مقالي الكئيب

هناك مرضى محظوظون ومرضى أقل حظا. المريض المحظوظ مرضه ظاهر، أو مألوف. الناس تعرف مرضه وتقدره. يستطيع مريض الضغط مثلا أن يذهب إلى العيادة ويقيسون الضغط لديه ويصفون له الأدوية. يجلس بين الناس ويقول ضغطي 80/120 مع الأدوية، والناس ترد باستحسان. يفهمون ماهية الأرقام.
مريض السكري، رغم أن مرضه كريه بمعنى الكلمة لما يفعله من تسلل تخريبي في كل أعضاء الجسم، يستطيع أن يقول إن إفراز الأنسولين في البنكرياس في تراجع أو أنه بحاجة إلى تنشيط عمل الكبد لمعالجة السكر الزائد، والناس تتقبل وتتعاطف. الأنسولين كلمة مألوفة. سيسمع المريض نصيحة أو أكثر عن استخدام كذا وكيت من الأعشاب والمشروبات لتحسين مستويات السكر لديه. مريض السكري يسمن ويرشق والناس تتعامل معه بتعاطف.
المريض غير المحظوظ هو المريض الذي يرى الآخرون مرضه كل يوم ولا يريدون أن يصدقوا أنه مريض.
المرض الأسوأ من هذه الفئة هو الكآبة. يختل إفراز السيراتونين في الدماغ، فتبدأ أعراض الكآبة بالظهور على صاحبها ويتقلب مزاجه ويصل البعض إلى حافة الانهيار، بل والانتحار، ولا أحد يريد أن يصدق أنه مريض. بل الأسوأ يمكن أن يحدث. أن لا يصدق هو نفسه أنه مصاب بالاكتئاب.
هذا موقف سلبي جدا من المرض. ومن الضروري أن يتعلم الناس قبول وجوده لأنه حتى الأطباء كانوا ينكرون وجوده إلى وقت قريب. وقد بدأ الناس في تقبل الفكرة، ولكن بدرجات متفاوتة.
صار مقبولا مثلا أن تكتئب المرأة. الجميع يعرف الحالة النفسية التي تمر بها النساء بعد الولادة. يسمونها كآبة، ولكنهم يتعاملون معها على أنها شيء عابر ستشفى المرأة منه. التخلخلات الهرمونية معروفة عند النساء، وتغيرات المزاج هي من أوجه الكآبة المؤقتة أو الطويلة الأمد. النساء أكثر حظا -إن جاز التعبير- في أن صار هناك من يتقبل فكرة أنهن يكتئبن، وأن هذا مرض وأنه يستدعي العلاج.
كن رجلا مكتئبا أولا، وفي عالمنا العربي ثانيا، وسترى العجب. أنت تخجل من المرض فلا تبوح به. ومن حولك إذا سمع بأن رجلا صار مكتئبا، فإنه يعامل وكأنه أصيب بمس. الرجل العربي المصاب بالاكتئاب أشبه بتهمة وانتقاص من الرجولة، وليست بمرض يستدعي العلاج.
البنكرياس يتعثر بإفراز الأنسولين مرض. الدماغ يتعثر بإفراز السيراتونين ليس بمرض. تحس أن الناس يتصرفون في التعامل مع هذين الخللين وكأنهم يشاهدون مباراة لكرة القدم. يصفقون لبراعة فريق الأنسولين، ويصفرون احتجاجا لسخافة فريق السيراتونين. هذا ليس عدلا.
العدل هو في قبول تقدم العلم الحديث وتشخصيه لأمراض الكآبة وعلاجاتها كجزء من واقع الحياة.
أُف. اكتأبت من مقالي. هل ارتحت الآن يا من حرضتني على كتابته؟ هل تعيرني كم حبة بروزاك مضادة للكآبة لأعود سعيدا؟