الروبوتات هنا لتبقى والجدل لن يغير مجرى التاريخ

أثارت تونس، التي تحتل المرتبة الأولى في تطوير بنيتها الرقمية بين الدول الأفريقية والمركز الأربعين عالميا، جدلا تركز حول مخاوف أثارها الذكاء الاصطناعي. والغريب أن تصدر تلك المخاوف عن الشباب، بينما اكتفى الكبار بالمراقبة، فليس لديهم ما يخسرونه من زحف الروبوت.
أول التساؤلات المطروحة هو، ماذا لو تمرّدت الآلة على الإنسان؟
مركز القادة الشبان بتونس استضاف المفكر والباحث الفرنسي، ذا الأصول المغربية، إدريس أبركان، لإلقاء محاضرة تجيب على هذا السؤال، من بين أسئلة أخرى تهدف لتهدئة المخاوف وإبراز أهمية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، رغم ما قد يصاحب سنواته الأولى من عقبات ومحاذير.
أكد إدريس أن الذكاء الاصطناعي، وإن تطور بشكل غير مسبوق، يبقى خطره محدودا على الإنسان، فهو غير قادر على تجاوز الذكاء البشري، واعتبر أن الخشية من أن ينتهي دور الإنسان أمر مبالغ فيه، وأن الحلول الحسابية الخوارزمية لا يمكن أن تعوض الذكاء الطبيعي.
يمكننا أن ننام مطمئنين، “العبد الآلي” لن يعلن العصيان والتمرد ولن يقود ثورة للمطالبة بالانعتاق من العبودية. الخوف الحقيقي، الذي يمكن تبريره، هو فقدان الموظفين والعمال وظائفهم، حيث لوحظ تلاشي بعض الأعمال تدريجيا، سواء كان ذلك في الصناعات التقليدية اليدوية، أو في الأعمال التي تتطلب التفكير والتحليل واتخاذ القرار.
الجدل لن يوقف تنمية الذكاء الاصطناعي، حتى وإن خرجت ثورات تطالب بوقف الأبحاث وعمليات التطوير، لذلك علينا التركيز على كيفية تنمية تطبيقاته والعمل على تنظيمه، بدل الاستسلام للمخاوف والقلق والوقوف عكس التيار.
لن تنفع الحلول التقليدية مع اقتصاديات تعتمد الذكاء الاصطناعي، لنأخذ مثلا على ذلك، قضية العمالة المهاجرة.. إن كان بإمكان الدول إغلاق الحدود أمام المهاجرين لحماية العمال من المنافسة، ماذا ستعمل في وجه المنافسة القادمة للذكاء الاصطناعي وزحف جيوش الروبوت؟
ووفقا لتقرير نشرته جامعة أكسفورد البريطانية قبل ستة أعوام، سيفقد العالم نصف فرص العمل بين عامي 2023 و2033، ويحل الروبوت مكان الإنسان، وهو ما يهدد بموجة بطالة غير مسبوقة.
لا يمكن مواجهة الكارثة بتعطيل آليات الإنتاج، ولن يستطيع أي جهد يبذل لتحقيق هذه الغاية أن يحقق المرجو منه. الرأسمالية، بثوبها الجديد، لن تضيع أي فرصة لتحقيق الربح، ولن يوقفها شيء عن إزاحة العمال جانبا، والاستعاضة عنهم بآلات ذكية لا تعرف التعب، ولن تتوقف عن العمل حتى تحيل آخر عامل إلى التقاعد. حسب هذا السيناريو، لن يشهد العالم تزايدا في عدد العاطلين فقط، بل سيؤدي ذلك إلى تراجع عائدات الضرائب التي تدخل خزائن الدولة. معادلة تبدو صعبة الحل، ووصفة لكارثة اجتماعية.
وكان أول من نبّه للمشكلة بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت الأميركية، الذي دعا إلى فرض الضرائب على الروبوتات، التي تحل مكان الأيدي العاملة البشرية في الشركات المختلفة.
دعوته هذه أتت خلال مقابلة أجراها مع موقع “ريديت” الأميركي حول مناقشة التهديد الذي يتوقع أن يظهر قريبا جراء مكننة الروبوتات.
وقال غيتس، خلال المقابلة، “يحصل العامل البشري حاليا على 50 ألف دولار من عمله، تذهب نسبة منها للضريبة، وإذا جرى استعمال الروبوت بدل العنصر البشري للقيام بنفس العمل فإني أعتقد أنه ينبغي فرض ضرائب مماثلة على الروبوت، كما هي مفروضة على البشر”.
جلوس البشر في بيوتهم وانقطاعهم عن العمل، سيؤدي إلى توقفهم عن دفع الضرائب، وبهذه الطريقة سنعاني ليس فقط من مشكلة البطالة، بل أيضا، من شح العوائد الضريبية التي كانت تجبى منهم.
بيل غيتس على حق، لا يمكن التخلي عن ضريبة الدخل، بأي حال من الأحول. فكون العنصر البشري عاطلا عن العمل، لا يلغي الحاجة للأموال التي تجنى ضريبة على الدخل، فهي ضرورية لتمويل العديد من الخدمات الاجتماعية.
تقف كوريا الجنوبية على رأس الدول التي تصدت لحل المعضلة، حيث واجهتها بفرض أول ضريبة على الروبوت في العالم، وذلك بدافع مخاوفها من سيطرة الإنسان الآلي على حياة الإنسان، وتسببه في ضياع مستقبل أعداد كبيرة من العمال الذين سيتولى الروبوت عملهم.
وتهدف كوريا من خلال هذه الضريبة إلى تعويض العمال، الذين يفقدون عملهم بشكل تدريجي مع استمرار عملية استبدال العمال بالروبوتات.
وتعد كوريا الجنوبية أكثر دولة استخداما لتقنية الروبوتات في العالم، طبقا لتقارير الاتحاد الدولي للروبوت، حيث تمتلك 531 نوعا من الروبوتات متعددة الاستخدامات.
كل هذا يعيدنا إلى طرح السؤال: هل الذكاء الاصطناعي خبر سار أم لا؟
بعد اكتشاف الطباعة، تشهد الإنسانية نهضة جديدة مع الإنترنت، والكنز الجديد اليوم هو اقتصاد المعرفة. والمستقبل الاقتصادي سيكون ملكا لمن يعرف كيف يستفيد من تدفق المعرفة بشكل أفضل وأسرع.
الذكاء الاصطناعي، ليس انقطاعا تكنولوجيا، بل هو استمرارية في المسار المعلوماتي الذي لا تنفك قوته تنمو، وبحلول عام 2035، سيكون جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان.
الذكاء الاصطناعي هنا ليبقى، والجدل الأخلاقي لن يغير مجرى التاريخ.