مطاردة الفساد تفاقم التحديات الاقتصادية في الجزائر

الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ أكثر من شهرين، ساهمت في عزلتها الاقتصادية ونفور رأس المال الأجنبي مع إطلاق حملة واسعة ضد لوبيات الفساد.
الخميس 2019/04/25
يسعد ربراب محور ملفات الفساد على مدى عقود

تزايدت خشية الأوساط الاقتصادية الجزائرية من دخول البلاد في عزلة اقتصادية أكبر نتيجة فتح ملفات الفساد، التي يمكن أن تعرقل فرص جذب الاستثمارات الأجنبية بعد تزايد المؤشرات على تفاقم حالة الفوضى في مناخ الأعمال.

الجزائر- أطلق محللون جزائريون صفارات الإنذار من دخول اقتصاد البلاد في متاهة لا يمكن التكهن متى ستنتهي في حال استمر الغموض مسيطرا على المشهد السياسي.

وساهمت الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ أكثر من شهرين، في عزلتها الاقتصادية ونفور رأس المال الأجنبي خاصة في قطاع النفط مع إطلاق حملة واسعة ضد لوبيات الفساد.

ويرى الخبير نبيل جمعة أن الوضع الانتقالي واهتزاز شرعية المؤسسات السياسية في البلاد سيلقيان بتداعياتهما السلبية على الاقتصاد لمدة أطول. وأشار إلى أن الاضطرابات السياسية دفعت وكالات التصنيف الدولية إلى إنزال الدولة النفطية إلى الخانة الحمراء على سلم مؤشراتها، وبالتالي فإن الإسراع للخروج من هذا النفق يبدو أمرا ملحا للغاية.

وتأتي تصريحات جمعة في أعقاب موجة اعتقالات طالت رجال أعمال، على غرار علي حداد ويسعد ربراب وكونيناف، الذين مثلوا أمام القضاء بتهم فساد وتبديد المال العام.

وشهدت كبرى المؤسسات الحكومية تغييرات شاملة خلال الأسابيع الأخيرة، بدعوى تطهيرها من بؤر الفساد والممارسات المشبوهة.

وفي أحدث حلقة من الحملة تلك التحقيقات، التي بدأتها المحكمة العليا الجزائرية في قضايا فساد متعلقة بوزير الطاقة السابق شكيب خليل.

وأحالت المحكمة ملفين خاصين بخليل بسبب مخالفة القانون الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وإبرام لصفقتين لشركة سوناطراك بكيفية مخالفة للقانون مع شركتين أجنبيتين. كما تم إنهاء مهام الرئيس التنفيذي لسوناطراك عبدالمؤمن ولد قدور، ما أثار حالة من الضبابية لدى المستثمرين الذين بدأوا في العودة إلى البلد المنتج للنفط والغاز.

نبيل جمعة: الوضع الانتقالي يطيل  أمد التداعيات السلبية على الاقتصاد الجزائري
نبيل جمعة: الوضع الانتقالي يطيل  أمد التداعيات السلبية على الاقتصاد الجزائري

وتبقى القائمة مفتوحة لأسماء أخرى، ما سيساهم في جعل الجزائر وجهة غير مفضلة وحتى محذر منها في مجال الاستثمارات. ويوصف يسعد ربراب، مالك مجمع سيفيتال، بأغنى رجل في أفريقيا بثروة تقدر بنحو أربعة مليارات دولار، وأطلق عدة استثمارات في البرازيل وفرنسا والسودان.

ولكن ثروة عائلة كونيناف، تفوقها بكثير لأنها كانت تعمل في صمت وبعيدا عن الأضواء، لدرجة أن معظم الجزائريين لا يعرفها. واستحوذت هذه العائلة في مطلع الألفية على قروض ضخمة من البنوك المحلية اضطرت الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة للتدخل من أجل ترتيب الوضع.

وكانت السلطات تتأهب لمراجعة قانون المحروقات خلال يونيو المقبل، لتحفيز شركات النفطة العالمية للاستثمار في المناطق المعروضة للتنقيب والاستغلال، لكن اندلاع الاضطرابات السياسية واهتزاز مؤسسات الدولة خلطا جميع الأوراق.

ودفع هذا الوضع شركة اكسون موبيل الأميركية إلى إرجاء مشاوراتها مع سوناطراك المملوكة للدولة بسبب أحداث الحراك الشعبي. ورغم تعرض ولد قدور إلى عقوبة السجن بتهمة سوء التسيير والتخابر في وقت سابق، إلا أنه أعيد إلى هرم أكبر شركات البلاد في مارس 2017، وبتزكية من دوائر نفطية أميركية.

وكان يأمل المستثمرون الأميركيون في تفعيل مشروع استكشاف واستغلال الغاز الصخري، بعد تعثره في 2014 تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية لسكان مناطق أدرار وعين صالح بجنوب البلاد.

ودعا رئيس الكنفيدرالية الوطنية لمحاربة الفساد خثير زرمان، إلى الإسراع في وتيرة الإصلاح ومحاربة الفساد، من أجل استعادة الأوضاع الطبيعية في البلاد، لأن التحديات الحقيقية التي تواجهها البلاد، هي تحديات اقتصادية بحتة، لاسيما في ظل اختلال التوازنات الاقتصادية الكبرى وتآكل احتياط النقد الأجنبي.

وذكر مصدر مسؤول في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن حقائق وإحصائيات الفساد ستكون صادمة للجزائريين، حيث أن تحالف اللوبيات السياسية والمالية استنزفت مقدرات ضخمة من مداخيل الدولة، والتي يأتي معظمها من صادرات النفط، فاقت سقف 1.6 تريليون دولار خلال العقدين الأخيرين.

وأكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لحساسية المسألة، أن كل الاستثمارات والمناقصات المحلية كانت تذهب لصالح مجموعة من المحتكرين الاقتصاديين ورجال السياسة في السلطة.

1.6 تريليون دولار حجم الأموال التي بددتها لوبيات الفساد السياسي والمالي خلال العقدين الأخيرين

وأشار إلى أن إحصائيات أميركية توصلت إلى أن ثلاثة بالمئة فقط من الجزائريين يملكون 90 بالمئة من ثروة البلاد، وهو ما يظهر حجم الاختلالات التي خلقت اقتصادا “مافيوزيا”. وقال إن “كل من حداد وكونيناف كانا يستحوذان لوحدهما فقط على نحو أربعة مليارات دولار سنويا، من استثمارات شركة سوناطراك النفطية”.

وأفاد مصدر مطلع، بأن تحقيقات موسعة فتحت ضد العديد من رجال الأعمال، المنضوين تحت منتدى رؤساء المؤسسات المقربين من بوتفليقة، وعلى رأسهم الناشطون في مجال تركيب وتجميع السيارات والشاحنات.

ووفق ما تشير إليه التقديرات، استنزف قطاع السيارات حوالي 6 مليارات دولار، وقد فشل رجال الأعمال الذين يستثمرون فيه في إطلاق نشاط المناولات للرفع من نسب الإدماج في أعمالهم.

10