الخلاف الأميركي الصيني يتجاوز التجارة إلى النبش في الشيوعية

تكشف تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التي أدلى بها الأربعاء، عن محاولة واشنطن استكشاف نوايا بكين قبل إبرام اتفاق تجاري معها بعد حرب تجارية طويلة الأمد، حيث اتهم بومبيو الصين بمعاداة الولايات المتحدة ومحاولة التدخل في شؤونها الداخلية، ما يمكن أن يصب الزيت على الحرب الدائرة بين القوتين العالميتين.
نيويورك - تعهد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأربعاء، بتعزيز الضغوط على الصين على جبهات عدة، واصفا بكين بأنها “معادية حقا” للولايات المتحدة.
وفي أحدث هجوم لإدارة الرئيس دونالد ترامب على الصين، قال بومبيو إنه يعتزم في الأشهر المقبلة إلقاء سلسلة خطب يتناول فيها قضايا تتعلق ببكين، من العقائدية إلى التجارة وصولا إلى جهودها للتأثير داخل الولايات المتحدة.
وأضاف بومبيو أمام معهد هادسون المحافظ في نيويورك، “اليوم نحن ندرك أخيرا إلى أي درجة الحزب الشيوعي الصيني معادٍ حقا للولايات المتحدة ولقيمنا”.
وجاء الرد الصيني متأخرا، إذ قالت وزارة الخارجية الصينية، الخميس، إن تصريحات وزير الخارجية الأميركي، التي استهدفت بكين والحزب الشيوعي الحاكم، تعد هجوما شرسا، وإن أي محاولة لتشويه سمعة الصين أو تعطيل نموها ”محكوم عليها بالفشل”.
ويرى مراقبون أن تصريحات بومبيو تهدف لجس نبض بكين قبل توقيع اتفاق تجارة أولي تقول الولايات المتحدة والصين أنهما باتا على مسافة قريبة من صياغته النهائية.
ولكن يرجح هؤلاء أيضا أن يأخذ الصراع الصيني الأميركي بحديث بومبيو تحولا حقيقيا، حيث اقتصر في البداية على حرب تجارية، لكن ملامحه المستقبلية لم تتشكل بعد، غير أن هذه المشادات الكلامية قد تأخذ الصراع إلى منحى آخر.
وذهب هؤلاء إلى أن اتهام الصين بالتدخل في شؤون واشنطن يؤكد تجاوز الحرب التجارية ويصل إلى العداء الشامل، وهو ما تخشاه الأطراف الفاعلة الأخرى التي تتوجس من أن يتقلص إشعاعها في ظل تزايد نفوذ الولايات المتحدة والصين في إطار تنافسهم.
وإلى حد الآن لم يتجرأ أي طرف منهما على سحب الرسوم الجمركية التي تم فرضها في الأشهر الأخيرة.
ولم يفوت بومبيو الفرصة لانتقاد ما يجري داخل البيت الصيني، حيث تحدث عن القمع الذي تمارسه الصين في هونغ كونغ، إضافة إلى سجن مسلمي الأويغور، معتبرا أن بكين تسعى لبسط سيطرتها دوليا، في رفض ضمني لآراء خبراء أميركيين يرون أن القادة الشيوعيين براغماتيون في الأساس.
وقال “الحزب الشيوعي الصيني يقدم لشعبه وللعالم نموذجا مختلفا بالكامل للحوكمة، إنه نموذج يحكم فيه حزب لينيني، ويجب على الجميع أن يفكر ويتصرف وفق إرادة النخب الشيوعية”.
وأضاف “هذا ليس مستقبلا أريده، وأيضا ليس مستقبلا يريده الشعب الصيني الذي يحب الحرية”.
وخلال مأدبة عشاء حضرها هنري كيسنجر، وزير الخارجية السابق ورسول السياسة الواقعية الذي فاوض على تطبيع الولايات المتحدة للعلاقات مع الصين، قال بومبيو إن واشنطن تتساهل جدا مع الصين منذ فترة طويلة أملا في أن تُحدث بكين تحولا.
وأضاف، “كنا مترددين وفعلنا أقل بكثير مما ينبغي علينا فعله عندما هددت الصين جيرانها فيتنام والفيليبين، وطالبت بالسيادة الكاملة على بحر الصين الجنوبي”.
ومع ذلك أشار بومبيو إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى المواجهة مع الصين، بل لا تزال راغبة بتشجيعها على أن تكون “أكثر تحررا”.
ويأتي كلام بومبيو في أعقاب خطاب مشابه لنائب الرئيس مايك بنس الأسبوع الماضي، وسط حرب تجارية مستعرة بين بكين وواشنطن أعرب ترامب عن أمله في إيجاد حلول لها قريبا.
وردّ قنغ شوانغ المتحدث باسم الخارجية الصينية على بومبيو في إفادة يومية، إن تصريحات بومبيو تعكس كذلك الخوف والغطرسة وتكشف عن عقلية مناهضة للشيوعية.
ولكن فيما يبدو أن مخلفات الصراع الصيني الأميركي ستمتد لأوروبا في حال فشل إبرام اتفاق تجاري ينهي التصعيد الحاصل بين الطرفين، إذ يحتدم التنافس التجاري بين بكين وواشنطن بشأنها.
ويؤكد هذا التنافس حديث رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة أورسولا فون دير لاين، التي أكدت أنه قد لا يمر وقت طويل قبل أن يجد الاتحاد الأوروبي نفسه محصورا بين قوتين هائلتين هما الصين والولايات المتحدة.
وأشارت آنذاك دير لاين إلى أن في عهدتها ستكون المفوضية الأوروبية ”كيانا جيوسياسيا”.
ويبدو، وفقا لخبراء، أن حديث رئيسة المفوضية يشدد على ضرورة أن تنأى أووربا بنفسها عن الصراع بين القطبين الاقتصاديين العالميين، ووضع حد لمحاولة كلّ منهما الهيمنة على السوق الأوروبية.
وكانت أوروبا الغربية قد اعتمدت منذ الخمسينات على الترسانة العسكرية والنووية الأميركية، وعلى الدور المسيطر للولايات المتحدة في النظام العالمي، باعتبارها شروطا أساسية للأمن والاستقرار في أوروبا، ودون الحماية الأميركية، ستشعر أوروبا بأنها عرضة للمخاطر، لاسيما لمّا يتعلق الأمر بالإرهاب والهجرة.
وفي المقابل، تعتبر أوروبا الصين عدوا، لأنها تمثل البديل السلطوي للنظام الديمقراطي الليبرالي الغربي.
وعلى مدى سنوات طويلة ظلت أوروبا تتعامل مع الصين باعتبارها سوقا ضخمة للتصدير، لكن هذا الوضع تغير الآن، بعد أن اتجهت الشركات الصينية إلى الاستحواذ على شركات التكنولوجيا الأوروبية المتقدمة. وقد شعر الألمان والفرنسيين بقلق وحرج شديدين خاصة مع استمرار الحرب السيبريانية، التي استهدفت خلال الفترة الماضية شركات آيرباص.
ولكن لم تقدر فرنسا وشركاؤها الأوروبيون على توجيه الاتهامات مباشرة للصين بمحاولة اختراق بنكها المعلوماتي، خصوصا بعد ورود معلوما تؤكد محاولات بكين إنهاء تصنيع طائراتها المتوسطة الأولى “سي 919”، ومواجهتها صعوبات في الحصول على ترخيص لها.
ويثير عدم تعليق آيرباص والدول الحاضنة لها على غرار فرنسا، شكوكا بشأن خشية الأوروبيين خسارة السوق الصينية الضخمة، وكذلك تجنب حرب تجارية وإلكترونية قد تكون طويلة الأمد مع الصين.