التجارة تمهد لعودة الحياة لشرايين الاقتصاد بين تونس وليبيا

اكتسبت العلاقات الاقتصادية التونسية الليبية زخما كبيرا مع استئناف الحركة التجارية على معبر رأس جدير الحدودي بعد عامين من الإغلاق، في خطوة يرى خبراء أنها مفتاح تعزيز الشراكات في كافة المجالات مستقبلا بهدف تعميق التعاون الاستراتيجي، الذي بات محور طموحات البلدين للخروج من الأزمات التي يعانيان منها.
تونس - دخلت العلاقات التجارية بين تونس وليبيا مرحلة جديدة بعد عودة الحركة التجارية عبر معبر رأس جدير الحدودي، أحد أبرز شرايين الاقتصاد بين الجارين، إلى جانب معبر ذهيبة بولاية تطاوين.
وعمّ التفاؤل الأوساط الشعبية في جنوب البلاد بعد أن تم فتح الحدود مرة أخرى الثلاثاء الماضي بعد عامين من الإغلاق، حيث بدأت حشود السيارات والمسافرين في التنقل بين البلدين.
واعتبر خبراء اقتصاد أن استئناف نشاط المبادلات التجارية بين تونس وليبيا بعد توقفه لفترة بدت طويلة نوعا ما للكثيرين، سوف يمهد الطريق لعودة نسق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين.
وقال الخبير الاقتصادي حسين الديماسي في تصريحات لـ”العرب” إن عودة نسق المبادلات التجارية بين تونس وليبيا تمثل خطوة مهمة نظرا للعلاقة الفوق استراتيجية بين البلدين.
وأضاف أن “وجود فائض مستمر في المبادلات يمكّن من التخفيف من وطأة عجز الميزان التجاري لتونس لكن الخطوة لن تحل المشكلة من جذورها”.
وأوضح أن أحداث عام 2011 أثرت بشكل كبير على العلاقات التجارية بين البلدين، حيث فقدت تونس شريكها الاستراتيجي الثاني بعد فرنسا الذي يوفر لها فائضا مستمرا يفتح الآفاق التجارية أمام مجالات أخرى كالخدمات والسياحة والهجرة.
وكان حجم المبادلات التجارية قبل ذلك التاريخ يتجاوز حاجز ثلاثة مليارات دولار، وتقلص بعد الاضطرابات الأمنية التي شهدها البلدان ليبلغ حوالي 643 مليون دولار فقط.
ولكن في عام 2016 توقفت المبادلات بشكل كلي بعد أن منعت السلطات الليبية في طرابلس تدفق السلع من الجانب التونسي بحجة وجود تأثيرات سلبية على الاقتصاد الليبي.
ويشير الديماسي إلى أن العجز التجاري الذي تعانيه تونس أضعف قدرتها التنافسية بسبب صعوبات التصدير، التي اتسمت بالتباطؤ إلى جانب العجز في تأمين احتياجات الطاقة وارتفاع الاستهلاك.
وبينما لم يتسن لـ”العرب” الحصول على تصريحات من مسؤولين ليبيين، فإن عددا من سكان مناطق الجنوب وخصوصا منطقة بنقردان الحدودية أكدوا على أن المبادلات التجارية بين البلدين أمر حيوي كونه أحد العوامل الأساسية للاستقرار الأمني.
وشهد معبر رأس جدير دخول العشرات من السيارات التونسية إلى ليبيا وسط أجواء أمنية عادية من الجانبين، وذلك بعد اجتماعات بين عدد من المسؤولين الرسميين وممثلين من بلدية وحضور نشطاء ومدنيين تونسيين وليبيين.
ونسبت وسائل إعلام للناشط مصطفى عبدالكبير، وهو من سكان بنقردان، تأكيده بأنه تم الاتفاق مع الجانب الليبي على أن تكون قيمة السلع والبضائع التي يمكن أن يجلبها التاجر التونسي عبر معبر رأس جدير تبلغ نحو 4.2 آلاف دولار.
وأوضح عبدالكبير الذي يرأس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، أن ذلك الأمر سيتم شريطة دفع رسوم ضريبية تقدر بنحو 110 دولارات لصالح السلطات الليبية.
وكان البنكان المركزيان في البلدين قد اتفقا مطلع مايو العام الماضي حول فتح الاعتمادات المستندية لرجال الأعمال الليبيين بالعملة الصعبة، عوضا عن اعتمادات مستندية بالدينار التونسي بهدف تعزيز المبادلات التجارية.
وأعطت تونس في مارس الماضي الضوء الأخضر لبناء المنطقة الحرة للأنشطة التجارية واللوجستية في بنقردان، في محاولة لتطويق صناعة التهريب التي توجه إليها أصابع اللوم في اتساع الاختلالات الاقتصادية.
ويؤكد المسؤولون أن الهدف من الاندفاع باتجاه إنشاء المنطقة هو تعزيز التبادل التجاري مع ليبيا والحد من ازدهار السوق الموازية، التي نخرت الاقتصاد في السنوات الأخيرة.
وسيكون المضي قدما نحو تطوير سبل التعاون حجر الأساس لتجاوز الركود الاقتصادي الذي يعانيه البلدان الساعيان إلى تأسيس علاقة مستديمة وفق نموذج شراكة جديد.
ورغم الخطوات البطيئة، إلا أن البلدين لديهما إصرار على تفعيل حزمة القرارات التي تمّت بلورتها خلال المنتدى الاقتصادي التونسي الليبي المنعقد في سبتمبر العام الماضي لتخفيف حدة المشكلات المتراكمة، التي أثرت على حياة المواطنين التونسيين والليبيين.
ويركز الطرفان في تعاونهما على قطاعات حيوية تعتبر قاطرة لمجالات أخرى؛ على غرار الصحة والنقل والحدود ومشكلات العبور وايجاد الحلول للتبادل التجاري والاستثمارات والخدمات اللوجستية.
كما شملت القرارات تعزيز المشاريع الاستراتيجية المتمثلة في الربط بخط لسكك الحديد وتوسيع شبكة الطرقات وتحريك عجلة النشاط التجاري على الحدود بإنشاء منطقة اقتصادية حرة ببنقردان.
وتدرس تونس استغلال قطاع الطاقة مع جارتها ليبيا من خلال الربط بأنابيب الخام والغاز وعقد شراكة لإعادة بناء محطات التوليد المدمرة بليبيا وتبادل الفائض عبر خط الربط الموجود.
وأكدت وزارة التجارة التونسية في العام الماضي أنها ستعمل على إطلاق مبادرة “النفط مقابل الغذاء” مع ليبيا التي تقوم على استبدال الصادرات التونسية الغذائية بالنفط.
وسبق أن أكدت الحكومة التونسية كذلك سعيها إلى تدشين خط بحري جديد بين البلدين والتسريع في عودة الرحلات الجوية التونسية باتجاه المدن الليبية.