علماء النفس يقطعون حبل الود بين الصغار وأبطال حكاياتهم الخيالية

كـان هانس كريستيـان أندرسن، الكـاتب والشـاعـر الدنمـركي ذائع الصيـت الـذي رحـل عن عالمنـا في العـام 1875، في طليعـة الـرواد الذيـن آمنوا بعوالـم الحكايـات الخـرافيـة السحرية.
تؤكد بعض المصادر التاريخية أن أندرسن هو أول من ابتدع (أنسنة) الحيوانات في قصصه التي ألفها للأطفال؛ فحكاياته العذبة التي كتبها عن “الحورية الصغيرة”، “الأوزات البرية” و”فرخ البطة القبيح”، استمدت استمراريتها وخلودها من خلال العلاقة الحميمة التي أوجدها الكاتب بين شخصيات قصصه من الحيوانات المغلوبة على أمرها والصغار الذين أهدروا أنهارا من الدموع على صفحات هذه القصص، في محاولة حثيثة منهم لمساعدة الحيوانات الناعمة التي كانت تتحدث لغتهم وترتدي ملابسهم.
وقع الملايين من الأطفال في جميع أنحاء المعمورة في غرام حكايات أندرسن، أما هو “المؤلف” والحالم، فكان سعيدا وراضيا كونه المواطن الأول الذي منح تذكـرة دخول مجانية إلى تلك العوالم السحريـة. وبالطبع، لم يكن طريـق الشهـرة والنجاح ممهدا للطفل المـوهوب هـانس في محاولاته الأولى في الكتابـة، لذلك حين كان يسأل عن سيرة حياتـه تأتي إجابته بقـدر بساطـة وروعـة حكاياتـه، فكان يقـول:” اقرأوا حكاية فـرخ البط القبيـح”! في إشارة إلى قصته الخالدة التي تتحدث عن النجاح الذي يعقب المشقة والمعـاناة؛ فالحكاية تتحدث عن فرخ بط قبيح كان منبـوذا نظرا لقبحه وضخامة حجمه، فـراح يتنقـل من مكان إلى آخر بحثا عمن يهتم به ويقدره، لكنه كان يعاني من نظرات الازدراء من جميع الطيور والحيوانات، إلى أن كبر واكتشف انه كان في حقيقته بجعـة جميلة بيضاء وليس فرخ بط قبيحا، فتباهى بنفسه بين أترابه كبجع جميل.
بعض علماء نفس الطفولة يؤكدون أن أفلام الشخصيات المحببة للصغار التي يكون أبطالها من الحيوانات الشهيرة قد تحدث أثرا سيئا في عملية التعلم
وفي مستوى مواز له تماما، أمن ملايين من الآباء والمربين بأن أفلام الرسوم المتحركة والحكايات التي تحتويها قصص الأطفال، لطالما كانت منبعا للسحر والجمال في حياة أبنائهم؛ حيث تعد عاملا مساعدا في عملية التعلم وتهذيب السلوك وبناء الشخصية.
إلا أن بعض علماء نفس الطفولة يعترضون على هذه النظرية؛ فيؤكدون أن بعض أفلام الشخصيات المحببة للصغار التي يكون أبطالها من الحيوانات الشهيرة من منتجات مؤسسة "ديزني" السينمائية مثل "الفأر ميكي ماوس" و"الدب بو"، كذلك "الدب روبرت" قد تحدث أثرا سيئا في عملية التعلم، لكون الحيوانات لا تتحدث ولا ترتدي الملابس في الحياة الواقعية، أي أنها تخلق عالما من التناقضات في وجدان الصغار.
وتشير الدراسة المثيرة للجدل، إلى أن قصص الأطفال بصورة خاصة والتي تظهر فيها الحيوانات وهي تتسم بصفات بشرية، يمكنها أن تؤدي إلى عملية تعلم غير واقعية، بشكل قد يؤثر سلبا في الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات. وأثارت الدراسة التي أجراها باحثون في قسم علم النفس التطبيقي والتنمية البشرية في جامعة تورينتو، موجة استياء الآباء الذين رافقت هذه الحكايات مسيرة طفولتهم فجعلوها جزءا عزيزا من حياة أبنائهم.
وشدّدت نتائج الدراسة على أهمية إطلاع الأطفال، خاصة في هذه الأعمار الصغيرة، على الكتب التي ترصد أحداثا واقعية. وأشارت أستاذة علم النفس الدكتورة باتريشيا جانيا، إلى أن قراءة الأطفال لقصص تصف حيوانات تتحدث وتسلك مثل البشر، تعزز من اعتقادهم بأن هذا هو حال الحيوانات في الحقيقة، الأمر الذي يعوق من قدرتهم على التعامل مع الوقائع في الحياة بصورة عامة والحيوانات والطبيعة بصورة خاصة، إضافة إلى أن هذا النوع من الحكايات يتعارض مع خاصية التفكير المجرد للأطفال وقدراتهم العقلية على استخدام الاستدلال المنطقي فيما يتعلق بعالم الحيوانات.
كما أعربت الدكتورة جانيا عن استغرابها من أن الأطفال في فئات عمرية كبيرة، ما زالوا مشدودين بحبل الخيال إلى واقع مزيف فرضته عليهم الحكايات الخيالية وقصص الحيوانات المتشبهة بالبشر. لكنها، مع ذلك، لا تمانع في استمرار إمداد الأطفال الصغار بمزيد من الحكايات الخيالية، شرط أن يُراعَى إضافة بعض الكتب (الواقعية)، والبعيدة عن الخيال والتي تزخر بالمعلومات وتمدهم بحقائق الطبيعة والحيوان كما هي على الأرض.
من جانب آخر، أشارت نتائج بحث سابق بإشراف باحثين في جامعة واشنطن الأميركية، نشرت في مجلة “طب الأطفال” الأكاديمية إلى أن أفلام الرسوم المتحركة ذات الانتشار الواسع، تؤثر بصورة سلبية على الأطفال بين سن الثالثة والخامسة من العمر، مقارنة ببرامج كارتون أخرى موازية لها في الشعبية والانتشار بين الأطفال، إلا أنها تحمل مضمونا مختلفا تماما.
أمن ملايين من الآباء والمربين بأن أفلام الرسوم المتحركة والحكايات التي تحتويها قصص الأطفال لطالما كانت منبعا للسحر والجمال في حياة أبنائهم
ووجدت الدراسة أن تأثير المجموعة الأولى من الأفلام مثل “مغامرات الكلب سكوبي دو” بما تحتويه من مشاهد عنف وحركة سريعة، يكمن في تغيير أنماط النوم لدى الصغار والتسبب في سلسلة من الاضطرابات السلوكية، على العكس تماما في حال مقارنتها ببرامج أخرى مثل “جورج الفضولي”، الذي يتحدث عن شخصية القرد الطريف الذي يطرح على الدوام أسئلة ظريفة ويثير مخيلة الصغار، كذلك هو الحال مع “مغامرات دورا” وهو كرتون تعليمي نوعا ما، لا يحتوي على أي نوع من مشاهد العنف التي تبدو غير مناسبة للأطفال في هذه السن المبكرة.
إلا أن نتائج هذا البحث لم تشر إلى مستوى مرتفع من التأثير السلبي لهذه النوعية من أفلام الرسوم المتحركة على الصغار، إلا أنها شدّدت على التأثير الواضح الذي تسببه مشاهد العنف عموما على النمو والبناء النفسي والسلوكي للطفل في المستقبل، في إشارة تحذير إلى أن العنف بات يشكل جزءا واضحا من محتوى وسائل الإعلام عموما.