الرفض الواسع للانتخابات يضع الرئيس الجديد أمام أزمة شرعية مبكرة

الجزائريون الرافضون للاستحقاق الرئاسي يصعّدون من وتيرة الاحتجاج على السلطة رغم دخول المتنافسين مرحلة الصمت الانتخابي.
الخميس 2019/12/12
انتخابات في ظروف استثنائية

تحبس الجزائر أنفاسها قبيل ساعات من اقتراع الرئاسة المقرر، الخميس، لاختيار خليفة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وسط رفض شعبي واسع للانتخابات، ما ينبئ بأزمة شرعية مبكرة في انتظار الرئيس الجديد.

الجزائر- يتوجّه الجزائريون إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد، في أجواء مثيرة للجدل بسبب الرفض الشعبي المتفاقم خلال الأسابيع الأخيرة، فرغم حملة الدعاية التي شنّها الموالون للخيار الانتخابي كمخرج حتمي للأزمة السياسية، إلا أن التوقعات تذهب لمقاطعة كبيرة ستضع الرئيس القادم في أتون أزمة شرعية مبكرة.

وتجري في الجزائر، الخميس، عملية الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد أشهر من الشد والجذب بين المؤيّدين للخيار الانتخابي وبين الرافضين له، لتكون بذلك أكثر الاستحقاقات الانتخابية إثارة للجدل في تاريخ البلاد، في ظل الشكوك المتراكمة حول قدرة السلطة على تنظيمها، بسبب المقاطعة الكبيرة والاحتجاجات الشعبية المستمرة.

وتحصي الجزائر أكثر من 24 مليون مسجّل في اللوائح الانتخابية، يتوزعون في الغالب على ربوع البلاد، بينما تسجل الأقلية في المهجر والمناطق النائية بالصحراء، ولذلك دأبت الجهات المنظمة على تنظيمها أياما قبل موعد الاقتراع العام، بغية السماح للمهاجرين ولفئة البدو الرحل بممارسة حقهم الانتخابي.

وفيما سخّرت الحكومة كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية، ووضعتها تحت تصرّف السلطة المستقلة للانتخابات، فإن اللافت خلال اليومين الأخيرين الحضور الأمني الكثيف في المدن والمحافظات الكبرى، بدعوى تأمين عملية الاقتراع.

واستعانت السلطة بوحدات للجيش لتوظيفها في العملية المذكورة، في حين تحدثت بعض المصادر عن إدراجها في خانة القوات الأمنية، مما أفضى إلى إشاعة أجواء مشحونة في الشارع الجزائري، خاصة في العاصمة والمدن الكبرى، حيث بدا المشهد وكأن البلاد تعيش وضعا أمنيا استثنائيا.

وكان المرشحون الخمسة المتنافسون على كرسي الرئاسة، قد دخلوا مهلة الصمت الانتخابي منذ الثلاثاء، بعد ثلاثة أسابيع من حملة دعائية تركزت على إقناع الجزائريين بالمشاركة في الانتخابات، أكثر مما اهتمت بشرح برامجهم السياسية، خاصة وأن المحتجين عملوا منذ انطلاق الحملة على محاصرة وإفشال التجمعات الشعبية لهؤلاء.

ورغم دخول المتنافسين مرحلة الصمت الانتخابي، فإن الصخب والضجيج استمر في الشارع إلى غاية الأربعاء، حيث صعّد الرافضون للاستحقاق الرئاسي من وتيرة الاحتجاج على السلطة، بالمظاهرات والاحتجاجات وحتى الإضراب.

ودعا ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى تقديم احتجاجات الجمعة إلى الخميس، لتكون بالموازاة مع عملية الاقتراع، وهو ما يرشح البلاد إلى وضع غير مسبوق، وإلى أجواء محتقنة تبعث على مخاوف انقسامات عنيفة في الشارع، رغم دعوات التهدئة التي أطلقتها عدة جهات من أجل تفويت الفرصة على مساعي جر الجزائريين إلى الفوضى.

وعرفت الحملة الدعائية للخيار الانتخابي، انضمام زعيم التيار السلفي محمد علي فركوس، إلى خندق الداعين للمشاركة القوية في الاقتراع، من خلال البيان الصادر عنه الثلاثاء، والذي دعا فيه أنصاره وأتباعه إلى “المشاركة في الانتخابات وإلى الحفاظ على أمن واستقرار البلاد”.

وبذلك يكون التيار الإسلامي، المعروف بولائه للسلطة، وتحريمه للممارسة الحزبية والانتخابات، قد انضم إلى دعوة مماثلة صدرت قبله، من قائد ما كان يعرف بـ” الجيش الإسلامي للإنقاذ” المنحل مدني مزراق، الذي دافع بدوره عن خيار الانتخابات بقوّة.

ومع ذلك تذهب التوقعات إلى تسجيل مقاطعة كبيرة للانتخابات الرئاسية، فعلاوة على ما يعرف بـ”الأغلبية الصامتة” التي تعودت على تجاهل الاستحقاقات الانتخابية، فإن الحراك الشعبي أفرز قوى معارضة لتوجهات السلطة، منذ الانتفاضة في شهر فبراير الماضي على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

الرئيس القادم سيكون أضعف رئيس في تاريخ البلاد، لعدم قدرته على التحرك خارج الخطوط التي رسمتها السلطة 

وسيكون الحراك الشعبي، المستفيد الأول من الأغلبية المذكورة لتأكيد رفض الجزائريين لانتخابات فرضتها السلطة قسرا على الشعب، ولمسعاها لتجديد النظام بوجوه جديدة، ولذلك لا يستبعد أن تلجأ إلى الأساليب المعتادة في تضخيم المشاركة وترتيب النتائج، رغم التعهدات التي أطلقتها السلطة المستقلة، والرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، أن الرئيس القادم سيكون أضعف رئيس في تاريخ البلاد، قياسا بالشرعية المهتزة وبالتركة التي يرثها من عشرة أشهر من الاحتجاجات الشعبية على النظام السياسي القائم، فضلا عن عدم قدرته على التحرك خارج الخطوط التي رسمتها السلطة الحالية، ورهن البلاد بتعاقدات واتفاقيات مثيرة مع الشركاء الأجانب.

وعلى غير عادة الاستحقاقات الكبرى التي كانت محل ترقب لتحقيق الانتظارات التي يتوق لها الشعب، فإن استحقاق الخميس، سيكون بداية مرحلة جديدة من صراع بين شارع منتفض، وبين سلطة ارتدت ثوبا مدنيا، بعدما استنفذت قيادة المؤسسة العسكرية قدسيّتها التاريخية والشعبية في السجال المفتوح منذ أشهر، وتريد العودة إلى مواقعها الطبيعية وممارسة الحكم من وراء الستار.

ورغم عدم وجود نص تشريعي يضع سقفا معينا لنسبة المشاركة في أي استحقاق لتمريره، وتكتفي البلاد بما يسجل في يومه مهما كانت النسبة، فإن المقاطعة الكبيرة المنتظرة، وحتى عدم إجراء الانتخابات برمّتها في بعض المناطق، خاصة في منطقة القبائل وضواحيها، سيكون أول تحدّ للرئيس القادم للجزائريين.

4