سيرة للطلاب الموفدين إلى أميركا بعيني طالبة سعودية

"أكثر من سلالم" ليوسف المحيميد تعري الحياة المزدوجة على لسان امرأة.
السبت 2020/01/25
التحدي وتحقيق الذات (لوحة الرجل ذو القبعة لسيجوي)

تخوض الرواية الجديدة للكاتب السعودي يوسف المحيميد في قضايا هامة، تتعلق بوضع المرأة السعودية وما تعيشه من مكابدة لتحقيق حريتها وذاتها، والطريف أن الرواية جاءت على لسان امرأة نتعرف من خلالها على عوالم التمرد والحب والحنين والحرية التي خاضتها البطلة.

تتساءل رشا بطلة رواية “أكثر من سلالم” ليوسف المحيميد، لماذا لا يتزوج شبابنا حبيباتهم؟ لماذا يعتقدون أنهنّ خائنات حين عبّرن عن مشاعرهنّ بصدق وأحببنهم بعمق، وأخلصن في حبهم؟ ولِمَ يجزمون بأن غيرهنّ ممن تزوجوهنّ دون معرفة سابقة لم يعرفن أحدا قبلهم؟

أسَّسَت رواية المحيميد لمَرْجَعيات نصيّة للاحتفاء بسِيرَةِ فتاة سعودية حلمت بالتغيير الاجتماعي للأوضاع السابقة للمرأة في بلادها. وحملت سيرتها حياتها المتمرِّدة على العادات والتقاليد، التي وضعت المرأة في إطار محدد لا يمكنها تجاوزه من خلال الأعراف المكبّلة لحريتها.                                                               

خرق التابوهات

دارتْ محافل السَّرد في الرواية، التي صدرت مؤخرا عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، بين مدينتي الرياض ولوس أنجلس. والفرق بين الجغرافيتين والثقافتين لهاتين المدينتين هائل، ولا يمكن لأي سارد أن يوفق بطرح حيثيات المقارنة بينهما من دون أن يقع في المبالغة.

تشكَّل متن الرواية من سرديات مشوّقة، لما زخرت به الجغرافيتان المختلفتان، الرياض والمدن الأميركية من نماذج مختلفة لشباب قدموا من السعودية لإكمال دراساتهم في جامعاتها. بعضهم جاء لكي يستزيد من المعارف ويعود لخدمة أبناء بلده، والقسم الآخر جاء ليستمتع بالحياة في أميركا، وحوَّل الدراسة إلى سُلَّم لبلوغ غايته في الاستمتاع بما حُرم منه.

سيرة فتاة سعودية حلمت بالتغيير الاجتماعي لأوضاع المرأة في بلادها، فعاشت حياة متمردة  على العادات
سيرة فتاة سعودية حلمت بالتغيير الاجتماعي لأوضاع المرأة في بلادها، فعاشت حياة متمردة  على العادات

انطلق السارد من سير من صادفتهم رشا الطالبة السعودية العشرينية في كلية الطب بالرياض، وأمضت معهم سنوات الدراسة في أميركا، بعد أن حوَّلت ملفها لإكمال دراستها العليا هناك، فتم قبولها في جامعة لوس أنجلس.

تناولت الإشكالية النصيّة للرواية سلسلة من الأحداث التي مرت بها رشا لتحقيق حلم السارد بتحقيق الحرية الشخصية لبطلته ولغيرها، فقد زوَّرتْ رشا توقيع والدها لكي تفي للجامعة بشرط المرافقة لها في أميركا من قبل الأب أو الأخ. وعرض السارد الكثير من الشخصيات التي رافقت رشا أثناء دراستها، سواء من الطلاب الخليجيين أو من الأميركيين، الذين ارتبطت بهم بعلاقات زمالة. وتشكَّل متنُ الرواية من سرد بضمير المتكلم، الذي لم يكن مقنعا أحيانا، لكون السارد يتحدث بلسان أنثى، وليست أي أنثى، فالساردة قادمة من مجتمع مُحافظ.

الكثير من الأسئلة عن الحب، وما يعنيه كمفهوم وأسلوب حياة يجمع بين الرجل والمرأة في بلداننا العربية طرحتها الرواية. رشا الطالبة التي خفق قلبها بالحب لأول مرة لزميلها عبدالإله في كلية الطب واحدة من هؤلاء الفتيات. كانت تعيش حياة غير منسجمة مع واقعها الأسري، فبيتها يخلو من حنوّ الأب المتفرّغ لعائلته، فهو متزوج من ثانية، فتيحة، التي استحوذت على اهتمامه. فترك أمها تنثر شكواها لها ولأختيها من إهمال أبيهما لها، ومن تصرفات الزوجة الثانية السيئة معها. عبدالإله حبيب رشا كان لعوبا، وما إن توطدت علاقته بها واعترفت له بحبها، حتى أخذ يماطل في خطبتها متذرعا برفض العائلة، وهو في الحقيقة، قد صرف النظر عن خطبتها، لكونها اعترفت له بحبها، فهو يحبذ أن تكون خطيبته من دون تجربة حب سابقة، حتى لو كان هو ذلك الشخص المحبوب. فتصاب رشا بخيبة أمل حين يعترف لها بأن له علاقة ثانية بفتاة أخرى، وأن لا ضير في أن يتزوج منها ومن الأخرى، فتقرر تركه وترك البلاد بعد هذه الصدمة.

تبحث رشا عن فرصة لإكمال دراستها الجامعية في أميركا، وبالرغم من رفض والدها في البداية والعائلة لفكرة أن تذهب فتاة من العائلة إلى خارج البلاد، مهما كانت الأسباب، لكنه رضخ بعد ذلك لرغبتها. وتحقق لها ما تريد، وحصلت على بعثة للدراسة في جامعة لوس أنجلس، وهناك صدمت بأخلاق زميلتها الأميركية كيت التي تعيش معها في سكن جامعي مشترك.

أكثر من سيرة

التحدي وتحقيق الذات (لوحة للفنانة سكنة آل طرموخ)
لوحة للفنانة سكنة آل طرموخ

صدمتها نبعت من علاقات كيت المتعددة مع طلاب وعلاقتهم بها غير بريئة في الكثير من الأحيان، ولكن رشا تعتبر تصرفات كيت خاصة بها كفتاة أميركية مختلفة الثقافة، وتصاحبها في عطلة نهاية الأسبوع لتقضي العطلة مع أسرة كيت في إحدى المدن الأميركية. تلك التجربة مع كيت وأسرتها، جعلتها تقرر تأجير شقة، والاستقلال فيها، والعيش كما تحب.

كان أول معارفها من الطلاب السعوديين هشام، الذي تعامل معها كأخ مرشد لها وأخلص لها إلى النهاية. وتعرفت على سعود الذي أحبته حبا عميقا. وحكت الساردة الكثير عن حياة زملائها من الطلاب السعوديين والخليجيين، كشيخة وشمسة وسالم ومبارك وسيف وبشار، وكانت تجمعهم أماكن كثيرة للهو والترفيه. وكان كل أملها أن يتزوجها سعود عند تخرجهما، لكنه كبقية من عرفتهم فضل عند اختيار الزوجة أن تكون بلا تجربة حب معه أو غيره، لذلك فقد أخذ يماطل في التقدم لخطبتها.

تتعرف رشا على سارا الأميركية، وهي سعودية الأصل، فوالدها كان طالبا مبتعثا للدراسة في أميركا وتزوج أمها، فأنجبت له سارا. لكنه حالما أكمل دراسته عاد إلى بلده، وتزوج هناك، وقطع أي اتَّصال بزوجته الأميركية وابنته ذات العامين. وحاولت رشا مساعدتها للعثور على والدها في السعودية، ولكنها استطاعت أن تعثر على بدر وهو أخ لسارا من أم سعودية، غير أن الأب حالما علم بالأمر رفض الاعتراف بسارا وهددها بأن تبتعد عن ولده بدر، وأنها مجرد ابنة غير شرعية لا أكثر، ولا يريد معرفتها.

وردت سارا الفضل لرشا بأن صاحبت سعود حبيب رشا أثناء غيابها بإجازة لرؤية أسرتها بالرياض. وما إن عادتْ واكتشفتْ هذه العلاقة، حتى تركت سعود، لتكتشف بعد ذلك أنها تحبه، ولا تستطيع فراقه. لكن سعود كان قد تزوج سارا، وبذلك لم يكن لرشا إلا الابتعاد عنه.

تخرجت رشا وعادت إلى وطنها وفي قلبها حزن عميق، وعرفت من خلال هشام الذي بقي في أميركا أن سعود ترك سارا وعاد إلى السعودية بعد التخرج، وتزوج من فتاة سعودية اختارتها له أمه وأنجبت له بنتا.

تقول رشا في نهاية الرواية “أخيرا انسجمت مع الرياض، لبست عباءتي وطرحتي، وركبت خلف السائق، وخفّت وحشتي حينما التحقت بالعمل بالمستشفى التخصصي”.

الرواية أكثر من سيرة للطلاب المُبتعثين إلى أميركا بعيني طالبة سعودية كتبت بلغة شعرية شفافة، غلب على معظم فصولها التهكم الساخر بلسان رشا من الحياة المزدوجة، التي يعيشها بعض الشباب السعوديين خارج بلدهم.

14