طموحات سودانية لتوزيع الدعم النقدي على الفقراء

فرضت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بالسودان على الحكومة التفكير في تقديم دعم نقدي مباشر للمواطنين، في سياق الموازنة المقبلة لامتصاص الغضب الشعبي المتفاقم، في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتردي مستوى المعيشة نتيجة تدهور سعر صرف العملة المحلية بشكل غير مسبوق.
الخرطوم - أجبر تصاعد السخط الشعبي في السودان جراء هشاشة الأوضاع الاقتصادية السلطات البحث في سبل تخفيف الأزمة الاجتماعية للمواطنين، من خلال وضع خطة لتوزيع الدعم النقدي المباشر على الفقراء.
وتهدف الخطوة إلى تخفيف الضغوط على القدرة الشرائية نظرا إلى محدودية الدخل وضعف موارد البلد، الذي يعاني من المديونية والفقر والانقسام، إضافة إلى التبعات السياسية التي خلّفها حكم الرئيس السابق عمر البشير، والتي ألقت بظلالها على كل القطاعات.
وأكد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الثلاثاء، أن بلاده “تناقش أفكارا كثيرة منها تقديم تحويلات نقدية للفقراء إلى جانب الدعم المزمع للمواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى”.
وقال خلال زيارة إلى دارفور بغرب البلاد حيث يستشري الفقر بعد صراع وعنف طيلة أكثر من 15 عاما إن “قضية الدعم واحدة من أهم وأكبر التحديات”.
وأدى نقص الغذاء والوقود والدواء، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، إلى خروج محتجين إلى الشوارع والإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل الماضي.
وظل الاقتصاد في حالة اضطراب مع تفاوض الساسة على صفقة لتقاسم السلطة لثلاث سنوات بين المجلس العسكري والمدنيين.
ونسبت وكالة رويترز لحمدوك قوله إن، “التحويلات النقدية، إحدى الأفكار التي نوقشت لتعويض خفض دعم الغذاء والمواد الأخرى”.
وبحسب إحصائيات سابقة، فإن قيمة الدعم الموجّه للوقود يصل إلى 2.25 مليار دولار سنويا، فيما يصل الدعم للقمح 365 مليون دولار سنويا.
ويواجه السودان تحديا قادما وهو العمل على تحقيق الموازنة بين الحاجة إلى مساعدات مالية قصيرة الأجل، وبين المخاطرة في الاقتراض بتكلفة عالية.
وواجهت الحكومات المتعاقبة طيلة ثلاثة عقود في عهد البشير عجزا ضخما في الموازنات العامة، بسبب دعم الوقود والخبز ومنتجات أخرى.
ويرى خبراء أن الموازنة المقبلة تمثّل تحديا كبيرا نظرا إلى صعوبة التوفيق بين تكييف موارد البلد وتلبية الحاجيات الاجتماعية، لاسيما مع توقف القروض والمنح من المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الد
وأعلنت الحكومة الانتقالية في سبتمبر الماضي عن خطة إنقاذ اقتصادي مدتها 9 أشهر تهدف إلى كبح التضخم، وتضمن دعم السلع الأساسية. وتهدف الخطة إلى الإبقاء على دعم الخبز والوقود حتى يونيو 2020 على الأقل.
ويُجمع خبراء اقتصاد على أن رفع الدعم لا يمكن إقراره على حساب الفقراء إضافة إلى استمرار تصنيف البلد ضمن الدول الراعية للإرهاب الذي يظل يعيق كل محاولات الإصلاح الاقتصادي.
ويواصل السودان إجراء محادثات مع البنك وصندوق النقد الدوليين حول موازنة 2020 في محاولة لإقناع المسؤولين بدعم اقتصاده المتعثر.
وكان حمدوك قد قال في أغسطس الماضي إن بلاده تحتاج مساعدات خارجية بثمانية مليارات دولار خلال العامين القادمين لتغطية قيمة الواردات والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد.
وتواجه الموازنة تحد بتقليل الإنفاق الحكومي وتحقيق التنمية وزيادة الصرف على الانتاج والتعليم والصحة، وإيجاد حلول لتعظيم الإيرادات ودعم ولاية وزارة المالية على المال العام.
وتصطدم هذه الأهداف بالوضع الاقتصادي المتردي، الذي لا يحتمل الإنفاق نظرا لمحدودية مصادر التمويل التي لا يمكنها تغطية المطالب الاجتماعية.
وتبرهن أحدث الأرقام على صعوبة الوضع، خصوصا بتوقّع بلوغ نسبة العجز 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.7 بالمئة في العام الماضي، وتحقيق معدل نمو 5.1 بالمئة.
وتحاصر كل هذه الوقائع محاولات الحكومة للإصلاح ليظل باب الاقتراض بدوره موصدا أمامها نظرا إلى أن الدعم الأجنبي مشروط برفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية.
وتضاف أزمة أسعار صرف العملة المحلية منذ عامين، إلى جبل المشكلات التي يعانيها البلد، بالتزامن مع شحّ النقد الأجنبي وزيادة الطلب عليه، ليبلغ سعر صرف الدولار 80 جنيها.
ونفّذت الحكومات المتعاقبة محاولات حثيثة لإصلاح سعر الصرف من خلال خفض قيمة العملة لمواجهة تذبذبها في السوق الرسمية جرّاء الأزمة الاقتصادية المستمرة.
وأرجع أستاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة بجامعة النيلين كمال أحمد يوسف أسباب عدم استقرار سعر الصرف إلى ضعف الإنتاج وغياب الدعم الخارجي وتوقف صادرات الثروة الحيوانية.
ونسبت وكالة شينخوا الصينية ليوسف قوله إن “تعافي البلاد من أزمتها الاقتصادية يستوجب إيقاف الحرب وتحقيق السلام والاستفادة من مدخرات المغتربين وتحفيزهم وخلق علاقات خارجية جيدة”.
وتوقّع متعاملون في سوق النقد الأجنبي أن تشهد الأيام المقبلة ارتفاعا أكبر في أسعار العملات الأجنبية، ولاسيما الدولار مع تزايد الطلب العالي على العملات الأجنبية وقلة النقد الأجنبي.
وقال الخبير المصرفي ونائب المدير العام لبنك البلد السوداني عبدالله نورالدين، لشينخوا “لا يمكن استقرار حال اقتصاد السودان إلا بالإنتاج والاستفادة من الإمكانيات الزراعية الكبيرة”.