الجانب المشرق من استخدام التقنية لا يستثني الأطفال

يوميا وبصورة تقريبية، يكاد لا يخلو خبر في دورية علمية أو صحيفة من مضار الاستخدام المفرط لوسائط التقنية؛ الهاتف النقال، التلفزيون، الكمبيوتر بمواقعها المتعددة وأهمها مواقع التواصل الاجتماعي ثم ألعاب الكمبيوتر، وهي الزاوية الحرجة التي تجتمع حولها آراء المتخصصين باعتبارها أسوأ الأسوأ.
يتشعّب التأثير السيء لهذا الاستخدام ليشمل جانب الصحة البدنية خاصة تأثيراته السلبية على النظر، ثم ينتقل إلى جانب الصحة النفسية ابتداء بالاكتئاب والقلق مرورا بالعنف والعدوانية اللفظية والجسدية وليس انتهاء بقائمة طويلة من الأمراض الجسدية التي ترتبط بصورة غير مباشرة بالإحباط والقلق والاكتئاب التي يسببها الاستخدام المفرط للتقنية، وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي.
ينظر بعض المتخصصين للأمر من جانب آخر، منهم الكاتب الأميركي وأستاذ علم النفس التربوي في جامعة كاليفورنيا، د. مارتي نيمكو؛ الذي يرى في بعض هذه الوسائل مصدرا مهمّا يمكنه أن يضيف للجانب التعليمي والتربوي. وفي ما يتعلق بالتلفزيون، يعتبر مارتي أن برامج التلفزيون يمكنها أن تكون مصدرا سهلا ومجانيا في الوقت ذاته لتطوير مهارات الأطفال اللغوية، حيث يمكنها أن تضيف المزيد من المفردات إلى مخزن ذاكراتهم، خاصة إذا كان إنتاج هذه البرامج يعتمد على متخصصين أكفاء ومهرة في إيصال المعلومة والمفردة للطفل بصورة يسيرة وأسلوب بناّء.
هذا الأمر أيضا يسري على بناء شخصية الطفل، من خلال محاكاة سلوك شخصيات كرتونية محبّبة أو حتى شخصيات حقيقية تظهر في برامج الأطفال، تحوز على شعبية واسعة، فجهاز التلفزيون في النهاية مصمم ليكون وسيلة جذب وإقناع أكثر شعبية من قراءة الكتب مثلا، وبالطبع أكثر سرعة في توصيل المعلومة بطريقة ممتعة ومفيدة في الوقت ذاته.
أما إذا كان اعتراض بعض المتخصصين على أن التلفزيون مجرد وسيلة ترفيهية لتسلية وإضحاك الناس خاصة لمن يتابعون البرامج الكوميدية، فما المانع في ذلك؟ ألا يحتاج الناس للترفيه ولو في حدود معقولة؟ ثم ألا يعد التلفزيون وسيلة مجانية مقارنة بتكلفة ارتياد المسرح والسينما وبقية الأنشطة العائلية التي تنظمها المراكز الترفيهية؟
برامج التلفزيون مصادر سهلة ومجانية لتطوير مهارات الأطفال اللغوية، تضيف مزيدا من المفردات إلى مخزن ذاكراتهم
في السياق ذاته، وفي ما يتعلق بألعاب الفيديو، يرى د. مارتي نيمكو أن حصر هذه الألعاب كمسببات مباشرة لأعراض فرط الحركة ونقص الانتباه والعنف عند الطفل، أمور غير واقعية تماما، فلم يصبح من المؤكد أن مشاهدة شخصيات كارتونية عنيفة تقوم بأفعال القتل تتسبب بارتكاب الأفعال ذاتها في الواقع، إذ أن فكرة العنف الذي تغذيه هذه الألعاب هي فكرة غير دقيقة، فهل يميل الأطفال الذين يسقطون لعبة رجل الثلج في مواسم الشتاء إلى تطبيق هذا الأمر على الأشخاص في محيطهم الاجتماعي؟
وإذا استبعدنا الألعاب العنيفة التي تصور مشاهد قتل وتخريب، لا يمكننا التغاضي عن ألعاب أخرى ذات فائدة ملموسة للطفل؛ فهناك القيمة الترفيهية العالية التي تحتويها هذه الألعاب، مثل حل المشكلات بشكل تفاعلي أثناء الاستكشافات المليئة بالمفاجآت الغامضة التي يتم ضبطها على إيقاع موسيقي ممتع، إضافة إلى أن حل المشكلات والتفاعل معها عن طريق هذه الوسيلة من الممكن أن يعادلا ساعات من الدورات التدريبية بالمجالات التعليمية المتنوعة.
أما وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت فإن سلبياتها تكاد تكون محصورة في إثارة المشاعر السلبية للمستخدمين، بسبب بعض الصفحات التي تروّج للجوانب الإيجابية في حياة أصحابها بصورة مبالغة، لكن توفر الوعي لدى بعض الناس يمكنهم من التغلب على هذه الإشكالية، خصوصا إذا ما عقدوا مقارنة بينها وبين الإعلانات العادية التي يرّوج لها أصحابها في مختلف وسائل الإعلام، بالطريقة ذاتها التي تعتمد المبالغة وتجميل الحقائق والتغاضي عن السلبيات؛ فحياة الناس الذين ينفشون ريشهم في هذه المنافذ الإعلامية تشبه كثيرا سلوك الطاووس الذي يفرد جناحيه الملونين بين الحين والآخر، وليس لديه أي شيء آخر يفعله غير ذلك.
ليس كل ما يعرض حقائق، أو بمعنى أقرب فإن هذه الحقائق مزوّقة كثيرا ولا تخلو من كذب. هناك بالطبع التنمّر على الآخرين، المضايقات، إضافة إلى التزام بعض المستخدمين للغة الكراهية وربما دعمهم للتطرف العالمي ووسائل الابتزاز المختلفة مع عدم إغفالنا لمساسها بصورة مباشرة بحياة الناس وما تشكله من تأثير خاص في الرأي العام في ما يتعلق بأداء مؤسسات الحكومة، والتأثير في السياسات العامة.
لهذا، يصبح من واجب الآباء في الكثير من الأحيان تحذير أطفالهم وتوجيههم بل ومراقبة حساباتهم. لكن للتواصل الاجتماعي جانب آخر مضيء ومفيد أيضا؛ البحث عن الأصدقاء والأقارب الذين فُقد الاتصال بهم لأسباب كثيرة منها الحروب والهجرة، مشاركة النشاطات العامة وبالطبع أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تعريف الناس بمبدعيهم وملأت الفجوة بينهم وبين محبيهم، فمنحت الفرصة للتواصل وتبادل الأفكار والتخطيط لمشاريع إنسانية، حيث أصبحت هذه المواقع وسائل نشر وإعلام سريعة وفاعلة جدا.
من جانب آخر، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن هناك حوالي 3 مليارات شخص حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، بمعدل أكثر من 3 ساعات يقضيها معظم الناس في تصفح المواقع المختلفة مثل فيسبوك، تويتر، سناب شات وغيرها. هذه الوسائل وغيرها من أدوات التقنية الحديثة، تشهد تطورا متسارعا الأمر الذي تعجز معه دوائر البحوث عن متابعة سلوك جمهورها وتقصي آثارها السلبية منها والإيجابية، فالدراسات في هذا المجال مازالت في بداياتها وليس في الإمكان الخروج بنتائج واضحة لأن هذه المواقع تؤثر في الناس بشكل مختلف، يعتمد في المقام الأول على سمات الشخصية، والخلفية الثقافية، والمستوى الاجتماعي والمادي وحتى المعتقدات الدينية والخلفيات العرقية.