استدارة ألمانية لتغيير أولويات قمة برلين تجنّبا لفشلها

برلين تحاول تذليل صعوبات المؤتمر بتوسيع نطاق المحادثات الدولية للتحرك بصورة إيجابية.
الأربعاء 2019/11/27
شدة المعارك تؤثر على مسار برلين

استبقت ألمانيا سيناريو فشل مؤتمر برلين الذي ستخصصه لبحث الأزمة الليبية وإيجاد تسوية سياسية تنهي الصراع الدائر بالبلد، بتوسيع نطاق المباحثات والتفاهمات الدولية والإقليمية، بعد أن ظهرت مؤشرات عن فشل الاجتماعات التحضيرية الأولى للمؤتمر. وتسعى حاليا إلى البحث في عمق الأزمة انطلاقا من التطورات الميدانية لمعركة طرابلس، وعلى ضوء تمدد الدور الروسي في ليبيا أمام قلق أميركي من استغلال موسكو للصراع على حساب مصالح الليبيين.

طرابلس - تستضيف ألمانيا في 10 ديسمبر المقبل، جولة رابعة مهمة ضمن جولات الحوار مع الدول التسع المعنية بالأزمة الليبية، في محاولة جديدة لتذليل العقبات التي تراكمت أمام القمة الدولية التي تخطط لها، قبل أن تتبخر.

واقتنعت برلين بعد ثلاث جولات عقدت على مدار الشهرين الماضيين مع وفود الدول الخمس دائمة العضوية أن الأزمة بحاجة إلى مرونة عالية وتفاهمات إقليمية ودولية كي تتحرك بصورة إيجابية.

وتصورت ألمانيا أن نواياها الحسنة لعقد مؤتمر لحل الأزمة تكفي لضمان التفاف المجتمع الدولي حولها، لكنها تيّقنت أن المسألة أشد صعوبة على مستويات عديدة، بما جعلها تعيد ترتيب أوراقها السياسية، وتصوّب طريق حواراتها مع قوى مختلفة لتجنّب شبح فشل القمة المنتظرة.

وتراجعت أجواء التفاؤل التي صاحبت إعلان ألمانيا عقد مؤتمر دولي، وباتت تواجه القمة التي كان من المقرر انعقادها في برلين نهاية أكتوبر الماضي وبداية نوفمبر الجاري، عقبات كبيرة أثرت سلبا على التقديرات المؤيدة للمؤتمر، وقادت إلى فقدان الحماس له.

وأصبح الموعد غامضا، ورهينة بمدى ما يتحقق من تقدم عملي على مسار المناقشات التي تقوم بها الدولة الراعية مع أطراف عديدة، حيث تيقنت ألمانيا أن الأزمة لها أبعاد شائكة، تستلزم المزيد من المباحثات كي تخرج القمة بإجراءات يمكن تطبيقها على الأرض.

وأدت العراقيل الكثيرة إلى تشاؤم برلين للدرجة التي جعلتها تفكر في عقد قمة بمن حضر، ودون التفات لما يمكن أن تسفر عنه من مخرجات تساهم في حل الأزمة الليبية، وتميل إلى القبول بنتائج شبيهة لما توصل إليه كل من مؤتمر باريس وباليرمو العام الماضي.

وتؤكد هذه القناعة حجم القلق الذي ينتاب الدول الراغبة في تسوية الأزمة نهائيا، لأنها ترى تكرارا لما سبق، وإصرارا على إعادة الدوران في حلقة مفرغة.

وحاولت هذه الدول كفّ برلين عن المضي في هذا الطريق، لأنه يكرس للأوضاع الراهنة، ويمنح الميليشيات والكتائب المسلحة والقوى التي تدعمها دفعة سياسية لمواصلة خلط الأوراق، والابتعاد كثيرا عن التسوية المطلوبة.

وقالت مصادر عربية لـ”العرب”، إن “فكرة عقد مؤتمر لحد ذاته فقط خطيرة وتعيد الأزمة إلى المربع الأول، وعلى برلين النظر في رؤيتها مرة أخرى، وتعمل بجدية مع جميع الأطراف الفاعلة، وتلتفت إلى الأولويات التي تفرض العمل على مسارات متوازية في آن واحد”.

ما تقوم به ألمانيا يجب أن يكون في إطار عملية سياسية متكاملة، إذا أرادت النجاح لمؤتمرها حول الأزمة الليبية

وشرحت المصادر هذه الفكرة، قائلة، “الخطاب السياسي لكل الدول تقريبا يتوافق حول العناوين العريضة، مثل وقف المعارك، ومحاربة الميليشيات والإرهاب، ورفض سيطرة تيار الإسلام السياسي، والتوزيع العادل للثروة، لكنها تختلف في تفاصيل كل نقطة، وتتحكم فيها مصالح هذه الدولة أو تلك، وليست مصالح الشعب الليبي”.

وأضافت لـ”العرب”، أن”برلين أخذت تقتنع بهذه الرؤية في جولة وفود الدول المعنية التي عقدت في 21 نوفمبر الحالي، عندما وجدت ممانعة قوية حيال صيغة “عقد مؤتمر والسلام”.

وتسعى الآن إلى التباحث بعمق في قضايا جوهرية، وتعمل بالتنسيق مع البعثة الأممية في ليبيا على تبني صيغة تعتمد على المسارات المتوازية لكل قضية، وتحقيق نجاحات عامة تسهّل الخروج برؤية للدول المعنية يمكن تطبيقها على الأرض.

وأكدت المصادر، “أن لقاء 10 ديسمبر المقبل، سيكشف الكثير من التفاصيل حول الخطوة القادمة، وما تقوم به ألمانيا يجب أن يكون في إطار عملية سياسية متكاملة، إذا أرادت النجاح لمؤتمرها، وتستمر حتى تصل إلى نتيجة محددة، ثم تختتم بقمة دولية، أو تعقد القمة عند خطوة ما يتأكد فيها الجميع أن العملية السياسية ماضية بشكل سليم، وفي الحالتين من الضروري أن تكون هناك إجراءات ملموسة على الأرض، يطمئن لها الشعب الليبي ويدعمها”.

ويرى متابعون، أن التعقيدات التي دخلها مؤتمر ألمانيا ما كان لها لتحدث، أو على الأقل تتراجع حدّتها، لو أن برلين وضعت العربة أمام الحصان منذ البداية، وأجرت حوارات موسّعة مع الدول المعنية للحل، وتتفهم حقيقة الأوضاع على الأرض أولا، قبل أن تعلن عن مؤتمرها.

وأوضح هؤلاء أن ألمانيا بدأت تتدارك هذا الخطأ، غير أن هذا التحول جاء متأخرا، حيث قامت قوى عديدة بالاستعداد لما بعد مؤتمر برلين، باعتباره تطورا حاسما في عمر الأزمة الليبية، وقامت بإجراءات لتحسين موقفها على الأرض، كي لا يتم استثناؤها أو تهميشها في أي تسوية تتمخض عن هذا المسار، ما أدى إلى ارتفاع معدل العنف في طرابلس وغيرها الفترة الماضية.

وتتغذى بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية على المعارك، اعتقادا بأنها ترفع من مستوى مكانتها في أي مفاوضات سياسية، وفي ظل عدم قدرة الأطراف الداخلية على الحل تتزايد الطموحات للاستثمار في العنف، وقد تقوم قوى كبرى بجس نبض ثم تتبنى، بصورة غير مباشرة، عملية تهيئة للأجواء للتفاعل مع الأزمة مباشرة ورسميا.

ونشرت وسائل إعلام أميركية تقارير عدة حول نشاط روسي مكثف في ليبيا على أصعدة متنوعة ومع جهات مختلفة، وبرزت “واغنر” كشركة أمن روسية معروفة تقوم بمدّ المتقاتلين بعناصر مدربة، وهو ما أزعج الإدارة الأميركية، خشية أن تكون ستارا لعلميات خفية، وتفضي للمزيد من التمدد الروسي على الساحة الليبية.

وتفاعلت هذه المعطيات سريعا، وقادت إلى عقد لقاء عاجل بين وفد أميركي والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الاثنين، تطرق إلى مناقشة الخطوات الرامية إلى وقف القتال وتحقيق حل سياسي، ودعم وحدة الأراضي الليبية. وعبّرت واشنطن عن قلقها الشديد بشأن “استغلال روسيا للصراع على حساب الشعب الليبي”.

تحوّل نوعي
تحوّل نوعي

وعلمت “العرب”، أن “اللقاء جرى في العاصمة الأردنية عمّان، الأحد، وبدت واشنطن غير مرتاحة لتنامي الدور الروسي، في وقت تمثّل فيه ليبيا واحدة من مصادر النفط الرئيسية”.

وأشار متابعون إلى أن سقوط طائرة إيطالية دون طيار فوق طرابلس، ثم اختفاء (أو سقوط) طائرة أميركية تابعة لأفريكوم مؤخرا، يمثل تحولا نوعيا في المعارك الدائرة في ليبيا، ويمكن أن يزيد الأزمة اشتعالا، في ظل اتساع قدرة القوى المتحاربة للحصول على مساعدات عسكرية متقدمة، وخرق حظر استيرادها.

وتوقعت مصادر سياسية قريبة من الأزمة الليبية، أن يؤثر المحدد الروسي وسخونة المعارك، على مسار برلين، ويفرضا على واشنطن تقديم الدعم السياسي اللازم للمؤتمر، حتى لا تجد نفسها مضطرة إلى الانخراط في الأزمة مباشرة، وهي تنسحب من بعض مواقعها في المنطقة.

وأضافت المصادر لـ”العرب”، أن”الأزمة الليبية فريدة، من حيث قلة السكان ووفرة الموارد، وكثافة القوى المعنية بها، وسط كل ذلك لا توجد جهة كبيرة أو صغيرة تملك عصا سحرية للحل، الأمر الذي يفرض التكاتف رضائيا أو قسريا، لأن خروج الأزمة من عقالها يحمل تداعيات تفوق قضايا الهجرة غير الشرعية والإرهاب والنفط والغاز، وقد يصل بها إلى صدام دولي على النفوذ، لا أحد على استعداد للانتظار والدخول فيه في هذه المرحلة”.

4