معرض تونس الدولي للكتاب في دورة عنوانها الجدل والحوار

يفتتح معرض تونس الدولي للكتاب دورة جديدة، يحاول من خلالها التأكيد على استمراريته كفعالية سنوية، يتجمع حولها المثقفون والكتاب ومحبو الكتب والناشرون، حيث يمثل الكتاب وجه الثقافة الإنسانية الخلاقة، وطريق تحقيق التعايش والرقي الفكري والحضاري، ولا تتوقف أدوار معارض الكتب عند عرض الكتب وتناولها بالبيع والشراء فحسب، بل هي أكبر من ذلك في بعدها الثقافي والسياسي والاجتماعي علاوة على بعدها الاقتصادي.
"يسعى برنامج معرض تونس الدولي للكتاب إلى استرجاع بريق الناشر العربي" هذا ما قاله شكري المبخوت، مدير الدورة الـ35 للمعرض، الذي يقام بمشاركة 319 عارضا من 23 دولة، وذلك بداية من الجمعة 5 أبريل في العاصمة التونسية.
أمام هذه العبارة التفاؤلية والإيجابية التي أطلقها مدير الدورة الحالية للمعرض في ندوته الصحافية، يحق لنا أن نسأل: هل كان للناشر العربي “بريق”، حقا، ليسترجعه إزاء صناعة كانت ـ ولا تزال ـ تعرف بـ”مهنة الشؤم” منذ أبي حيان التوحيدي، أواخر العصر العباسي، إلى أيامنا هذه، التي يُعامل فيها الكتاب كسلعة بائرة أو فاسدة أو ملغومة أو مشبوهة، أو حتى محرمة في أحيان كثيرة؟
مشكلات النشر
بحر المشكلة التي يشكوـ أو يتشاكى أحياناـ منها الناشر العربي، من صعوبة في الترويج والتصنيع والتكاليف والقرصنة والتزوير، وغيرها من الحواجز الجمركية والرقابية، وكذلك تبدل الحال في عصر الرقمنة والإحجام عن القراءة الورقية، كل هذه الأزمات لا تمنع من إقامة المعارض التي ترعاها وزارات الثقافة والمؤسسات الرسمية في العالم العربي، ولو على سبيل الدعاية والبروبغندا السياسية، وذلك قصد إيجاد ندوات للحوار في قضايا راهنة، على هامش هذه المعارض التي لا تخلو من زوار ومهتمين، حتى وإن لم يقتنوا كتبا، في ظل ما يعانيه ضعاف ومتوسطو الدخل أي الفئة الأكثر اهتماما واقتناء للكتاب في العالم العربي.
المعرض لديه زوار ومهتمون، حتى وإن لم يقتنوا كتبا، في ظل ما تعانيه الفئة الأكثر اهتماما واقتناء للكتاب
الناشرون ـ حتما ـ سوف يردون على هذه الذريعة بقولهم إننا لا نأتي للمعارض كي نخسر من جيوبنا في سبيل تأثيث فضاء لإقامة الندوات والحوارات، ولا نرغب في عرض منتجاتنا كي يتفرج عليها الزائرون ثم يغادرون.
الأمر بطبيعة الحال، ليس بهذا التسطيح والاستهتار والتعسف إزاء صناعة الكتاب التي من دونها لا تقوم المعارض وما يرافقها من ندوات وسجالات، لكن المسؤولية في مجملها ملقاة، وبدرجة أولى، على عاتق الدول وجهات الإشراف الحكومية التي ينبغي لها أن تدعم صناعة الكتاب مثله مثل الخبز والدواء والتعليم والنقل أي تفكر في الكتاب كشرط أساسي لـ“الأمن الثقافي” الذي لا يقل أهمية عن “الأمن الغذائي”.
المجتمع المدني، بدوره، يجب أن يضطلع بدوره في تحصين صناعة الكتاب، وتقريبه من محتاجيه ومستهلكيه عبر مبدأي الدعم والتكافل، تماما مثل أي نشاط تطوعي يستدعي روح المسؤولية في الظروف الصعبة.
قضايا المعرض
بالعودة إلى معرض تونس الدولي للكتاب، الذي اشتد عوده، ما ينفك يعلن عن حضوره كموعد سنوي مع الكتاب منذ عام 1982، أشار مدير دورته الحالية الباحث والروائي شكري المبخوت إلى أن الموضوع الرئيسي لأبرز محاور البرنامج الثقافي لهذه الدورة، مسألة راهنة بتونس، وهي “الحريات الفردية والمساواة”، والتي “تثير جدلا وقراءات مختلفة”.
وأوضح أن لجنة التنظيم اختارت هذا “الموضوع الجدلي”، لإيمانها بأن النشاط الثقافي في المعرض يسعى إلى فتح فضاءات للحوار، تنطلق من الكتب والمصنفات الفكرية والأدبية.
وفي هذا الصدد يتساءل نقاد ومتابعون إذا ما كانت المساواة تتعارض مع مبدأ الحريات الفردية حتى تستدعي المقاربة بين الاثنين، وما هو الذي يسبق الآخر أم أن المساواة التي أقرتها قوانين تونس في الفترة الأخيرة بين الجنسين في مواضيع بالغة الحساسية من وجهة نظر تشريعية، باتت محل جدل مشروع (قبل أن يكون شرعيا)، وذلك من وجهة نظر حرية الرأي في التمسك ببعض الأحكام ذات الصبغة الدينية، وما مدى المفاضلة بين مبدأي المساواة والمراعاة.
قضايا كثيرة جديرة بالنقاش تحت قبة معرض الكتاب بمدينة الكرم في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة، لعلها أجدر وأكثر اتزانا وضجيجا من تلك التي تناقش تحت قبة البرلمان في ضاحية باردو.