وأن 24 في المئة فقط ممن تغطيهم الأنباء – من تجري مقابلتهن، ومن تتم كتابة الأخبار عنهن من الإناث”.

كما يتم تقديم النساء كخبيرات في 19 في المئة فقط من جميع الحالات، و16 في المئة من الأنباء المتصلة بالسياسة والحكومة، تكون النساء هنّ موضوع القصة الخبرية.

من جانب آخر، تؤكد تقارير دولية على قدرة المرأة الصحافية على تغطية الأحداث بمهنية عالية جدا، ولكنها، وحسب تلك التقارير، ما زالت تعاني من التمييز الجندري، من قبل إدارات المؤسسات الإعلامية، في العالم ككل، وفي العالم العربي خاصة.

4 في المئة فقط من التغطيات الإعلامية العالمية تتحدى الأنماط الجندرية التقليدية

وفي لبنان، أطلق “تجمع نقابة الصحافة البديلة” الذي كان نتاج انتفاضة 17 أكتوبر، ويضم عاملين وعاملات في الإعلام، حملة إلكترونيّة حول التمييز ضد الصحافيات قائلاً إنّه يشارك مع “المناضلات في مختلف قطاعات الحياة، وضد كافة أوجه التمييز والظلم”. ورفع التجمع شعارات أبرزها: “المساواة للصحافيات… في الأجور والمهام والترقيات”، و”فقط بالكفاءة والتخصّص نعمل، لا بمعايير أخرى”، و”أجسادنا لنا، لا للمهنة، ولا للمسيطرين عليها داخل المؤسسات”، وتصريحات أخرى تدين التمييز الجندري والعمري ضد النساء في القطاع، فضلا عن التحرش الجنسي.

وكان التحرش الجنسي والعنف بمختلف أشكاله، من أهم المحاور التي سلَّط برنامج “النساء في الأخبار” الصادر عن المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء “WA IFRA”، مجهرَه عليها خلال المؤتمر الإقليمي الذي عقد في أغسطس الماضي في بيروت.

وبحسب دراسة عالمية، تتعرض 48 في المئة من الصحافيات لأحد أشكال التحرش. وبحسب الاستطلاع الذي أجري في 9 دول في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط فمن بين 59 إلى 64 في المئة من الصحافيات يتعرضن لتحرش لفظي، وبين 17 إلى 24 في المئة منهن يتعرضن لتحرش جسدي، وبين 3 إلى 10 في المئة يتعرضن لاعتداء جنسي. وتؤكد الدراسة أيضا أن 29 في المئة من النساء اللواتي تعرضن لاعتداء جسدي بلَّغن عن الحادثة.

ولا تزال معوقات عديدة تحول دون تحقيق التنوع الجندري في العمل الصحافي، لعل أهمها المجتمع الذي يشكل ضغوطا على الصحافيين عامة والنساء خاصة، فمناطق النزاع مثلا تمثل تهديدا على حياة الصحافية، كما تعرضها إلى ضرر جسدي وعنف جنسي وأعمال انتقامية ضد أفراد عائلتها.

وتمثل المعاييرُ الثقافية تحدّ آخر يعزّز التحيّزَ الجندري في المؤسسات الإعلامية، بالنظر لوجود تصورات مجتمعية ترسخ صورةً نمطية للمرأة، كسنّ الزواج ودورها في العناية بالأولاد وأفراد العائلة، حيث يغيب التكافؤ بينها وبين الرجل في إجازة الأمومة، ففي جميع الدول العربية المرأة تأخذ الإجازة كإشارة أنها المنوطة بالمهمات الأسرية وليس الرجل، ما يجعل الوضعَ الأمني والمادي للكثير من الصحافيات غير مستقر، بحسب “النساء في الأخبار”.

يسرى فراوس: وصول الإعلاميات لمواقع صنع القرار لا يتحقق إلا بحمايتهن من جميع أشكال العنف
يسرى فراوس: وصول الإعلاميات لمواقع صنع القرار لا يتحقق إلا بحمايتهن من جميع أشكال العنف

وتغيب الصحافيات بدرجة كبيرة عن المناصب القيادية ومواقع القرار التحريري والإداري، كما أنهن يواجهن أشكالا من التمييز على أسس جندرية، أدت إلى تحجيم حضورهن عدديا ودورهن نوعيا كإعلاميات، وإلى الحد من فرص تقدمهن وتطورهن في المهنة، وذلك بحسب دراسة متخصصة.

وأظهرت دراسة، أطلقتها منظمة دعم الإعلام الدولي بالتعاون مع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، وحملت عنوان “تقييم واقع عمل الصحافيات في مؤسسات الإعلام الأردنية”، إن نسبة الصحافيات في وسائل الإعلام لا تتجاوز 23 في المئة

وكشف التقييم أن التحرش الجنسي بهن، لفظيا وجسديا، يطال 45 في المئة منهن، سواء من قبل زملاء ورؤساء العمل، أو خلال عملهن في الميدان، أو من قبل مصادر المعلومات. وهو ما قد يؤثر على استمرارهن في المهنة.

وفي المغرب، انتقدت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، استمرار بثّ مضامين مسيئة لصورة المرأة ومكرّسة للصور النمطية ضدها على وسائل الإعلام المغربية، قائلة “هناك إعلان وصف المرأة بالبقرة الحلوب، وهذا مرفوض، ليس لأنه يسيء إلى المرأة فقط، وإنما لكون مثل هذه المضامين تجعل المرأة نفسَها تستبطن هذه التمثلات المسيئة إليها وتتعايش معها”.

ودعت أخرباش إلى أخذ ما يُبث على وسائل الإعلام من خطابات وصور مسيئة إلى المرأة على محمل الجد ومواجهتها، نظرا لما للإعلام من تأثير كبير على الجمهور وقدرته على صنع التمثلات التمييزية ضد المرأة في حال التساهل مع ما يبثّ، كما دعت الإعلاميين ومسؤولي المؤسسات الإعلامية إلى لعب دور إيجابي لتكريس صورة إيجابية عن المرأة لدى المتلقّي، والتعاطي بجدّية أكبر مع قضايا العنف ضد النساء.

وفي تونس، أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس أن وصول الإعلاميات إلى مواقع صنع القرار لا يتحقق إلا بحمايتهن من جميع أشكال العنف المسلط عليهن.

ومن جانبه، دعا رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ناجي البغوري إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل ضمان توفير فرص متساوية للصحافيين والصحافيات داخل الفضاء الإعلامي سواء كان ذلك على مستوى الأجر أو المرتبة أو المساهمة في الخط التحريري، داعيا إلى العمل على توفير فرص للإعلاميات للنفاذ إلى مراكز القرار وخاصة في وسائل الإعلام الأكثر جماهيرية.

18