إجماع فلسطيني على رفض صفقة القرن يفتقد القدرة على المواجهة

حالة الضعف والسلبية التي تعانيها السلطة برئاسة محمود عباس العاجزة عن التصدي لصفقة القرن انعكست بشكل واضح على ردود فعل الشارع الفلسطيني.
الخميس 2020/01/30
الشارع الفلسطيني تحت المجهر

ردود الفعل الفلسطينية على خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن لم تكن وفق الكثيرين على قدر التوقعات خاصة وأن الخطة تضمنت تنازلات مؤلمة، ويحمل كثيرون هذا الوضع الذي بلغه الفلسطينيون إلى السلطة الحالية التي اتسم أداؤها بالسلبية.

القدس- لم تفاجئ خطة السلام الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الفلسطينيين، ذلك أنه سبق وسربت وسائل إعلام إسرائيلية بشكل متدرج ومدروس معظم بنودها، فيما بدا أن الهدف من ذلك امتصاص الفلسطينيين للصدمة، وهو ما تحقق إلى حد بعيد حيث أن رد فعل الشارع الفلسطيني لم يكن على قدر التوقعات، فضلا عن التعاطي الذي وصفه كثيرون بـ”الهزيل” للسلطة الفلسطينية وباقي الفصائل وفي مقدمتها حركة حماس.

ويقول محللون فلسطينيون إن حالة الضعف والسلبية التي تعانيها السلطة برئاسة محمود عباس انعكست بشكل واضح على ردود فعل الشارع الفلسطيني، لافتين إلى أنه حان الوقت لقيادة جديدة تستنهض الشارع وتبلور مشروعا جديدا قادرا على إعادة الإشعاع للقضية الفلسطينية.

وشهدت مناطق في الضفة الغربية على غرار البيرة والخليل والأغوار، الأربعاء، تحركات احتجاجية لم يتجاوز عدد المشاركين فيها بضعة مئات، قابلتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية برد خشن أدى إلى سقوط جرحى.

وذكرت جمعية الهلال الأحمر أن طواقمها تعاملت مع إصابتين بالرصاص الحي إحداها بالقدم والأخرى بالكتف خلال المواجهات في منطقة جبل الطويل في البيرة.

وأضافت الجمعية أن طواقمها تعاملت أيضا مع 41 إصابة بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في منطقة الأغوار، التي أعلن الرئيس الأميركي عن قرار ضمها إلى إسرائيل ضمن خطته للسلام.

خيرالله خيرالله: إغلاق أبواب التواصل والأخذ والردّ مع واشنطن ليس خيارا
خيرالله خيرالله: إغلاق أبواب التواصل والأخذ والردّ مع واشنطن ليس خيارا

وفي مقابل ذلك عمّ إضراب قطاع غزة رفضا للصفقة، تضمن تعطيل المؤسسات الحكومية والمدارس وإغلاق المحلات التجارية، وسط تساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي هل بالإضراب سيتم تغيير الأمر الواقع. وقال الأستاذ المساعد الزائر في كلية جوزيف كوربل للدراسات الدوليّة في جامعة دنفر الأميركية أحمد عبدربه “لا أتوقع أي انتفاضة حقيقية في فلسطين ردا على الخطة، لا أتوقع اندلاع انتفاضة ثالثة لأن هذه خطة أحادية الجانب لا تغير الأشياء على الأرض”.

وتتضمن أبرز بنود صفقة القرن الأميركية إعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، مع ضم الأخيرة لثلث مساحة الضفة الغربية (غور الأردن)، والإقرار بشرعية المستوطنات وإسقاط حق العودة للملايين من اللاجئين، في مقابل ذلك بإمكان الفلسطينيين إنشاء “دولة” خاصة بهم ضمن المساحة المتبقية والتي هي في شكل أجزاء متناثرة جغرافيا يتم وصلها عبر جسور وأنفاق، مع الإشارة إلى أن “الدولة” الموعودة منزوعة السيادة والسلاح.

واقتصرت السلطة الفلسطينية في الرد على الخطة بالتلويح بالذهاب إلى المحكمة الجنائية، وباعتماد الكفاح الشعبي السلمي، مشددة على الاستمرار في مقاطعة الإدارة الأميركية الحالية.

في ذات السياق أعلنت حركة حماس عن رفضها لخطة السلام، معتبرة أن الحل للتصدي لها يكمن في قيادة وطنية موحدة، في إشارة إلى ضرورة مشاركتها في السلطة، وهذه غاية لطالما دفعت باتجاهها الحركة.

في مقابل ذلك طالب القيادي الفلسطيني محمد دحلان، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، باتخاذ خطوات جدية على أرض الواقع لمواجهة الصفقة ومنها إنهاء العمل باتفاقية أوسلو وإعلان قيام دولة فلسطين على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

وقال دحلان في رسالة وجهها لعباس “قد نكون جميعا أمام أهم القرارات المصيرية، لكن وبحكم الواقع فإن مسؤوليتك أكبر وأخطر في مواجهة هذه المؤامرة الأميركية الإسرائيلية المسماة بصفقة القرن”.

وشدد “‏‎هم يعتقدون، بل يراهنون على أن رد فعلك لن يكون مختلفا عن المرات السابقة، وبأنك ستكتفي بإصدار بيانات رفض وشجب، والدعوة لسلسلة اجتماعات عربية ودولية وهذا حقنا وواجبنا، ولكن علينا أولا تفعيل مخزون قوتنا، واتخاذ قرارات تاريخية حاسمة”.

وأشار دحلان إلى أنه “علينا أولا إعلان قيام دولتنا، دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس وفقا للقرار رقم 67/19 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، نعم نعلنها دولة فلسطينية تحت الاحتلال بديلا عن كل اتفاقات وتفاهمات وقيود أوسلو، نلغي بموجبها وثيقة الاعتراف المتبادل والتنسيق الأمني، ثم بعد ذلك نعمل بكامل طاقتنا لحمل العالم على الاعتراف بقراراتنا، وتوفير الحماية الدولية اللازمة لشعبنا ولدولتنا المحتلة”.

ويرى محللون أن القيادة الفلسطينية الحالية عاجزة عن التصدي للصفقة ولا تملك إرادة المواجهة وما قرارها بمقاطعة الإدارة الأميركية والرفض المطلق للانخراط في مفاوضات بشأن الخطة ليس سوى هروب إلى الأمام.

ويقول الكاتب خيرالله خيرالله لـ”العرب”، “الأكيد أن إغلاق أبواب التواصل والأخذ والردّ مع واشنطن ليس خيارا، بل هو الطريق الأقصر لجعل الصوت الوحيد في أميركا صوت اليمين الإسرائيلي. أن يكون هناك صوت فلسطيني، ولو خافت، في واشنطن أفضل بكثير من الغياب الذي تتمناه إسرائيل”.

إضراب في قطاع غزة رفضا للصفقة
إضراب في قطاع غزة رفضا للصفقة

وفي خضم المواقف الفلسطينية المثيرة للجدل تبدو المواقف العربية والدولية فاترة، ومعظمها يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية البناء على الخطة الأميركية، وهناك من يعتبرها أرضية يمكن اعتمادها لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

واعتبرت السعودية أنها “تقدّر” جهود ترامب للسلام، ولكنها أكدت في ذات الوقت “موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني”، من جهتها دعت مصر “الفلسطينيين وإسرائيل إلى الدراسة المتأنية للرؤية الأميركية لتحقيق السلام”.

ويقول الكاتب خيرالله خيرالله “هموم العرب في مكان آخر وليس في فلسطين، خصوصا مع انكشاف خطورة المشروع التوسّعي الإيراني من المحيط إلى الخليج. ويلفت إلى أن الظروف الإقليمية تفرض على الدول العربية الامتناع عن مواقف تؤدي إلى قطيعة مع الإدارة الأميركية.. خاصة في ظل الخطر الإيراني على كل دولة من دول المنطقة.

من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبدالله الشايجي أن المواقف العربية كانت متوقعة نظرا للوضع الإقليمي الحالي الذي تعول فيه دول الخليج على التحالف مع واشنطن في مواجهة إيران.

2