خطوات تونسية متثاقلة لتعزيز التجارة الرقمية

تعاملات السوق السوداء في تونس تتحدى إجراءات تقليص التداولات النقدية.
الاثنين 2019/10/28
أموال خارج السجلات الحكومية

تتزايد الضغوط على السلطات التونسية لتسريع برنامج رقمنة التعاملات التجارية للنهوض بالاقتصاد المحلي الهش من فوضى التعاملات النقدية في السوق الموازية وضعف النظام المالي، الذي يمر بمرحلة حرجة جراء شح السيولة نتيجة انكماش الأنشطة التجارية.

تونس - كشفت تصريحات المسؤولين في وزارة التجارة التونسية أن خطط رقمنة المعاملات التجارية لا تزال في بدايتها، وأن أمامها طريقا طويلا للوصول إلى الأهداف المعلنة.

وشدد مدير تنمية التجارة الإلكترونية في الوزارة خباب الحضري على ضرورة دخول 300 ألف تاجر تجزئة في منظومة الدفع الإلكتروني، وذلك خلال ورشة عمل هذا الأسبوع لتطوير القانون التجاري بالتعاون مع وزارة التجارة الأميركية.

وأكد أن كل الشروط والآليات والقوانين متوفرة للانتقال إلى منظومة الدفع الإلكتروني لكن “عدد المتعاملين لم يتجاوز 1900 تاجر فقط من خلال منظومتي كليكتو باي التابعة لشركة نقديات تونس والدينار الإلكتروني التابعة للبريد التونسي”.

وقدّر الحضري رقم معاملات التجارة الإلكترونية في العام الماضي بنحو 255 مليون دينار (79.4 مليون دولار) تمت من خلال 4 ملايين معاملة.

وتملك تونس إمكانيات كبيرة من المؤسسات الناشطة في الصناعات التقليدية والصناعات الغذائية التي تقوم بتصدير منتجاتها عبر شبكات التجارة الإلكترونية.

79.4 مليون دولار، حجم معاملات التجارة الإلكترونية في تونس العام الماضي، وفق وزارة التجارة

وتسعى وزارة التجارة إلى دعم هذا الاتجاه وتعزيز حضور الشركات المحلية في منصات التجارة الإلكترونية عبر إطلاق حزمة من المشاريع، منها منصة تسهيل التصدير إيزي إكسبور للنهوض بصادرات الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وتعتبر إيزي إكسبور منصة موحدة للتصدير عبر الشبكة البريدية، وتهدف إلى دعم إدماج المؤسسات ضمن التجارة الخارجية، ودفع صادراتها باعتماد حلول لوجستية ورقمية، إضافة إلى التسهيلات التي أعدّتها اللجنة الوطنية المكلفة بتنفيذ المشروع.

وقام مركز النهوض بالصادرات (سيبكس) بخفض رسوم إرسال الطرود البريدية إلى النصف، لتحفيز الشركات التي تتعامل مع هذه المنصة.

وتشير التقديرات إلى أن عدد المنتفعين بهذا الإجراء بلغ حتى الآن 60 مؤسسة، وتمّ تصدير قرابة سبعة آلاف طرد في الصناعات التقليدية للولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.

وتعدّ تونس أول دولة في جنوب المتوسط وأول دولة عربية بدأت في العمل في مجال التجارة الإلكترونية لقناعتها بدوره في تعزيز النمو
الاقتصادي.

وصنّف التقرير الأخير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية تونس ضمن المرتبة الرابعة على المستوى الأفريقي في مجال التجارة الإلكترونية، واحتلت كذلك المرتبة 79 عالميا.

وتؤكد بيانات وزارة التجارة أن التعامل بالأموال نقدا لا يزال هو المسيطر على تجار التجزئة لخوفهم من عمليات القرصنة أو ملاحقة أجهزة الرقابة المالية لتعاملاتهم.

ويقول محللون إن الارتفاع المتزايد في استخدام السيولة النقدية خلال السنوات الأخيرة يؤكد أن جهود اعتماد آلية لتقليص التعامل نقدا، جاءت متأخرة كثيرا.

وبدأت السلطات النقدية في يونيو الماضي في تنفيذ خطة لمحاصرة السوق السوداء تركز على فرض خدمات الدفع الإلكتروني في أسواق التجزئة، التي يتوقع أن تبدأ بتنفيذها منتصف العام المقبل.

وعجزت السلطات المالية عن كبح التعامل بالأوراق النقدية نظرا إلى عدم قدرتها على فرض وسائل الدفع الإلكترونية في العديد من القطاعات في أسواق التجزئة.

وتسبب ذلك في مفاقمة متاعب المصارف في السنوات الأخيرة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة.

وألزم البنك المركزي المصارف قبل نحو عام باستخدام منصة رقمية جديدة، يقول إنها ستسهم في الحد من التعاملات النقدية لقطع الطريق أمام استفحال الاقتصاد الموازي.

ويشكّل إدماج السوق الموازية في الاقتصاد الرسمي، أحد أبرز مطالب النقابات والاتحادات التجارية وفي مقدمتها الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية (يوتيكا) للخروج من نفق الأزمة.

Thumbnail

وتتضمن الموازنة الحالية إجراءات جديدة تنص على منع شراء العقارات والسيارات، التي يزيد سعرها على 3400 دولار نقدا، وفرض تقديم ما يفيد بأن الدفع تم عن طريق حساب مصرفي أو بريدي.

وقال محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال مؤتمر اقتصادي في ديسمبر الماضي إن “نظام الحد من التعامل نقدا في البلاد وقطع الطريق أمام الاقتصاد الموازي اعتبارا من شهر يونيو” الماضي، لكن النتائج لم تظهر بشكل واضح حتى الآن.

وأكد حينها أن البنك بدأ في العمل على هذا النظام منذ عامين تقريبا، والذي يفرض على المصارف وشركات الاتصالات التعاون لتعزيز تطبيق آليات الدفع الالكتروني.

وكان العباسي، قد ذكر قبل أشهر أن حجم السيولة النقدية خارج القطاع المصرفي تصل إلى حوالي 1.4 مليار دولار، وأن ذلك “يفرض علينا تطوير المعاملات الرقمية وإرساء نظام دفع إلكتروني شفاف”.

ويتفق خبراء أسواق المال في تونس على أن اعتماد التكنولوجيا المالية سوف يتيح للسلطات معرفة تحركات الأموال التي تدور في السوق السوداء على وجه التحديد.

لكنّ محللين يقولون إن تلك الإجراءات لم تنجح حتى الآن في مساعدة المصارف المحلية التي تعاني من نقص السيولة، رغم محاولات البنك المركزي تقليص الاقتصاد الموازي، الذي استنزف موارد الدولة بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وجعلها تغرق في أزمات عميقة.

وأدى انفجار التعامل النقدي بين المستهلكين إلى تفاقم أزمة سيولة في المصارف المحلية، التي أصبحت بحاجة إلى إعادة تمويل بنحو 4.93 مليار دولار سنويا مقارنة بنحو 2.17 مليار دولار قبل ثماني سنوات.

11