روسيا تلعب على الوقت لتجريد الرئيس التركي من أوراقه في إدلب

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعترف بأن قوات سورية باتت تطوّق نقاط المراقبة التركية.
الأحد 2020/02/16
أردوغان على الحافة

أنقرة - يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حركة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تقود إلى تهدئة التوتر بين الجانبين في سوريا وتحدّ من تقدم القوات المشتركة الروسية السورية على الجبهة، ما يعطي فرصة للرئيس التركي كي يستردّ أنفاسه ويحفظ ماء الوجه بعد أن أظهرت تصريحاته الأخيرة أنه عاجز عن التأثير ميدانيا، وأن أنقرة بلا أوراق في مواجهة النفوذ الروسي المتعاظم في سوريا.

وفي الوقت الذي ينتظر الرئيس التركي قشة النجاة من روسيا، ولو في شكل تصريحات أو لقاءات، فإنه يعترف بأن الوضع العسكري لم يعد في صالحه، خاصة بعد تطويق قوات سورية لنقاط المراقبة التركية في إدلب.

وذكر أردوغان في تصريحات باتت يومية له بشأن الأزمة في سوريا إن “النظام بدأ بمحاصرة نقاط مراقبتنا” (في إدلب)، وأنه “لا يمكننا الصمت إزاء ذلك، نقوم بما يلزم ضدهم”.

كما اعترف بأن روسيا تدير الأمور في ليبيا على مستوى عال، في إشارة إلى دعمها قائد الجيش الليبي خليفة حفتر.

ولجأ الرئيس التركي إلى نظيره الأميركي دونالد ترامب بحثا عن دعم بمواجهة الضغوط الروسية. ورغم التصريحات الأميركية المساندة لأنقرة، إلا أن المراقبين يعتقدون أنّ واشنطن لا يمكن أن تنسى لأردوغان موقفه بشأن شراء منظومة صواريخ أس – 400 الروسية وتحديه للولايات المتحدة.

ويقول متابعون للشأن الروسي إن الكرملين يتقن اللعب على الوقت بشكل جيد، فهو من ناحية يمد اليد إلى أردوغان ويحول دون أيّ مغامرة عسكرية تركية على الأرض، ويمنّيه بالتوصل إلى حل، وفي نفس الوقت فإنه يسمح للقوات المشتركة من أن تحقق مكاسب نوعية ميدانيا مثل السيطرة على الطرقات الرئيسية (إم – 4 وإم – 5) وإجبار الميليشيات الحليفة لأنقرة على التراجع.

وذكرت وكالة تاس للأنباء أن وفدا تركيا سيزور موسكو الاثنين لبحث الوضع في إدلب، بعد تصاعد العنف هناك في الآونة الأخيرة، وذلك بعد اتصال هاتفي بين بوتين وأردوغان، وقبلها زيارة وفد روسي إلى أنقرة انتهت دون أيّ تفاهمات.

ويقول المتابعون إن الرئيس التركي عمل خلال الأشهر الأخيرة على الإيحاء بأن بلاده طرف مؤثر في سوريا، وإنها تمتلك نفس التأثير الروسي، وأن موسكو لا تقدر على التقدم أيّ خطوة دون التنسيق مع الجانب التركي أو على الأقل إعلامه بخطواتها، لكن اتضح أن الأمر مغاير تماما، وأن روسيا كانت تهدف من خلال التهدئة إلى منح تركيا الوقت الكافي لتنفيذ ما طلب منها في عملية أستانة، أي تفكيك الجماعات المتشددة ووضع اليد على أسلحتها، والفصل بينها وبين قوات المعارضة السورية.

ويسعى أردوغان إلى عدم إثارة غضب بوتين خوفا من العودة إلى مناخ التصعيد ما بعد إسقاط مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا في نوفمبر 2015 وما تلاها من عقوبات روسية خانقة على أنقرة دفعت الرئيس التركي إلى كتابة رسالة اعتذار ومراجعة موقف أنقرة في سوريا.

أنقرة تسلم الميليشيات الحليفة لها ومن بينها جبهة النصرة أسلحة ومضادات للطائرات
أنقرة تسلم الميليشيات الحليفة لها ومن بينها جبهة النصرة أسلحة ومضادات للطائرات

وفي واحدة من أقوى الإشارات على افتراق المصالح بين أنقرة وموسكو بشأن إدلب اعتبر الكرملين أن ما يجري ليس تصعيدا من القوات السورية، ولكنه تنفيذ لاتفاق خفض التصعيد بعد أن ماطلت تركيا في تنفيذ ما طلب منها من فصل بين قوات المعارضة السورية والمجموعات المتشددة المصنفة إرهابية، وهي الورقة التي توظفها أنقرة لتحقيق مكاسب.

وأعادت المواقف الروسية الضغط على تركيا إلى المربع الأول من خلال التأكيد على أن الوجود التركي شمال سوريا كان دون موافقة الحكومة السورية، وأن القوات التركية تزيد الوضع الميداني في إدلب سوءا على نحو خطير.

كما رفضت وزارة الدفاع الروسية بشكل قاطع ادّعاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن “النظام السوري ومن يدعمه من الروس والميليشيات الإيرانية، يستهدفون المدنيين باستمرار في إدلب، ويرتكبون مجازر ويريقون الدماء”.

وتقول أنقرة إنها ستستخدم القوة العسكرية لطرد القوات السورية إذا لم تنسحب بنهاية فبراير الجاري. وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستهداف قوات الحكومة السورية أينما كانت في سوريا إذا أُصيب أيّ جندي تركي آخر.

وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي، السبت، إن أنقرة أوفت بمسؤولياتها في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا وفقا للاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا وإيران، وذلك بعد تصاعد العنف هناك في الأسابيع الماضية.

وأضاف أوقطاي لمحطة “إن.تي.في” التلفزيونية أن تركيا عازمة على وقف تقدم قوات الحكومة السورية في إدلب وأنها نقلت لروسيا موقفها بشأن إدلب بوضوح خلال المحادثات.

وفي خطوة يمكن أن تقود إلى تصعيد كبير في التصريحات بين أنقرة وموسكو، أفاد مصدر دبلوماسي عسكري روسي بأن تركيا أدخلت إلى إدلب أكثر من 70 دبابة ونحو 200 مدرعة و80 مدفعا، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من المعدات يجري تسليمه لمسلحي “تحرير الشام” الإرهابي (النصرة سابقا).

وأشار إلى أن المسلحين حصلوا من تركيا على مضادات طيران محمولة أميركية الصنع، مضيفا أن حالات استخدام المسلحين لأنظمة الدفاع الجوي المحمولة هذه تمثل أكبر مصدر قلق اليوم، علما بأنه تم إسقاط مروحيتين للجيش السوري في المنطقة الشمالية هذا الأسبوع.

وذكرت قناة الإخبارية السورية الرسمية أن الجيش السوري بدأ، السبت، في إزالة المتاريس من على الطريق السريع بين دمشق وحلب بعدما سيطر بشكل كامل عليه في إطار هجوم تدعمه روسيا.

ويمثل ذلك انتصارا مهما للرئيس بشار الأسد نظرا لأن إعادة فتح الطريق السريع إم – 5 ستعني استرداد أقصر طريق يربط بين أكبر مدينتين في سوريا لأول مرة منذ أكثر من سبعة أعوام.

وتواصل أنقرة التلويح بردة الفعل، لكن تكتفي بالتصريحات، ما دفع بعض حلفائها من المجموعات السورية إلى اتهامها بلعب دور مزدوج، وأنها قد تكون نسّقت مع القوات الحكومية السورية وسلّمتها العديد من المناطق بعد أن فرضت على المجموعات السورية المعارضة التصدي للهجمات الحكومية.

وكشف قائد عسكري في المعارضة السورية عن أن سيطرة القوات الحكومية السورية على مساحات واسعة في ريفي حلب وإدلب تعود إلى طلب تركيا من فصائل المعارضة عدم التصدي للهجوم.

وأكد القائد العسكري أن “القوات الحكومية السورية سيطرت منذ مطلع العام الحالي على مدينتي معرّة النعمان وسراقب وكامل أوتوستراد حلب دمشق، بسبب قرار تركيا عدم مواجهة فصائل المعارضة السورية للقوات الحكومية التي كانت تخرق اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا”.

1