"طميمة" عرض مسرحي سوري يعرّي المسكوت عنه

كلمة "طميمة" تعني في اللهجة الشامية "لعبة الاختفاء"، حيث يغمض شخص عينيه ويختبئ الآخرون وعليه إيجادهم.
السبت 2019/09/14
الكل يكذب على الكل

يقارب نص المسرحية السورية “طميمة” في بنيته الدرامية النصوص الأدبية الشهيرة عالميا، التي تقوم على منهج إيجاد فكرة درامية ملتهبة تشكل ذروة الحدث الدرامي فيه، ثم التوغّل من خلال هذه الذروة في تفاصيل محيطية لكشف المزيد من الخبايا والأحداث.

دمشق – ”طميمة” كلمة دارجة في اللهجة المحكية الشامية عموما وتعني لعبة الاختفاء، حيث يغمض شخص عينيه ويختبئ الآخرون وعليه إيجادهم عندما يفتحهما مجدّدا.

وقد لعب نص مسرحية ”طميمة” الذي كتبه شادي كيوان وأخرجه عروة العربي بمهارة على هذه الثيمة، فشخوص المسرحية كلهم مزيفون وكاذبون ويلعبون “الطميمة” معا وضد بعضهم البعض، في إسقاط فكري على حقيقة الناس في ما يعيشونه في حيواتهم اليومية وما يخفونه من زيف.

ويضعنا عرض “طميمة” الذي قام بأدائه ركحيا كلا من يزن الخليل وكفاح الخوص وكرم الشعراني ومرح حسن ومرح حجار، منذ الدقائق الأولى له في ذروة الحدث الدرامي، حيث يدخل سيف (يزن الخليل) وليلى (مرح حسن) إلى غرفته البائسة الفقيرة بعد أن كانا في مغامرة مبهجة تمثلت في تصويره إياها تحت المطر في جو عاصف، ليستعرضا بعضا من الصور ولتتهيأ الفتاة بعد قليل للخروج من المكان.

ومن ثمة تبدأ الحقائق تتكشّف منذ هذه اللحظات، الشاب الذي يكنّ لها عواطف خاصة يصارحها بأنه يحبها، فتُصدم، لكنها بدورها تكنّ له مشاعر لا تعرف شرحا لها، كما تقول، تصرّ على الذهاب بعد أن تذكّره بأنها خطيبة صديقه المقرّب طارق (كفاح الخوص)، المسافر إلى ألمانيا والذي تنتظره ليعود ويتزوجا، ولا يمكن لهما الانجراف وراء حب أناني يقوم على إيذاء الآخرين. وفي قمّة التوتر بينهما يقرع الباب، ويكون وراءه صديقهما حسام (كرم الشعراني) الشخص المتهوّر اللعوب، حديث النعمة الذي صار شكلا لأحد المتنفّذين، وامتلك حانة خمس نجوم في قلب المدينة القديمة.

Thumbnail

لا يستطيع الشاب إلاّ أن يفتح له الباب لأن الطارق عرف أنه موجود وهدّد بخلعه. وبالطبع، تختفي الفتاة في الخزانة القريبة مختبئة. ويدخل حسام، الشخصية الفوضوية الغارقة في الانتهازية والوصولية، ليأتي له بزجاجة مشروب ويخبره بأنه أتى لكي يقضي سهرة معه ويبقى إلى الصباح.

وهذا ما حمل تصعيدا دراميا كبيرا، لكن التصعيد الأكبر كان عندما فتح الباب بعد قليل ليدخل طارق صديقه المسافر وخطيب ليلى الموجودة في الخزانة. ليأخذ التصعيد الدرامي مداه العالي، ولكن صنّاع المسرحية ما زالوا يمتلكون المزيد من التصعيد، فما هي إلاّ دقائق حتى تدخل نايا (مرح حجار) حبيبة سيف التي تركها منذ ستة أشهر.

وهي تأتي لتصالحه وتعود إليه في يوم ميلاده، حيث اكتشفت أنها لا تستطيع أن تعيش دونه. ليكون هذا المشهد ذروة الحدث الدرامي في المسرحية، فالشخصيات الخمس موجودة والمكاشفات تتم ويعرف الجميع حقائق بعضهم البعض.

وفي تفاصيل العرض، يظهر أن طارق الموجود في ألمانيا قد تزوّج من فتاة هناك وينتظر منها مولودة بعد أشهر، لكنه ما زال يريد خطيبته وهو لن يخبرها بزواجه، وهو يعلم في هذه المكاشفات أن صديقه حسام قد تحرّش بخطيبته سابقا وأنها بدورها تحب صديقه سيف. كذلك نايا الحبيبة السابقة لسيف تعلم بعلاقته بليلى. فالكل يكذب والكل يمارس لعبة “الطميمة” بشكل أو بآخر.

سيف الذي بقي منعزلا في غرفته مدة عامين لكي لا يذهب للخدمة العسكرية، وطارق الذي هرب إلى أوروبا، وحسام الذي صار شخصا مزيّفا وواجهة لشخص آخر في شبهات مالية، وليلى التي تحب صديق خطيبها ومايا التي لا تعرف هل تهرب مع حبيبها أم لا؟

عاصفة من الأحداث المشوقة أوجدتها المسرحية لتنتهي بخروج الجميع من الغرفة البائسة، لندخل في منعرج درامي غير متوقع، عندما يطلب سيف من ليلى الخروج من الخزانة فلا تستجيب، فيفتح الباب متفقدا إياها، ثم يذهل عندما لا يجدها، ليعود ثانية فيزيح الخزانة ليظهر له شباك كان قد سدّت الخزانة به سابقا، منفذ يطل على مدينة دمشق بأضوائها ومطرها.. لتنتهي المسرحية بشكل مفتوح يحتمل العديد من حالات التأويل والفهم.

Thumbnail

وتغصّ صالة مسرح القباني يوميا بالجمهور الذي يحضر العرض باهتمام، وما زاد في تقديم حالة مسرحية جيدة، توليفة العناصر التي كملت أحداثها المشوّقة. فعلى مستوى الأداء قدّمت المجموعة جهدا طيبا، لم يعتمد أسلوب الخطابة أو الصراخ بل كان أداء متوازنا مفهوما وموظفا، وكانت حساسية الحوارات بين الشخوص وتصاعدات حالتهم العصبية، مساحات إبداعية قدّم فيها فريق التمثيل حضورا لافتا. كذلك كان للديكور بصمته من هذا النجاح حيث أوجد فضاء لغرفة فقيرة بائسة كانت مساحة مريحة لعرض كل هذه الأحداث المشوّقة، وكذلك التقنيات الصوتية التي لاحقت أدقّ التفاصيل حتى وصلت إلى صوت المطر الذي كان يعلو عندما يفتح الباب.

وعروة العربي، مخرج المسرحية، خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم التمثيل، بات معروفا لدى الجمهور السوري عامة بأنه يمتلك رؤية إخراجية مسرحية مختلفة، وتاريخه المهني الذي قدّمه عبر مسيرته الفنية يؤكد ذلك. فالعربي قدّم العديد من الأعمال التي عرضت في سوريا وخارجها ونالت الكثير من الاستحسان والقبول.

وهو يرى أن “المرحلة الحالية التي يعيشها الوطن السوري، تحتّم علينا تقديم مسرح يقدّم الواقع اليومي والحياتي بكل تفاصيله وآلامه، المسرح الذي نريد فيه أن يشاهد المتابع ذاته، بما تحمله من أوجاع وأحلام، فالزمن الحالي بكل أجوائه وما يفرضه على الجميع من تفاصيل جدير بأن يكون منجما لنا باستخلاص حكايات منه، ننحتُ منها عروضا مسرحية تهمّ الجميع”.

13