الضغوط الشعبية تجبر الأردن على زيادة الأجور

اضطر الأردن إلى مراعاة قسوة التضخم على موظفي الدولة والمتقاعدين بزيادة رواتبهم اعتبارا من بداية العام المقبل، في خطوة يمكن أن تفاقم الاختلالات الكبيرة في التوازنات المالية، لكنها يمكن أن تخفف التذمر الشعبي من الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
عمان - رضخت الحكومة الأردنية لحقائق الأمر الواقع وقررت زيادة رواتب مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين في بند الأجور بالموازنة الجديدة، التي ستكون تحت ضغوط مالية شديدة.
وتأتي الخطوة بينما يتزايد الدين العام بشكل مطرد، لكن الحكومة ترى أنها ضرورية لامتصاص أي احتقان اجتماعي قد ينفجر في وجهها.
وكشف رئيس الوزراء عمر الرزاز الخميس الماضي أن الحكومة اتخذت هذا القرار، الذي يشمل قرابة 700 ألف من العاملين والمتقاعدين المدنيين والعسكريين.
وقال الرزاز أمام حشد من المسؤولين والشخصيات البارزة إن “الوضع الاقتصادي والظروف الاستثنائية التي مر بها الأردن والمنطقة يتطلبان تحسين المستوى المعيشي للمواطنين”.
ولا تغيب عن ذهن الحكومة، التي تقول إنها لن تلجأ إلى ضرائب جديدة، الاحتجاجات في دول مجاورة، مثل لبنان والعراق، خلال الأشهر الماضية على خلفية تدهور مستويات المعيشة وانتشار الفساد.
وأثارت زيادات ضريبية يطالب بها صندوق النقد الدولي تحركات احتجاجية اعتبرها البعض من أكبر التظاهرات منذ سنوات وأطاحت بالحكومة السابقة التي كان يرأسها هاني الملقي.
ويلقي اقتصاديون باللوم على السلطات، التي قامت بذلك الإجراء ما أدّى في نهاية المطاف إلى انكماش نشاط الشركات.
700 مليون دولار، حجم الفاتورة الإضافية، التي ستخصص ببند الأجور في موازنة العام المقبل
وكانت آخر زيادة كبيرة في أجور القطاع العام في 2010 و2011 في إطار إنفاق اجتماعي إضافي بمليارات الدولارات لكبح احتجاجات اندلعت في ذلك الوقت بالتزامن مع احتجاجات في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.
وتضخم القطاع العام بخطى سريعة على مدار العقدين الأخيرين مع سعي حكومات متعاقبة لاسترضاء المواطنين بوظائف في الدولة للحفاظ على الاستقرار.
ورغم أن التضخم في الأردن عند مستوياته الحالية البالغة نحو 2.3 بالمئة يعد معدلا معقولا قياسا بدول عربية أخرى، لكن مع ذلك يثير الجدل بين المنتمين إلى الطبقة الفقيرة على وجه الخصوص.
وساهم الإنفاق الجامح في ارتفاع الدين العام إلى 40 مليار دولار، وهو ما يعادل 94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكافح الأردن لكبحه بموجب برنامج لصندوق النقد مدته ثلاث سنوات انتهى هذا العام.
وستعطي أحدث زيادة في الأجور، التي تبدأ العام المقبل، العاملين في الدولة بمختلف فئاتهم زيادات في الرواتب تتراوح بين 15 و20 بالمئة إلى جانب زيادات كبيرة أخرى للمتقاعدين والموظفين في الجهاز الحكومي.
وستضيف ما لا يقل عن نصف مليار دينار (700 مليون دولار) إلى الرواتب ومعاشات التقاعد، التي تستهلك بالفعل أغلب الإنفاق الحكومي في مشروع موازنة 2020 البالغ حجمه 9.8 مليار دينار (14 مليار دولار).
ويقول مسؤولون إن شبح زيادة الإنفاق يقلق بالفعل بعثة صندوق النقد التي زارت الأردن في نوفمبر الماضي، وستعود إليه في يناير المقبل لإجراء محادثات بشأن برنامج إصلاح.
وأضافوا أن الأردن يريد أن يركز البرنامج الجديد على زيادة النمو الذي ظل راكدا حول اثنين بالمئة خلال السنوات العشر الماضية، وخفض بطالة قياسية ارتفعت بشكل حاد في العامين الماضيين لتصل إلى 19 بالمئة.
ويعتقد البعض أن الأردن سيقاوم أي مسعى من صندوق النقد لتبني المزيد من إجراءات التقشف، التي تخاطر بزيادة عدم الاستقرار واضطرابات أهلية.
وتأمل الحكومة في تعويض الزيادة في فاتورة الأجور من خلال زيادة الإيرادات عبر إنعاش النشاط الاقتصادي في بلد تضرر جراء اضطرابات إقليمية.
وقال وزير المالية محمد العسعس في وقت سابق “أملنا أن ترفع (الإجراءات المتخذة) النمو وترفع الإيرادات وتحرك عجلة الاقتصاد”.
ودخلت الحكومة معركة شاقة لتحريك الاقتصاد المتعثر عبر إقرار حزمة من الحوافز الشهر الماضي، لتشجيع القطاعات الحيوية على النمو، يرى الكثير من المختصين أنها غير كافية.
وكشف الأردن الأسبوع الماضي عن نواياه للاقتراض من المؤسسات المالية الدولية مرة أخرى، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى سد فجوة العجز في الموازنة الناجمة عن اختلالات هيكلية في اقتصاد البلاد.
ويؤكد محللون أن الوضع الذي بلغه الأردن في ظل جنوحه مرة أخرى إلى الاقتراض الخارجي دليل واضح على الخلل في إدارة الأموال وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة وغياب الإرادة الحقيقية لتحسين القطاعات الإنتاجية المهمة في البلاد.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن تكاليف الصدمات المتعلقة بانقطاع إمدادات الغاز المصري وإغلاق الحدود مع العراق بلغت نحو 17.4 مليار دولار، ما يمثل 44 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويعاني البلد، الذي يستورد أكثر من 90 بالمئة من الحاجيات الطاقية من الخارج، ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، كما أنه تأثر كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين.
ويؤكد خبراء أن حدة التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني منذ مطلع العام الماضي لم تتراجع حتى اليوم، وهو ما ينذر بالمزيد من المتاعب خلال الفترة المقبلة في بلد يعتمد على المساعدات الدولية بشكل كبير.