مساع تونسية مرتبكة لإنقاذ قطاع النقل الغارق في الديون

تأخر الإصلاحات ينذر بواقع معقد ومستقبل مليء بالتحديات لشركة نقل تونس.
الثلاثاء 2019/11/19
أسطول نقل قديم

تصاعدت وتيرة التحذيرات من انهيار شركات النقل التونسية، التي تراكمت خسائرها على مدى سنوات، مما ينذر باندثارها نظرا لعجز الحكومات المتعاقبة عن إنقاذها جرّاء استحالة حصولها على تمويل يمكّنها من الخلاص من تبعات ديونها، في وقت تمرّ فيه معظم شركات القطاع العام بأزمة خانقة.

تونس - اتسعت دائرة المخاوف داخل الأوساط الاقتصادية التونسية من عدم قدرة شركة النقل الحكومية على مواجهة أزماتها بسبب خسائرها المتلاحقة لاسيّما في ظل إفلاس بلغ مداه أغلب شركات القطاع العام الأخرى.

وتعاني شركات حكومية كبرى مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز (ستاغ) والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد) وشركة فوسفات قفصة وغيرها من مشاكل مماثلة.

منجي المقدم: إصلاح مشكلة شركات النقل العام لم يعد مسألة تحتمل التأجيل
منجي المقدم: إصلاح مشكلة شركات النقل العام لم يعد مسألة تحتمل التأجيل

ويقول الخبير الاقتصادي منجي المقدم في تصريحات لـ”العرب” إن ”إصلاح مشكلة النقل العام لم يعد يحتمل التأجيل لأنه قطاع حيوي له دور اجتماعي ينضاف إلى دوره الاقتصادي”.

وأضاف أن “كل الشركات تعيش أزمة من نفس النوع تهدد استدامتها مما يمنعها من مساعدة بعضها كأزمة الصناديق الاجتماعية وشركات عمومية أخرى”.

ويشير إلى أن معالجة تردي الأسطول البري والجوي والبحري تحتاج إلى ميزانية ضخمة لا تقدر السلطات على توفيرها في ظل وضعها الاقتصادي الحالي.

وسبق وأطلق صالح بلعيد، الرئيس المدير العام الأسبق لشركة نقل تونس، صفارات الإنذارات بقوله إن ”دور قطاع النقل يوشك على الاندثار إذا لم تتدخل الدولة، خاصة وأنّ خسائر الشركة بلغت بنهاية العام الماضي مستويات قياسية.

ونسبت وكالة الأنباء الرسمية لبلعيد قوله خلال ندوة حول النقل الحضري إن ”ديون الشركة تصل إلى 900 مليون دينار (316 مليون دولار) بنهاية العام الجاري، منها 85 بالمئة مستحقات الدولة ولشركات القطاع العام”.

وفي محاولة لمعالجة اختلال توازناتها، اقترضت شركات النقل من مؤسسات تعمل في القطاع العام كالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية و“ستاغ” التي تعيش بدورها أزمة ارتفاع الديون.

ويحاصر خطر الإفلاس أغلب الشركات الحكومية التونسية، التي كانت تقرض قطاع النقل طيلة السنوات الأخيرة الماضية، وهو ما أدى إلى ارتفاع حجم ديونها أكثر وضرب توازناتها.

ويبرهن عجز الموازنات المتعاقبة بعد أحداث 2011 على جسامة التحديات الاقتصادية التي أربكت حسابات البلاد بفعل ارتفاع المصاريف والمطالب ومحدودية الموارد والمداخيل داخل نظام اقتصادي تسيطر الدولة على أغلب مقوماته.

وقلّل المقدم من فرص إنقاذ الحكومة لقطاع النقل خلال العام الجاري بقوله إن ”إعلان الحكومات في كل مرة عن رصد ميزانيات للنهوض بقطاع النقل لم يعد ذا جدوى لأن القطاع يحتاج لإصلاحات هيكلية وجذرية ونظرة شاملة”.

ويستبعد الخبير أن يكون الحل في الخصخصة، لافتا إلى أن هذا التمشي يهدد القطاع في دوره الاجتماعي ومن الضروري وضع معايير جديدة للتصرف والحوكمة.

316 مليون دولار حجم خسائر شركات النقل العام المتوقعة بنهاية العام الحالي، وفق التقديرات

وارتفعت سابقا أصوات تدعو إلى خصخصة البعض من شركات القطاع العام المتعثرة من بينها البنوك، التي باتت تثقل كاهل الدولة، غير أنها اصطدمت بمواجهة حادة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية بالبلاد.

وخاضت المنظمة النقابية صراعا طويلا مع الحكومة انتهى بتخلي رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد عن مقترح خصخصة الشركات.

ولطالما أبدت النقابات رفضا قاطعا لإقدام الحكومة على خطوة خصخصة الشركات لأسباب تتعلق بتحويل قيادة الخدمات الرئيسة الموجهة للمواطنين إلى القطاع الخاص.

وفي محاولة لامتصاص غضب المعارضين للفكرة، أكد توفيق الراجحي مستشار الشاهد في كثير من المرات أنه لا نية لخصخصة الشركات الحكومية الكبرى الناشطة في قطاعات استراتيجية، على غرار الكهرباء والمياه.

وكشفت الحكومة في 2017 عن استراتيجية لإصلاح وضعية الشركات المتعثرة بطريقة تشاركية مع الأطراف الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والأحزاب السياسية.

وقالت حينها إنها تخطط لبيع 15 مؤسسة ومنشأة بحلول عام 2020 كمرحلة أولى، لكن لا شيء تم منذ ذلك التاريخ.

ويشكل ارتفاع عدد الموظفين حجر عثرة نحو الإصلاح، وهو ما يشير إليه المدير السابق لشركة النقل بقوله إن ”الشركة تعاني من مشكلة كثرة الموظفين الذين كان عددهم يقدر بنحو 7 آلاف عام 2010 ليصل إلى نحو 8200 في عام 2012″.

ويوجه مختصون في الشأن الاقتصادي أصابع الاتهام نحو حكومة الترويكا في مسؤوليتها عن الانتدابات العشوائية وإغراق المؤسسات الحكومية بعدد كبير من الموظفين لا ينسجم مع طاقة استيعابها المالية.

ويغذي عدد الموظفين حدّة ارتباك التوازنات المالية بفعل ارتفاع عدد الموظفين والعمال مقارنة بحاجة أغلب المؤسسات دون مردود وإنتاجية.

وتطرق بلعيد إلى هذه المسألة بقوله إن ”معظم الموظفين الذين تم انتدابهم بين عامي 2010 و2012، والمقدر عددهم بنحو 1200 موظف احتلوا خططا عليا، في حين أن الشركة كانت تحتاج إلى تقنيين وعملة ميدانيين وعدد المنتدبين كان كفيلا بتشغيل شركتي نقل جهويتين”.

ودعا المسؤول إلى إعادة هيكلة الشركة عبر القيام بتسريح 800 عامل وتحسين مستوى الخدمات من خلال دعم الأسطول بنحو 300 حافلة جديدة وتشريك القطاع الخاص في صيانة الميترو والتعجيل بتشغيل الشبكة الحديدية السريعة.

وتعرقل البيروقراطية الإدارية في تونس أغلب القطاعات المتصلة بحياة التونسيين، ويعد قطاع النقل أحد أهم هذه المجالات التي تشهد ترديا كبيرا في أسطوله ومردوده وخدماته.

ويؤكد خبراء اقتصاد أن الدولة لا تزال تهيمن على كافة القطاعات، حيث يبلغ عدد الشركات المملوكة لها 216 شركة، وهذا الأمر سبب لها مشكلة كبيرة أدت إلى عجزها عن توفير الأموال لإدارتها على النحو الأمثل.

ووفق المعطيات الرسمية، تعمل 104 مؤسسات ومنشآت في قرابة 21 قطاعا اقتصاديا، أغلبها متواجدة في ميادين الطاقة والصناعة والصحة والخدمات.

وتقدر الخسائر المالية السنوية للمؤسسات المملوكة للدولة نظرا لتعطل النمو بنحو 1.7 مليار دولار.

ومنذ 2011، يحتدم الجدل في تونس حول وضعية هذه المؤسسات التي ما انفكت تسجل خسائر مالية بعد أن كانت تحقق أرباحا، وتساهم في تمويل موازنة الدولة.

وتصف الأوساط الشعبية البرنامج الإصلاحي للحكومة بـ”العشوائي” لأنه تأثر بالتجاذبات السياسية التي ستزيد حدتها مع اقتراب مناقشة مشروع الموازنة المقبلة بعد التصويت على الحكومة الجديدة.

ويقول البنك الدولي إن تونس لا تملك رؤية شاملة حديثة وناجعة حاليا حول وضعية شركات القطاع العام خاصة المؤسسات ذات الأهمية الهيكلية للاقتصاد والمالية العامة.

ويعتقد مبعوث البنك الدولي المقيم في تونس أنطونيو سفرهايغن أن تشتت الوزارات والهياكل التابعة لها لن يعالج المشكلة لأنها تجسد غياب الحوكمة على أرض الواقع.

10