الدخول الأميركي للعراق مجاني أما الخروج منه فباهظ الثمن

القرار العراقي الصادر عن البرلمان بشأن القوات الأميركية لم يكن قرارا سياديا بل أثار الكثير من الاستياء ويكشف عن مدى تبعية العراق لحكام طهران.
الثلاثاء 2020/01/07
ثمن باهظ

مرّة أخرى أثبتت السلطة الحاكمة في العراق مدى خضوع قرارها السياسي لإملاءات طهران، بعدما ذهب البرلمان العراقي بأقصى سرعته للمصادقة على قرار طرد القوات الأميركية في تفاعل مع عملية قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. لكن تبدو هذه الخطوة انطباعية ومتسرعة لأنها تصطدم بموقف أميركي له من الأسلحة ما يكفي لإجبار بغداد على إخراج الفكرة من رأسها لأنها ستكون ملزمة بدفع نفقات باهظة لواشنطن، كما ستكون مهددة بعقوبات كبرى غير مسبوقة إن تشبثت بتنفيذ رغبة إيران.

تونس- لم ينتظر العالم طويلا ليسمع الرد الأميركي على قرار البرلمان العراقي طرد القوات الأميركية من العراق. فالقوات الأميركية، حسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن تنسحب ما لم يتم تعويض الجيش الأميركي عن نفقات باهظة دفعها في قاعدة جوية هناك. وهو مستعد لفرض عقوبات “غير مسبوقة” على العراق، إن هي مضت قُدما في طرد القوات الأميركية.

في تعامله مع إيران، أثبت العراق مرتين أنه ليس سيد نفسه، ولا يتحكم بقراره السياسي.. عندما سمح في المرة الأولى لآيات الله بإدارة صراعهم مع واشنطن على التراب العراقي. وفي المرة الثانية عندما خضع لأوامر إيرانية أجبرت البرلمان على اتخاذ قرار بطرد القوات الأميركية من العراق.

رسائل تحذير

كان الهجوم الذي استهدف قاعدة “K1، التي تحوي جنودا أميركيين في محافظة كركوك النفطية شمالي العراق، وأسفر عن مقتل متعاقد أميركي، فاتحة لتبادل أعمال انتقامية بين الطرفين، شنت خلالها القوات الأميركية غارات جوية استهدفت قواعد تابعة لميليشيا كتائب حزب الله العراقية الموالية لإيران، ما أسفر عن مقتل 25 مقاتلا على الأقل.

إلا أن الغارة الأميركية، التي جاءت بمثابة رسالة تحذير لإيران بأن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها في العراق في حال ما تم تهديدها من قبل إيران أو ميليشياتها، لم تصل لحكام طهران.

لم يكن صعبا على واشنطن أن تشتم في الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد رائحة طهران. كان واضحا أن الخطة دبرت من قبل عناصر تابعة للميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، بإشراف مباشر من، أبومهدي المهندس، واسمه الحقيقي، جمال جعفر آل إبراهيم، بالتنسيق مع الأمين العام لكتائب حزب الله، الملقب، أبوحسين الحميداوي.

وتقول واشنطن إن الاثنين اجتمعا، ليل 30-31 ديسمبر الماضي، في منزل خاص بمنطقة الجادرية قرب دائرة أمن الحشد، وحضر الاجتماع، بالإضافة إلى الحميداوي، واسمه الحقيقي أحمد محسن فرج الحميداوي، ضابط سابق في الجيش العراقي، هو كريم محسن الزيرجاوي الملقب بـ”الخال”، ويعدّ الرجل الثاني في كتائب حزب الله، المرتبطة بالنظام الإيراني.

تم خلال الاجتماع الاتفاق على تفريغ 3500 عنصر من أفراد الحشد الشعبي التابعين لكتائب حزب الله “لواجب خاص وهو الاشتراك بالتظاهرات والاعتصام أمام السفارة الأميركية ومهاجمتها”.

وتقول المصادر التي استندت إليها واشنطن أن الخطة التي رسمها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، تقضي بأن “يقوم المتظاهرون باقتحام وحرق الأجزاء الأولى للسفارة الأميركية، وتدمير واجهتها وتطويقها بالحشود”، وكانت تنص أيضا على أن تعمد الميليشيات، بعد انتهاء صلاة الجمعة، إلى اقتحام السفارة “من قبل الكتيبة التكتيكية الخاصة في كتائب حزب الله وقتل ومهاجمة من في السفارة”.

إلا أن سرعة التحرك الأميركي وإرسال قوات لحماية السفارة في بغداد، وتوعد واشنطن طهران برد قاس أحبط خطة سليماني.

واشنطن لم تنس كل ذلك.. واختارت سليماني هدفا لها، تثبت من خلال تصفيته أنها قادرة على أن تصل إلى حكام طهران حيثما كانوا.

طهران، ولأسباب بات يعرفها الجميع، مصرة على أن لا تقرأ الرسائل، خاصة بعد أن نجحت، حتى تلك اللحظة، بإدارة صراعاتها وتصفية خلافاتها خارج إيران، مستغلة الأوضاع في دول الجوار. لذلك لم يكن غريبا أن تحرك أتباعها في العراق، لاستصدار قرارا من البرلمان بطرد القوات الأميركية.

لم يكن القرار العراقي الصادر عن البرلمان قرارا سياديا، بل قرارا أثار الكثير من الاستياء، ويكشف عن مدى تبعية العراق لحكام طهران.

بقدر ما أثبت ترامب مهارته في استثارة غضب خصومه، بقدر ما أثبت الخصوم قدرتهم على الاستجابة لهذه الاستفزازات.

العالم يحبس أنفاسه

لم تجد طهران ردا أفضل من الإعلان عن تعليق جميع تعهداتها ضمن الاتفاق النووي الموقع بينها ومجموعة (5+1)، مؤكدة أنها لن تلتزم بأي من تلك التعهدات من الآن فصاعدا.

وجاء رد ترامب على التصريحات الإيرانية في نفس اليوم، مجددا تهديداته بضرب 52 موقعا ثقافيا داخل إيران، بعدد الأميركيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران، لمدة 444 يوما أواخر العام 1979، محذرا بأن بعض هذه المواقع على مستوى عال جدّاً وبالغة الأهمية بالنّسبة إلى إيران والثقافة الإيرانيّة.

تعمد ترامب التذكير بخلافات الولايات المتحدة مع إيران، تلك الخلافات التي بدأت منذ اليوم الأول للثورة الإسلامية، التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، مؤكدا على مسامع العالم أنه لن يسمح بعد اليوم بقتل مواطنين أميركيين، أو تعذيبهم.

في تعامله مع إيران، أثبت العراق مرتين أنه ليس سيد نفسه، ولا يتحكم بقراره السياسي.. عندما سمح في المرة الأولى لآيات الله بإدارة صراعهم مع واشنطن على التراب العراقي

وفي الوقت الذي رأى فيه البعض أن تهديد ترامب “لا أخلاقي ومعارض للقيم الأميركية”، استبعد آخرون أن يكون البنتاغون قد “حدد لترامب أهدافا تتضمن مواقع ثقافية إيرانية”.

وكتب، كولين كال، المستشار السابق في المسائل الأمنية لنائب الرئيس الديمقراطي جو بايدن “إذا كان ترامب لا يكترث لقوانين الحرب، إلا أن المسؤولين في وزارة الدفاع يكترثون… والواقع أن استهداف مواقع ثقافية يشكل جريمة حرب”. لقد سمح العراقيون لإيران والولايات المتحدة بتصفية خلافاتهما داخل العراق، وكان الأفضل لهم اليوم أن يطالبوا بخروج الطرفين، حاملين معهما الخلافات لتصفيتها بعيدا عنهم.

الاتفاق على أن استهداف المواقع الأثرية جريمة حرب، لم يمنع كثيرين من ارتكابها. لذلك من حق العالم أن يستفيق اليوم حابسا أنفاسه، منتظرا نتائج تبادل التهديدات ولعبة شد الأعصاب.

6