إفلاس الصناديق الاجتماعية يهدد القطاع الصحي في تونس

إلغاء نقابة الصيادلة اتفاقها مع الحكومة المتعلق بتمديد خلاص مستحقات العلاج عبر منظومة استرجاع المصاريف سيجبر المساهمين الاجتماعيين على دفع كامل كلفة العلاج.
الخميس 2020/01/23
التونسيون يدفعون ضريبة الفشل الحكومي

صدمت نقابة الصيادلة الملايين من التونسيين بعد أن قررت تعليق الاتفاقية مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام) بسبب تقاعس الحكومة في رصد التمويلات لهذا الكيان الاجتماعي، وهو ما يذكي بحسب الخبراء المعارك بين الجانبين والتي تعود إلى سنوات خلت في ظل أزمة السيولة النقدية وسوء إدارة السلطات للملفات الأكثر حساسية للأوساط الشعبية.

تونس- يرجح خبراء أن يزداد الوضع الاجتماعي في تونس سوءا خلال الفترة المقبلة مع تلويح نقابة الصيادلة بإلغاء اتفاقية مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام) مطلع الشهر المقبل.

وتأتي خطوة الصيادلة بعد فشل سلسلة المفاوضات السابقة في ضمان حقوق ومطالب الطرفين والعجز المستمر للحكومات المتعاقبة عن حل أزمة التمويل التي تحاصر الصناديق الاجتماعية، ما ينذر بتفجر الأوضاع الاجتماعية مرة أخرى.

وتنتظر الحكومة الجديدة، التي سيشكلها إلياس الفخفاخ في حال نيلها ثقة البرلمان، تحديات كبيرة سيكون أولها أحد الملفات الحارقة على المستوى الاجتماعي، وهو إلغاء ارتباط الصيادلة بمنظومة التأمين على المرض.

وسيجبر إلغاء النقابة لاتفاقها مع الحكومة المتعلق بتمديد خلاص مستحقات العلاج عبر منظومة استرجاع المصاريف مئات الآلاف من المساهمين الاجتماعيين على دفع كامل كلفة العلاج لدى الأطباء والصيادلة والمخابر، ما من شأنه ضرب القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة على وجه التحديد.

وانطلاقا من الثاني من فبراير المقبل سيقاطع الصيادلة الكنام في انتظار التحاق الأطباء في الثاني عشر من نفس الشهر جراء تأخر الصندوق في دفع مستحقاتهم المالية مما سيدفع قرابة 3.5  ملايين مساهم وعائلاتهم إلى الخلاص الفوري لكامل تعريفة العلاج والدواء.

وتعيش الصناديق الاجتماعية وعلى رأسها الصندوق الوطني للتأمين على المرض أزمة سيولة كبيرة وشح مصادر التمويل بعد فشل كل الخيارات الحكومية في إنقاذ القطاع الطبي الذي امتدت آثاره إلى العجز عن سداد مستحقات المتقاعدين.

نوفل عميرة: الصيادلة يتحملون حوالي 6 في المئة من حجم خسائر الكنام
نوفل عميرة: الصيادلة يتحملون حوالي 6 في المئة من حجم خسائر الكنام

وإلى جانب صندوق الكنام، يعاني كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المخصص للمساهمين العاملين في القطاع الخاص والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية للمساهمين في القطاع الحكومي والعام من المشكلة ذاتها منذ 2011.

وغذت الإطالة في تشكيل حكومة جديدة تتولى حلحلة الإشكاليات العالقة من أزمات التونسيين إضافة إلى عدم إعادة نظر حكومة تصريف الأعمال الحالية في الملف بعد إخلالها بالتزاماتها السابقة مع الصيادلة وعجزها طيلة سنوات المفاوضات عن إنقاذ الصناديق التي تشهد إفلاسا.

وقال نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة في تصريح لـ”العرب” إن ”الحكومة أخلت بتعهداتها للصيادلة وحملتهم تداعيات إفلاس الصناديق الاجتماعية وتنصلت من كل مسؤولياتها.

وأضاف أن ”أصحاب الصيدليات الخاصة تكبدوا خسائر كبيرة جراء تنصل الحكومة من تعهداتها في تقاسم الأعباء بين الطرفين وتحميلها للعبء الثقيل للصيادلة مما جعل القطاع يسجل خسائر كبيرة اضطر على إثرها لإلغاء ارتباطه بالصندوق بعد تصويت المعنيين بالإجماع على القرار خلال جلسة في الغرض يوم 20 يناير الجاري”.

واعتبر عميرة أن الحكومة حققت كل مطالبها من الاتفاق ولم تنفذ أيا من مطالب قطاع الصيدلة وواصلت في إسناد غرامات صندوق الضمان.

وتابع أن الحكومة في المقابل ”امتنعت عن إجراء تعديل في القانون المنظم لقطاع الأدوية بزيادة هامش الربح أو تخفيض الرسوم الضريبية لتدارك الخسائر، حيث أن الصيادلة يتحملون نحو 6 بالمئة من حجم خسائر الصندوق الوطني للتأمين على المرض”.

وتأججت أزمة الصندوق خلال العام 2015 حيث جرى تحكيم بين منحة قطاع الصحة والمتقاعدين، والتي تم خلالها إعلان مدة زمنية بنحو 80 يوما كأقصى آجال لسداد مستحقات الصيادلة، وضبط نظام يراقب حصول أي تجاوزات أو إخلالات بالمدة الزمنية المحددة.

ولكن أزمة عدم سداد مستحقات المتقاعدين طفت على السطح في تلك الفترة، مما دفع الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذي يحوّل الأموال للكنام إلى تقديم صرف معاشات المتقاعدين وتأجيل صرف مستحقات الصيادلة، ما يعني إخلال الحكومة بالتزامها.

وقرر المكتب الوطني للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، في يونيو 2018 عدم تجديد العمل بالاتفاقية القطاعية المبرمة مع صندوق التأمين على المرض، التي انتهى أجلها في العشرين من نفس العام بسبب التأخير الكبير في خلاص مستحقاتهم. وترتب عن ذلك فقدان الثقة بين الطرفين إلى أن اقترحت الحكومة في فبراير الماضي تقاسم الأعباء بين الطرفين.

ودعت الحكومة الصيادلة حينها إلى العودة إلى العمل مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض واستئناف تسليم الأدوية لمستحقيها من المنخرطين في منظومة الضمان الاجتماعي.

وأكد عميرة في هذا السياق أن الصيادلة نفذوا كامل بنود الاتفاق، غير أن الصندوق واصل في عدم سداد مستحقات أصحاب الصيدليات إلى يوليو الماضي، حيث لم يطبق أي تعهد من تعهداته وإلى اللحظة لم يبادر بأي خطوة لإعادة المفاوضات وحل الإشكال.

وأوضح أن ”الاتفاق في صيغته الحالية لم يعد ذا جدوى مما أجبر الصيادلة على إنهاء التعاقد”، مشددا على أن النقابة مستعدة للتفاوض من جديد شرط وجود ضمانات والتزامات جدية تراعي مصالح كل الأطراف الصيادلة والمضمونين الاجتماعيين والصندوق”.

إلغاء التعاقد بين نقابة الصيادلة وصندوق التأمين على المرض (كنام) يهدد بإثارة الاحتقان الاجتماعي وضرب القدرة الشرائية

وشدد أن ”النقابة حرصت على مصلحة المرضى وضحت طيلة سنوات من أجل عدم فك الارتباط مع الصندوق غير أن عجز الحكومة عن حل الإشكال وتأخرها في صرف المستحقات حالا دون مواصلة التعاقد”.

وأضاف في تصريحه لـ”العرب” أن ”إعادة الاتفاق مشروطة بتطبيق كامل بنود الاتفاقات السابقة كعربون ثقة قبل إبرام أي اتفاق جديد مع الحكومة”.

وأشار إلى “أن الصيادلة ليسوا مطالبين بتمويل الصندوق فهم قدموا تضحيات كبيرة وتكبدوا خسائر بإعادة التعاقد رغم مواصلة الكنام عدم صرف مستحقاتهم المالية مما ضرب القطاع”.

وتابع أنه لم يكن في حسابات الصيادلة أنه لن يتم تشكيل الحكومة إلى حلول شهر يناير، مما زاد في تعقيد الأمور بفعل التجاذبات السياسية التي أفضت إلى تأخر وتأجيل دراسة الملفات.

وإلى جانب أزمة إلغاء التعاقد وتداعياته الاجتماعية، يشهد قطاع الأدوية في تونس أزمة كبيرة تتعلق بشبكات تهريب الأدوية إلى الخارج وتضارب المصالح داخل المستشفيات العامة، التي تشكل بيئة مثالية لأخطبوط الفساد الذي يضرب أحد أهم القطاعات الحيوية بالبلاد.

ويرى مراقبون أن أخطبوط الفساد يقف وراء تهريب الأدوية في البلاد، مما أدى إلى نقص فادح فيها وضرب قطاع الصحة وزاد من السخط الشعبي في ظل تواصل التجاذبات السياسية ليضيف خلع ارتباط الصيادلة بمنظومة التأمين على المرض مسمارا آخر في نعش الصحة العامة في تونس.

11