سينما عيد الفطر بمصر.. إنتاج ضخم وأفكار مستهلكة

لا تخرج أفلام عيد الفطر في مصر كثيرا عن هيمنة مضامين الحركة وكوميديا الأفيهات، باستثناء فيلم “الممر” الذي يمثل رهانا على عودة إنتاج أفلام المعارك الحربية، رغم التجارب السابقة التي تؤكد عدم قدرة تلك النوعية من الأعمال على المنافسة طويلا في شباك التذاكر.
القاهرة - تنتظر دور العرض السينمائية العربية خمسة أفلام جديدة في موسم عيد الفطر، تغلب عليها الوصفة المعتادة من مساحات كبيرة للحركة والكوميديا، وتكرار بعض الممثلين لأدائهم في تجارب سابقة، واستمرار الاستعانة بمشاهير أجانب كعنصر دعائي يجذب الجمهور ويحفزه على المشاهدة.
تظهر المقاطع التشويقية للأفلام المقرر عرضها في عيد الفطر، استمرار غياب الأفكار المبتكرة عن أوراق السيناريو، واستمرار الدوران في فلك استلهام الأفكار من تجارب محلية وأجنبية وإعادة تقديمها من خلال الإبهار والخدع التي تتماشى مع توفير الإنتاج الضخم.
ودشن صناع فيلم “حملة فرعون” للفنان عمرو سعد حملة ترويجية واسعة للفيلم الذي يعرض في 70 دار عرض سينمائية بمصر، وتتشابه أحداثه مع الفيلم الأميركي “السبعة الرائعون” الذي تمّ عرضه في الستينات من القرن الماضي، وقدم في نسخة محلية مصرية للفنان عادل إمام بعنوان “شمس الزناتي” عام 1991.
ويؤكد الفيديو التشويقي للفيلم (البرومو) عدم وجود اختلاف كبير في المعالجة عن القصة الأصلية، وتدور حول شاب معه مجموعة من زملائه المحترفين في السيرك والتصويب بالأسلحة والبلطجة وتجارة المخدرات، لشن حملة استعادة زوجته السورية التي هربت مع ابنه إلى بلدها الأصلي، وتعرضت للخطف من قبل تنظيم أجنبي مسلح.
ويحشد الفيلم توليفة من الفنانين العرب والأجانب، أبرزهم الملاكم مايك تايسون، وثور بجورنسون صاحب شخصية “الجبل” في مسلسل “صراع العروش”، والفنانة الإيطالية التونسية الأصل مايا طلام، والسورية سوزان نجم الدين، بجانب رياضيين مشاهير في رياضة كمال الأجسام مثل “بيج رامي”.
قصص المعارك
يقول نُقّاد لـ”العرب”، إن الفيلم جاء إنتاجه بعد نجاح فيلم “حرب كرموز″ العام الماضي، وهو ما أسال لعاب منتجه محمد السبكي للسير على نفس المنوال بتقديم قصص تعتمد على الاشتباكات المسلحة، وشهد مشكلات في اختيار أبطاله، بعدما رفض أمير كرارة وعمرو يوسف ومي عمر ومحمد ممدوح، أن يشاركوا في أحداثه.
ويشهد عيد الفطر عودة المنتجين للابتعاد تماما عن حقل السينما الدرامية القائمة على جودة القصة، وتم تقديمها خلال موسمي عيديْ الفطر والأضحى العام الماضي، ومنيت بفشل ذريع أمام شباك التذاكر، مع أنها ضمت أعدادا كبيرة من المشاهير والمخرجين الكبار.
وتقف وراء حصر الأفكار السينمائية المطروحة في عيد الفطر جهات إنتاجية تجارية، مثل عائلة السبكي التي تخلت عن أفلام الرقص والغناء الشعبي بعد نجاح تجاربها في أفلام الحركة الموسمين الماضيين وتزيد المعروض منها.
يخوض أمير كرارة المنافسة بفيلم “كازابلانكا” الذي تم تصوير غالبية مشاهده في المغرب وفرنسا، ويحكي عن قصة ثلاثة لصوص يشكلون عصابة للسطو على السفن، ويتم تكليفهم بمهمة مهاجمة مجموعة من رجال المافيا للسطو على شحنة ماس كبيرة قبل أن يهرب أحدهم بالبضاعة المسروقة إلى المغرب.
واعتمد بيتر ميمي، مخرج العمل، على فكرة الاستعانة بممثلين أجانب أيضا لاستغلال جماهيرهم، مثل النجم التركي هالت إرجنتش بطل مسلسل “حريم السلطان” الذي يقوم بدور رئيسي في العمل الذي تتشابه لقطات تصويره كثيرا بالسلسلة الأميركية الشهيرة “السرعة والغضب” (فاست أند فورويس).
وأوضح الناقد رامي عبدالرازق لـ”العرب”، أن الاستعانة بممثلين أجانب في السينما المصرية للدعاية فقط، ولا تحمل مردودا على مستوى القصة أو إغراء الجمهور المحلي لدخول صالات السينما مع اختيار أسماء لا تناسب العمل، فهالت إرجنتش جمهوره مرتبط بالدراما في الأساس وملاكم مثل مايك تايسون لا يغري الشباب للتوجه لمشاهدته في السينما فمقاطعه تملأ اليوتيوب.
شروق سينمائي
تسير أفلام العيد في ركب التجارب السينمائية المتماشية مع شروط السوق التقليدية والتي حاول بعض كتاب السيناريو الخروج عنها الموسم الماضي وباءت مساعيهم بالفشل، مثل فيلم “كارما” للمخرج خالد يوسف الذي ضم أسماء كبيرة من الممثلين، والذين فشلوا في اجتذاب الجمهور لشباك التذاكر، و”سوق الجمعة” لعمرو عبدالجليل الذي عبر عن حياة البسطاء في أشهر سوق تجارية مصرية.
ويشهد الموسم الحالي عودة الأفلام الحربية لصالات العرض عبر “الممر” الذي يلعب بطولته أحمد عز، وتتمحور أحداثه حول دور مجموعة من عناصر الصاعقة خلال حرب الاستنزاف التي تلت هزيمة 1967 بمعالجة تتلامس مع الواقع وتسلط الضوء على حياتهم الخاصة ومعاناة أسرهم في التعاطي مع إمكانية استشهادهم في أي لحظة.
ويبدو الفيلم، الذي ألفه وأخرجه شريف عرفة ويمتد وقته إلى قرابة ساعتين ونصف الساعة، رهانا كبيرا لأصحابه في ظل فشل بعض الأفلام الحربية المشابهة في تحقيق جماهيرية كبيرة، ووقته الطويل لا يمنحه أفضلية في تحقيق الإيرادات باعتبار أن دار العرض تعرض فيلمين آخرين في نفس الفترة الزمنية تقريبا.
وتعوّل جهة الإنتاج على أحمد عز كنجم شباك في جذب جمهور عريض إلى فيلم “الممر” يعوّض به تجربة تقديمه لفيلم حربي بعنوان “يوم الكرامة” عن قصة إغراق المدمرة إيلات بعد هزيمة 1967 ولم يحقق العمل نجاحا ملحوظا.
ويعتبر فيلم “أسد سيناء”، الذي تم عرضه عام 2016 بطولة عمرو رمزي، آخر الأعمال الحربية التي تم تقديمها عن بطولة أحد عناصر سلاح المظلات المصرية خلال حرب أكتوبر، وفشل في تحقيق شعبية. ويمتاز “الممر” بانتقائه مجموعة من الممثلين ذوي الشعبية والاستعانة بفريق عمل أميركي لتصميم المعارك الحربية بدلا من اللقطات المسجلة التي كان يتم دمجها في الأعمال السابقة.
ميزانيات غير معتادة
يشهد موسم رمضان ظاهرة الإنفاق ببذخ على الإنتاج فميزانية “حملة فرعون” تقترب من 100 مليون جنيه (5.8 مليون دولار)، و”كازبلانكا” تجاوز 60 مليون جنيه (3.7 مليون دولار)، وتصل ميزانية فيلم “الممر” إلى أربعة أضعاف أي فيلم سينمائي وفقا لمنتجه هشام عبدالخالق، ما يعني أنها تقترب من 170 مليون جنيه مصري (10 ملايين دولار).
وقال الناقد السينمائي رامي عبدالرازق إن الميزانية الضخمة ليست المحرك الأول الذي يدفع الجمهور إلى دخول صالات العرض، لأن الأمر محكوم بجودة القصة والأحداث، والكثير من الأفلام ذات الميزانيات المنخفضة القائمة على الحبكة الجيدة حققت نجاحات فاقت أعمالا أنفقت الملايين على المطاردات والحركة.
وأضاف لـ”العرب”، أن طرح فيلم “الممر” في عيد الفطر لا يهدف إلى المنافسة، لكن حجز مكان في موسم الصيف، فجمهور العيد يبحث عن الكوميديا والحركة في المقام الأول، وبعدها يظهر الجمهور الذي يريد قصصا غير معتادة تتماشى معها طبيعة الفيلم الحربية.
ويضم عيد الفطر فيلمين كوميديين بعنوان “محمد حسين” لمحمد سعد و”سبع البرومبة” لرامز جلال، وتبدو من مقاطعهما الدعائية استمرارهما في فن الإضحاك القائم على الأفيهات المسرحية أكثر من المواقف وتكرار الأدوار التي قدمت في أعمالهما السابقة.
ويجسد رامز دور مهندس معماري ينتحل شخصية ضابط شرطة للوصول إلى الفتاة التي يحبها، بينما يلعب محمد سعد دور سائق يعمل بأحد الفنادق ويحوّل رسام شهير ظهره إلى لوحة فنية نادرة فيتورط مع رجال المافيا ويتم اتهامه في مقتل الرسام، ويضطر للعيش بأكثر من شخصية.
ودخل الفيلم في أزمة لتشابه لافتاته الدعائية مع الفيلم الأميركي “أن تكون جون مالكوفيتش” الذي أنتج عام 1999 بوجه واحد يتكرر العديد من مع تشابه أداء محمد سعد في الفيلم الذي يعود به إلى السينما بعد غياب 6 أعوام مع أعماله السابقة في حركات وجهه وطريقة كلامه.
ويحاول المنتجون ابتكار حيل توزيعية لإغراء الجمهور بالحضور من بينها، إعلان أحمد السبكي منتج فيلم “محمد حسين” منح تذاكر مجانية لكل من يتشابه اسمه مع العمل، وإرسال صناع فيلم “الممر” العديد من البيانات الصحافية التي تؤكد على رسالة واحدة مفادها أن العمل سيكون أضخم إنتاج تشهده السينما المصرية في تاريخها.
ولا يزال الغموض يعتري موقف عرض الجزء الثاني من فيلم “الكنز.. الحب والمصير” بعد إرجاء عرضه أكثر من مرة ونشوب خلاف كبير بين كاتب السيناريو عبدالرحيم كمال وبطل العمل محمد رمضان في عملهما الدرامي “زلزال” الذي وصل إلى درجة تبرؤ كمال من العمل، بعد اتهامه الشركة المنتجة والمخرج بتحريف أحداث المسلسل.
ويكتفي صناع الفيلم، الذي يدور في ثلاثة أزمنة تاريخية مختلفة بالتأكيد على عرضه في القريب العاجل، لكنه بات من المؤكد خروجه من سباق عيد الفطر بعد إنهاء دور العرض تعاقداتها، ليلحق بفيلم “قهوة بورصة مصر” لرانيا محمود ياسين وحسن حسني والذي تقرّر إرجاء عرضه.