عودة وزارة الإعلام في مصر نهاية للسيطرة الأمنية

القاهرة – ترجمت عودة وزارة الإعلام في التعديل الوزاري الجديد الذي أجراه الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، استياء الرئيس من الدور السلبي للجهات التي أدارت الإعلام الفترة الماضية، ما انعكس على طرق تناول الكثير من القضايا الحيوية.
وأجرى السيسي تعديلا وزاريا الأحد، لم يقف الكثير من المتابعين عند تفاصيله، لكنهم أمعنوا النظر في عودة حقيبة الإعلام برئاسة أسامة هيكل، والتي غابت عن التشكيلات والتعديلات الوزارية خلال الأعوام الخمسة الماضية.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن عودة هيكل مرة أخرى على رأس هذه الحقيبة، لا ترمي إلى إحداث تغيير جوهري في مسيرة الإعلام التي تكلست السنوات الماضية ليبدو أكثر انفتاحا ويستعيد بريقه الفترة المقبلة، بل يعني فشل المنظومة الأمنية التي أشرفت على إدارة الملف، والحد من الخسائر السياسية، بسبب عدم القدرة على التعبير عن طموحات النظام.
وذاق الإعلام المصري الأمرين من سيطرة الصوت الواحد، وفقدان مصداقيته، ومنح الفرصة بعد الأخرى لخصوم القاهرة للنيل من أي خطوات إيجابية، وبدت واجهة النظام مكشوفة وبائسة أحيانا، لأن من أمسكوا دفة الإعلام تعاملوا معه كما يتعاملون مع المتهمين في قضايا أمنية، وبدت اليد مرتعشة عند ملامسة كل قضية سياسية، حتى لو كانت ليست ذات أهمية.
ولقي وجود أسامة هيكل على رأس حقيبة الإعلام، ارتياحا لدى البعض، فهو صحافي أصلا، ووزير إعلام سابق، ولديه خبرة تؤهله للتعامل بمرونة مع أوجاع الإعلام والعاملين فيه.
ولا يعوّل هؤلاء على حدوث نقلة نوعية قريبا، فأسامة هيكل عمل محررا عسكريا لفترة طويلة خلال عمله بصحيفة الوفد الحزبية، وفي مصر يبدو الصحافي العسكري لصيقا بالمؤسسة الأمنية، وتنتقل إلى صاحبه الكثير من خصال المنخرطين في الجيش، من صرامة وانضباط وعدم قدرة على استيعاب الاختلاف مع الآخر، وهي من الصفات البغيضة في الإعلام.
وتقلل عودة حقيبة الإعلام من الدور الهامشي الذي قامت به كيانات وهمية، مثل المجلس الأعلى للإعلام، وهيئة الصحافة، وهيئة الإعلام، والمرجح إلغاؤها بالتبعية أو فقدان دورها، والثلاثة لم تترك بصمة إيجابية، لأن قدرتها على الحركة السياسية كانت محدودة، أو مكبلة بقيود معينة، حرمتها من القيام بما يتناسب مع أجواء الحرية التي يحتاجها الإعلام ويتنفس بها.
وقد يتحلل الوزير الجديد من هذه الإشكالية ظاهريا، لكن في المنتج النهائي لن يكون غافلا عنها أو عن مطالبها، فوجود حقيبة للإعلام لن يلغي دور الأجهزة الأمنية في هذا الفضاء، غير أنه يمكن أن “يقننها” لتصبح أقل سفورا، لأن هيكل نفسه بحكم خبرته المهنية والسياسية والعسكرية سيحقق هذا الغرض بسلاسة، ويقدم وصفة ربما تريح الجميع.
وأكدت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن عودة وزارة الإعلام ارتبطت بصراعات دارت بين الهيئات الإعلامية الثلاث، وسوف يكون دور أسامة هيكل التوفيق بينها إلى حين، ووضع سياسة إعلامية للدولة بدلا من العشوائية التي أصبحت تسيطر على المشهد العام.
وتشير الاستعانة بوزير إعلام حاليا، إلى أن الاستراتيجية التي تعاملت بها الحكومة مع الملف كانت خاطئة، وعندما دخلت أجهزة سيادية لشراء مؤسسات إعلامية، وسيطرت عليها إداريا وتحريريا بذريعة التطوير حتى فقد الإعلام المصري تأثيره ومكانته.
وبدلا من وقف الفوضى تمدد دور الأجهزة الأمنية وخلطت بين الرقابة والعمل الإعلامي، وتسلل الحضور إلى التدخل في الإنتاج الدرامي، ما يفرض على وزير الإعلام الجديد مهمة ثقيلة لتحرير الفضائيات من الهيمنة، إذا كان مقتنعا بأن وجودها سبب المشكلة.
وتظل أزمة أسامة هيكل، أنه من دعاة تقوية الإعلام الرسمي، وهي قناعة تبدو مقبولة إذا كان هناك إعلام غير رسمي أو مستقل يحقق التوازن، لأن واقع الصحف والمواقع والقنوات، العامة والخاصة، يشير إلى أنها أصبحت في بوتقة واحدة.

ورأى محمد المرسي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن أي تحرك لإعادة الإعلام المصري لتأثيره ومكانته دون استراتيجية متكاملة تحدد سياساته وهويته لا قيمة له، ولا بديل عن هامش كبير من الحرية، كي لا يكون وجود وزير للإعلام مقدمة للمزيد من السيطرة وليس العكس.
وخسرت الحكومة على الصعيد السياسي من وراء التدخل المتزايد في المشهد الإعلامي، أكثر مما كسبت، ووجهت إليها أسهم النقد واللوم من المؤيدين قبل المعارضين بسبب فوضى الإعلام، وهو ما لم تستطع معه الاستمرار ووجدت نفسها في مواجهة مع الشارع والنخبة.
واستبعد عاملون في المهنة حدوث صدامات بين هيكل والجهات الأمنية التي لعبت دورا في الإعلام مؤخرا، وربما يكون التفاؤل مقتصرا على وجود منسوب من الحرية كنوع من الدعم المعنوي له، واختبار نتائجه.
واستبق الرجل تكليفه بحقيبة الوزارة، طمأنة الوسط الإعلامي، بتأكيده أنه من الداعمين لعودة الجمهور لمتابعة الصحف والقنوات المحلية، وتوسيع حرية الإعلام، بحيث يقوم بتوعية الناس والتعامل مع الأزمات بحكمة، ويكون مرآة للمواطنين ومتخذي القرار.
وأضاف المرسي لـ”العرب” أن عودة الإعلام المصري إلى الريادة مهمة ثقيلة في ظل الوضع الراهن المعقد، وقد تكون أكثر صعوبة إذا لم يقم الوزير الجديد بحمل هموم المهنة وأزماتها إلى السلطة، لاتخاذ قرارات تنفذ ويحترمها الجميع حتى الأطراف المتداخلة في إدارة المشهد الإعلامي وهي من خارجه.