آثار العالم القديم

لو اجتمع كل آثاريي العالم على قراءة اللقى والرقم الطينية السومرية لاحتاجوا إلى مئتي سنة لقراءتها، فهي تحكي قصة الإنسان القديم في بلد ما بين النهرين، موطن أول الحضارات.
الخميس 2019/08/08
إرث إنساني ثري نهبه ودمره العالم الجديد

قدر بعض البلدان أن تكون ضمن منظومة ما يسمى بالعالم القديم، عالم السلالات الدارسة والحكايات التي لن تتوقف عن بداية النشوء والارتقاء، لعالم تأسس منذ الآلاف من السنين أنجز خلالها الإنسان حضارات بنكهات عديدة وسجلا وأدوارا حضارية توزعت على اثني عشر موقعا أثريا في العراق وحده تعود لحقب زمنية مختلفة.

واضطر الناس بحكم حاجة العيش لبناء بيوتاتهم ومدنهم فوقها لاحقاً، وظلت تلك الآلاف من المواقع لا يحميها حالياً سوى أربعة آلاف حارس غير مدرب وباتت عرضة للصوص المحليين والدوليين طيلة حقب التاريخ الحديث.

أزمة تلك المواقع الأثرية هي انعدام العناية الفائقة بها وعدم قدرة هذا الجيل على إدراك ما خلّفه الملايين من البناة الأولين الذين أنتجوا سبع حضارات في العراق وحده.

بدأت من عهد السومريين وعواصمهم الأربع أور وكيش وسومر وأوروك “الوركاء” والعشرات من المدن التي بنيت في الجنوب العراقي والتي خلدت تاريخا سحيقا من منجزات الإنسان القديم الذي امتهن الزراعة والصيد وبنا المدن حول المياه التي تسير في شبكة الري الموزعة على بلاد ما بين النهرين التي أطلق عليها هيرودوتس “ميسو بوتاميا”، التي تُعد من أقدم المستوطنات التي بدأ منها التدوين للتاريخ البشري، وهي موطن ابتكار الكتابة المسمارية قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وقد صنعت دولاب الفخار وهي أول آلة لصنع الفخار، وهي من الأمور التي غيّرت مجرى التاريخ الإنساني المبثوث على شكل مئات الآلاف من الرقم الطينية وحضارة الفخار المصنوع من الطين المفخور بمواقد النار.

آثار العراق التي نهبت

قال لي الآثاري العراقي فوزي رشيد أحد قراء المسماريات:

لو اجتمع كل آثاريي العالم على قراءة اللقى والرقم الطينية السومرية لاحتاجوا إلى مئتي سنة لقراءتها، فهي تحكي قصة الإنسان القديم في بلد ما بين النهرين، موطن أول الحضارات، وكيف صنع أدواته اليومية ووثّق تاريخه بعبقرية، أنتج أعظم شبكات الري التي حمت المدن من الفيضانات وأمّنت المياه الدائمة للاستخدام البشري وسقاية المزروعات، وكيف بنيت الزقورات الشاهقة التي اعتلاها الكهنة ليحكوا مع الآلهة وينظموا شؤون العباد، في الميثولوجيا العراقية الزاخرة بالأقوام.

إنها رحلة العالم القديم التي تعرضت للغزو والتدمير من العالم الجديد الذي خرب ونهب إرثا إنسانيا ثريا أنتجته المئات من الأقوام التي عاشت على تخوم “ميسو بوتاميا”، حيث تكمن قصة الدموع التي انهمرت طيلة قرون على خراب بابل وآشور وسومر ونقلت ونهبت آثارها لتحل بأصقاع العالم طيلة حقب النهب والنبش المستمر لتلك المدن المندرسة ضمن الحضارات السومرية والأكدية والأشورية، فكلما ضعفت الدولة ونالها الوهن، حل بها الخراب واليباب.

24