ارتياح كردي لفشل علاوي في تشكيل حكومته

الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود البارزاني يرحّب بفشل محاولة تشكيل حكومة عراقية جديدة برئاسة محمّد توفيق علاوي معتبرا ذلك انتصارا للديمقراطية وتصحيحا لمسار العملية السياسية.. بينما واقع الحال أنّ الرجل كان قلقا من إمكانية ضياع مكاسب الإقليم بقيام حكومة مركزية تسيطر عليها أطراف شيعية تحت قناع الحياد والاستقلالية.
أربيل (العراق) - مثّل فشل محمّد توفيق علاّوي في تشكيل حكومة عراقية جديدة، مصدر ارتياح خاص لدى قادة إقليم كردستان العراق، بعد ما ساورهم من قلق بشأن إمكانية ضياع حصّتهم من المناصب الوزارية، ما سيعني تراجع دورهم في إدارة شؤون الدولة المركزية الذي يجنون من ورائه مكاسب سياسية وفوائد مالية واقتصادية.
ورحّب زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بحرارة باعتذار علاّوي عن تشكيل الحكومة وشكر القوى السياسية التي شاركت في إفشاله.
وكان علاوّي والقوى الواقفة وراءه، وتحديدا تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، قد رفعوا شعار تشكيل حكومة مستقلّة عن الأحزاب بعيدا عن منطق المحاصصة الذي حكم تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سنة 2003.
لكنّ ذلك كان موضع تشكيك كبير من باقي الشركاء في العملية السياسية، ومن ضمنهم قادة الأحزاب الكردية الذين أكّدوا أنّ الحكومة التي مضى علاّوي في تشكيلها لم تكن سوى حكومة بعض الأطراف السياسية الشيعية وأنّها كانت ستتشكّل من تابعين بشكل غير مباشر لتلك الأطراف بدل أن تتألّف من عناصر معروفة بانتماءاتها الحزبية الصريحة.
ويدير أكراد العراق في شمال البلاد كيانا يتمتّع بصلاحيات واسعة، ولم يخفوا رغبتهم في الاستقلال، بل قاموا بمحاولة في هذا الاتّجاه عبر استفتاء أجروه سنة 2017 وتصدّت له بغداد بحزم بالتعاون مع طهران وأنقرة الرافضتين بشدّة لقيام دولة كردية في المنطقة.
وكان الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قد وقف بقوّة وراء إجراء الاستفتاء المذكور، مقدّرا أنّ الظرف أنسب من أي وقت مضى لتجسيد الحلم الكردي بدولة مستقّلة.
وكان يريد اغتنام فرصة ضعف الدولة العراقية وارتخاء قبضتها على عدد من مناطقها التي غزاها تنظيم داعش بدءا من سنة 2014، في مقابل بروز قوات البيشمركة الكردية كقوّة وازنة تصدّت للتنظيم واستعادت عدة مناطق من سيطرته وأدخلتها ضمن الأراضي التابعة للإقليم بعد أن كانت من ضمن المناطق المتنازع عليها.
ورغم الارتباط الوطني والعاطفي الضعيف للأكراد بالدولة العراقية ولكنّهم لا يجدون بديلا عن الانتماء إليها، بل يسعون للحفاظ على دورهم فيها بهدف حماية مكاسبهم لا أكثر.
لا يجد الأكراد رغم ضعف ارتباطهم العاطفي بالدولة العراقية بديلا عن الانتماء إليها والحفاظ على دورهم فيها
وأعرب الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق عن “تقديره لجميع القوى السياسية الكردية التي وحّدت صفوفها وموقفها في ما يخص منح الثقة من عدمه للحكومة العراقية الجديدة رغم اختلاف وجهات نظرها”.
وأضاف البارزاني في بيان خصّصه للتعليق عن انسحاب محمّد علاوي من عملية تشكيل الحكومة أن “بلورة هذا الموقف الموحد مكسب تاريخي لشعب كردستان وموضع تقدير”.
وتابع “بموازاة ذلك، أوجه الشكر للقوى السياسية الوطنية العراقية التي حالت بمواقفها المنطقية الصحيحة دون تعميق وزيادة الأزمات في العراق والانزلاق نحو الكوارث”.
كما اعتبر تلك المواقف “تقديرا للمبادئ الديمقراطية، ومراعاة لمطالب المكونات العراقية، وتعديلا لمسار العملية السياسية”.
وختم بيانه بالقول “الآن يقف العراق أمام مرحلة جديدة، يمكن أن تتاح فيها الفرصة لتحقيق المطالب المشروعة للمتظاهرين، وتأمين الأرضية المناسبة لتوافق وطني شامل، وضمان التقارب بين كافة الأطراف”.
وكثيرا ما توافقت الأحزاب الكردية مع الأحزاب الشيعية القائدة بشكل أساسي للعملية السياسية في العراق، عندما التقت مصالحها وضمن كلّ طرف حصّته من المغانم التي تدرّها المشاركة في إدارة شؤون الدولة العراقية، لكنها كثيرا ما اختلفت معها بسبب تضارب المصالح.
ونأت القيادات الكردية مؤخّرا عن قرار إخراج القوات الأميركية من العراق والذي استصدرته الأحزاب الشيعية من البرلمان بدفع كبير من إيران، حيث لا يرى أكراد العراق مصلحة في اختلال توازن النفوذ في البلاد لمصلحة طهران على حساب حليفتهم واشنطن.
ورفضت أربيل قرار البرلمان العراقي حيث وصفته على لسان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني بالسيّئ، وبأنّه وليد عواطف وانفعالات.
ورأى البارزاني أنّ وجود القوات الأميركية في العراق يستمدّ مشروعية من كون تلك القوات جاءت “بناء على دعوة من الحكومة العراقية وبالتشاور مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية على مشارف بغداد”.
وتوجد في إقليم كردستان العراق أربع قواعد عسكرية أميركية، اثنتان منها في مركز الإقليم أربيل، إضافة إلى قاعدة ثالثة في زاخو ورابعة في حلبجة.
وكان محمّد علاوي قد أعلن، الأحد، تنحيه من مهمة تشكيل الحكومة بسبب ما قال إنّها عراقيل وضعتها قوى سياسية أمام تمرير حكومته.
وباستثناء تحالف سائرون الذي يرعاه الصدر ويمتلك 54 مقعدا في البرلمان وتحالف الفتح الذي يمتلك 48 مقعدا ويتزعمه قائد ميليشيا بدر هادي العامري، وتحالف القرار العراقي الذي يمتلك 11 نائبا ويترأسه أسامة النجيفي، أحبطت باقي الكتل ومن ضمنها الكتل الكردية التي تحوز مجتمعة على 53 من مقاعد مجلس النواب عملية منح الثقة لحكومة علاوي وتغيبت عن الجلسة المخصصة لذلك ما أخل بنصابها القانوني.