حقائق تفند قدرة إيران على تسويق نفطها

يشكك محللون ومؤسسات مالية دولية في قدرة إيران على تحقيق العوائد النفطية، التي تحلم بجنيها خلال الفترة المقبلة في خضم العقوبات الأميركية المشددة عليها، ووسط تأكيد المؤشرات على انحسار هامش تحركاتها لتسويق الخام خاصة مع تفجر الاحتجاجات مؤخرا بسبب زيادة أسعار الوقود.
طهران - يجمع محللو أسواق الطاقة على أن هامش مناورة إيران للإفلات “مؤقتا” من العقوبات الأميركية عبر زيادة بيع نفطها في الأسواق العالمية، بات محدودا للغاية أكثر من أي وقت مضى.
وتكافح الحكومة الإيرانية من أجل جني عوائد مالية لترقيع موازنتها المختلة عبر صادرات الخام المتراجعة، والتي تعد هدفا أساسيا ضمن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأعلن رئيس منظمة التخطيط والموازنة محمد باقر نوبخت الأربعاء أن العائدات المتوقعة من صادرات النفط لكل من العامين الجاري والقادم تتراوح بين 10 إلى 12 مليار دولار.
وتتوقع طهران تحقيق ذلك المبلغ بنهاية العام المالي الإيراني، الذي ينتهي في العشرين من مارس 2021.
ونسبت وكالة أنباء فارس الإيرانية لنوبخت قوله إنه “فضلا عن عوائد البلاد السنوية من صادرات النفط،، فإن عوائد البلاد من صادرات السلع غير النفطية تصل إلى 45 مليار دولار سنويا”.
وأضاف “رغم أنه يجري هيكلية الموازنة لجعلها مستقلة عن العوائد النفطية، من أجل إدارة الاقتصاد دون الاعتماد على النفط، إلا أنه يمكن في الوقت الحاضر الحصول على عوائد أيضا من صادرات المشتقات النفطية”.
وتخضع إيران لعقوبات أميركية غير مسبوقة تهدف لتصفير صادراتها النفطية، بهدف الضغط عليها لإعادة التفاوض على الاتفاق النووي، الذي كانت توصلت إليه مع القوى العالمية الكبرى قبل سنوات.
وأدت العقوبات الأميركية على طهران إلى تقليص عائداتها النفطية وقطع الروابط بين المصارف الإيرانية والنظام المالي العالمي.
وكانت واشنطن انسحبت العام الماضي بصورة أحادية من الاتفاق، بينما تسعى الدول الأخرى الموقعة عليه وهي بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا لإنقاذ الاتفاق عبر تجنب العقوبات الأميركية، ولكن جهودها لم تثمر حتى الآن.
وأوضح نوبخت أن الحكومة بدأت الأربعاء في مناقشة مسودة مشروع موازنة السنة المالية القادمة لتقديمها للبرلمان في السابع من الشهر المقبل.
وحملت بيانات صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد الإيراني إشارات تعكس مدى تأثر طهران بانخفاض أسعار الخام في الأسواق العالمية وبالعقوبات الأميركية.
ومنذ فرض العقوبات الأميركية تقلصت صادرات إيران النفطية بأكثر من 80 بالمئة. ولا تعلن طهران عن أرقام دقيقة، لكنها تقول إن بعض النفط الخام لا يزال يتم تصديره عبر وسائل “غير تقليدية”.
وفي مايو الماضي، أنهت واشنطن الإعفاءات المؤقتة، التي منحتها للمشترين الرئيسيين الثمانية للنفط الإيراني، ما زاد من الضغوط على الصين والهند وتركيا للعثور على موردين آخرين.
وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق لرويترز في وقت سابق هذا العام إن “التقدير أن العقوبات التي أُعيد فرضها العام الماضي وجرى تشديدها هذا العام، لن يكون لها تأثير إضافي العام المقبل”.
وقدّر صندوق النقد الدولي أن تحتاج إيران إلى سعر 194.6 دولار لبرميل النفط لتحقيق توازن في الموازنة الجديدة.
وتوقع أن تسجل إيران، وهي عضو رئيسي في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، عجزا ماليا بنسبة 4.5 بالمئة هذا العام و5.1 بالمئة في العام المقبل.
وأشار أزعور صندوق إلى أن الاقتصاد الإيراني سينكمش بنسبة 9.5 بالمئة هذا العام، وهو أسوأ أداء له منذ عام 1984 عندما كانت طهران في حالة حرب مع العراق، لكنه توقع أن يستقر النمو عند مستوى الصفر العام المقبل.
80 بالمئة نسبة تراجع صادرات إيران النفطية منذ بداية الحظر الأميركي، وفق صندوق النقد
وعرقل تراجع العملة المحلية، بعد إعادة فرض العقوبات، التجارة الخارجية لإيران وعزز التضخم السنوي، الذي يتوقع صندوق النقد أن يبلغ 35.7 بالمئة هذا العام و31 بالمئة العام المقبل.
ويتوقع خبراء الصندوق هبوط صادرات السلع والخدمات الإيرانية إلى مستوى 60.3 مليار دولار بنهاية العام الجاري من 103.2 مليار دولار العام الماضي، وأن تشهد مزيدا من التراجع في العام المقبل إلى 55.5 مليار دولار.
وشهدت إيران تباطؤا اقتصاديا حادا هذا العام في ظل العقوبات، وأدى تراجع العملة لارتفاع التضخم وزيادة أسعار الواردات، إلا أن الرئيس حسن روحاني قال في وقت سابق هذا الشهر إن “الاقتصاد أصبح مستقرا الآن”.
ويجمع محللون على أن الوضع الاقتصادي وصل إلى طريق مسدود ولم يعد معه بالإمكان تدارك الأزمة في ظل تفاقم معاناة المواطنين واستفحال الفساد وسيطرة السلطة الدينية على ثروات البلاد وتسخيرها للأجندات السياسية الخارجية.
ويقول متابعون للشأن الاقتصادي الإيراني إن أحد أبرز اللاعبين الرئيسيين في القطاع شبه الحكومي هي شبكة الشركات التي تعمل لحساب الحرس الثوري.
وتكمن الصعوبة القصوى لطهران في مرور الأموال عبر النظام المصرفي في ظل التزام المزود الدولي لخدمات التراسل المالي المؤمن (سويفت) بإيقاف تسهيل الصفقات المالية.
وشكل قرار نظام سويفت في نوفمبر الماضي تجميد وصول البعض من المصارف الإيرانية لشبكته ضربة كبيرة لإيران حيث ضيقت الخطوة الخناق على النظام المالي للبلاد، التي تعاني من أزمات اقتصادية أصلا.
ويترنح اقتصاد على حافة الانهيار في ظل موجة الاحتجاجات وفقدان السلع الأساسية من الأسواق، في ظل إقرار الحكومة الضمني بفشل مؤسسات الدولة في القيام بدورها.
وتتوسل طهران بشركات القطاع الخاص وتعرض عليها النفط لإيجاد سبل لتهريبه، كما عرضت عليها إدارة الشركات الحكومية المترهلة لإنقاذها من الإفلاس.
وتواجه الشركات الإيرانية خسائر كبيرة بفعل العقوبات الأميركية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، واضطرت البعض منها إلى إغلاق خطوط الإنتاج وتسريح العمال.
وأظهرت المقابلات التي أجرتها رويترز مع مالكي الشركات في أنحاء إيران، أن المئات من الشركات علقت الإنتاج وسرحت الآلاف من العمال، نظرا لمناخ أعمال غير موات، يرجع بشكل رئيسي إلى العقوبات الأميركية الجديدة.
وكأحد الأمثلة على ذلك، اضطرت شركة تامنوش الإيرانية لتصنيع المشروبات الغازية، إلى إغلاق خط إنتاجها بعد قرابة 16 عاما من التشغيل، وسرحت العشرات من العمال.
وقال فرزاد رشيدي الرئيس التنفيذي للشركة “أصبح جميع العاملين لدينا وعددهم حوالي 45 دون عمل الآن. يقود الرجال سيارات أجرة، وعادت النساء لرعاية منازلهن”.