صندوق النقد الدولي يختبر التزام تونس بشروط القروض

البيروقراطية والتجاذبات السياسية تبقي عديد المشاريع والقوانين رهن التوقف الاضطراري ما زاد من تعقيد مساعي الإصلاح.
الاثنين 2020/02/17
عدم تشكيل الحكومة يعقد الوضع

تتجه الحكومة التونسية الجديدة في حال نيلها الثقة من قبل البرلمان لمواجهة أولى العقبات الاقتصادية الثقيلة باستئناف المشاورات مع صندوق النقد الدولي لإتمام المراجعة السادسة التي طال تأجيلها من أجل تقييم مدى التزامها والإفراج عن شريحة جديدة من القرض.

تونس - تعوّل تونس على المراجعة السادسة للحصول على تمويل جديد ومواجهة التحديات الاقتصادية الجسيمة التي تنتظرها في ظل بطء الإصلاحات وعجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول جذرية للوضع الاقتصادي الهش وتخلفها على تطبيق العديد من الإصلاحات.

ونسبت رويترز لوزير الإصلاحات الاقتصادية توفيق الراجحي قوله الأسبوع الماضي إن ”تونس استأنفت المحادثات مع صندوق النقد الدولي وتنتظر تشكيل الحكومة لتوجيه الدعوة لخبراء الصندوق في مارس المقبل لمناقشة المراجعة السادسة من برنامج قرض”.

ويشكك خبراء في أن تكون الجلسة المرتقبة بين الحكومة التونسية ووفد الصندوق إيجابية نظرا لعدم تطبيق أهم الشروط المطلوبة منها.

وأوضح الخبير الاقتصادي نادر حداد في تصريح لـ”العرب” أن تونس “نفذت بعض التزاماتها لصندوق النقد كالتحكم في معدل التضخم لكنها لم تطبق خفض حجم الأجور وتعويم الدينار”.

توفيق الراجحي: لولا تأخر تشكيل الحكومة لأتممنا المراجعة السادسة
توفيق الراجحي: لولا تأخر تشكيل الحكومة لأتممنا المراجعة السادسة

وأرجع الخبير ذلك إلى تخوف السلطات من الاصطدام بأكبر منظمة نقابية في البلاد وهي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرفض المساس بأجور الموظفين. وسبق أن طالبت قطاعات عديدة بزيادة في الرواتب على غرار قطاع التعليم والصحة.

وتشتد المطالب النقابية والاجتماعية في تونس نظرا لتردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية ما يجعل السلطات تتخوف من الاصطدام بالشارع في حال المساس بالطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة.

وتعمق البيروقراطية الراسخة في البلاد والتجاذبات السياسية من جبل التحديات حيث بقيت عديد المشاريع والقوانين رهن التوقف الاضطراري ما زاد من تعسير مساعي الإصلاح.

وحاولت تونس معالجة البيروقراطية مؤخرا بإنشاء لجنة وطنية للنظر في أسباب تأخر إنجاز المشاريع ومعالجة الإشكاليات لضمان انطلاقتها الفعلية، ولكن حالة الغموض السياسي التي تلت الانتخابات والتأخر في تنصيب حكومة عطّلا استئناف الإجراءات الإدارية.

وأضاف حداد أن ”أزمة انهيار النظام المالي متواصلة في ظل مواصلة تدخل المصرف المركزي لخفض المخصصات المالية لعمليات الاستيراد ودعم العملة المحلية لخفض كلفة المنتجات المستوردة”.

ويشكل ارتفاع فاتورة أجور القطاع العام أحد أكبر المطبات في الموازنة العامة نظرا لاستئثار بند الأجور بالجزء الأكبر من ميزانية الدولة.

ويشترط برنامج قرض صندوق النقد البالغة قيمته حوالي 2.8 مليار دولار والذي تم التوصل إليه في عام 2016، القيام بإصلاحات اقتصادية تهدف إلى السيطرة على عجز الموازنة.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صندوق النقد الدولي ”رفض الدخول في أي مشاورات مع حكومة تصريف الأعمال الحالية التي اعتبرها فاقدة للصلاحيات بعد الانتخابات التشريعية وفضّل انتظار تشكيل حكومة جديدة”.

وتمكنت الحكومة التونسية من خفض نسبة التضخم والتحكم في تمويلات البنوك لتخفيف استنزاف موارد الدولة وتقليص حجم الإنفاق الحكومي عبر إجراءات تقشفية، لكنها لم تنفذ جميع التزاماتها لدى الصندوق ولم تستجب لمطالب التونسيين.

وتراجعت نسبة التضخم في تونس، خلال شهر يناير من العام الحالي إلى نحو5.9 في المئة بعد أن كانت في حدود 6.1 في المئة في شهر ديسمبر الماضي وحوالي 6.3 في المئة في شهر نوفمبر 2019.

وسيتيح إتمام المراجعة السادسة لبرنامج قرض صندوق النقد لتونس تعبئة مواردها المالية لعام 2020 والحصول على تمويلات من مقرضين آخرين من بينهم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الأفريقي للتنمية.

نادر حداد: تونس لم تنفذ كل الإصلاحات مثل خفض فاتورة الأجور
نادر حداد: تونس لم تنفذ كل الإصلاحات مثل خفض فاتورة الأجور

وتحتاج تونس لتمويلات خارجية بحوالي 3 مليارات دولار في العام الحالي، حيث كان آخر قسط صرفه الصندوق في هذا البرنامج في يونيو الماضي.

وتسببت التجاذبات السياسية والصراعات بين الأحزاب في عرقلة تشكيل حكومة ممّا اضطر الصندوق للانتظار حتى تشكيل حكومة جديدة ليناقش معها المراجعة السادسة للبرنامج للإفراج عن شريحة قيمتها 450 مليون دولار.

وأعلن رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ عن تشكيلة حكومته السبت أعقبها إعلان حركة النهضة رفض منحها الثقة ممّا زاد من احتمال عدم حصولها على الثقة وتأخر تنصيب حكومة في وقت تمر فيه البلاد بأزمة وتحتاج لاستعجال انطلاقة سريعة في معالجة الملفات.

وأكد الراجحي، الوزير المكلف بالإصلاحات الاقتصادية “نحن جاهزون للمراجعة السادسة ولولا تأخر تشكيل الحكومة لأتممناها بنجاح”.

لكنه أضاف أننا “بانتظار انطلاق عمل الحكومة الجديدة لتوجيه الدعوة رسميا لخبراء صندوق النقد الدولي للانطلاق في المراجعة السادسة في مارس 2020”.

ومن المرجح أن تتركز النقاشات في المراجعة السادسة حول التزام تونس بالبرنامج لتحقيق نمو اقتصادي يصل إلى 2.7 في المئة وخفض التهرب الضريبي وترشيد الدعم للمواد الأساسية والمحروقات وبرنامج لإعادة هيكلة الشركات العامة التي تواجه عجزا ماليا متفاقما.

وقال الراجحي إن الحكومة أعدت الحلول لكل الملفات الاقتصادية والمالية العالقة لإنجاح المراجعة السادسة مع انخفاض التضخم وتقلص إعادة تمويل البنوك إلى 12 مليار دينار حاليا إضافة إلى تحسن سعر صرف الدينار وتراجع العجز في الحساب الجاري إلى أقل من 9 في المئة.

وفشلت الحكومات المتعاقبة في كبح عجز الموازنة منذ ثورة يناير 2011 نظرا لتصاعد حجم النفقات الحكومية ودخول البلد في تجاذبات سياسية واجتماعية عرقلت عملية الإنتاج والنمو، إضافة إلى تضاعف عدد الموظفين في القطاعات العامة مما زاد في إثقال كاهل الخزانة العامة وإضافة أعباء جديدة بعد تشغيل أعداد كبيرة من الموظفين في القطاع العام.

10