قوة الشخصية.. توازن نفسي أكبر وأهداف واضحة

نتحدث كثيرا عن قوة شخصية أحدهم أو إحداهن، ننظر إليهم بإعجاب ممزوج بالدهشة أحيانا ونحن نتساءل: ترى ما الذي يميزهم عن غيرهم من الناس، وكيف وصلنا الإحساس بهم على أنهم يتمتعون بهذه السمات؟ ما هي قوة الشخصية وكيف يبدو الأشخاص الذين يتمتعون بها، كيف يسلكون حياتهم الشخصية والاجتماعية وما هي الفوائد التي يجنيها هؤلاء من قوة شخصياتهم؟
أسئلة كثيرة متشعبة ترتبط بهذا النوع من الناس ربما يدفعنا الفضول لمعرفة تفاصيل حياتهم وربما نتمنى أن نحظى بسماتهم أو أننا ننتمي إليهم بشكل أو بآخر، من دون أن نعي ذلك!
يتحدث الأستاذ المتخصص في علم النفس الإيجابي ومدير معهد (فيا) رايان نايميك؛ المتخصص بتثقيف الأفراد في مجال العلوم وممارسة قوة الشخصية، بولاية أوهايو الأميركية، في مقاله الأخير في مجلة “علم النفس” الأميركية، عن فوائد لا تعد ولا تحصى يمكننا أن نستقيها من خلال التعبير عن قوة شخصيتنا في إطار مجتمعنا العام والخاص، حتى إذا استدعى الأمر أن نتدرب على تعزيز وتقوية شخصيتنا بالمران وبمساعدة متخصصين إذ لم نكن نمتلك مقوماتها بصورة فطرية.
ومن جملة هذه الإيجابيات، يتمتع هؤلاء الأشخاص بمجموعة نقاط قوة يمكن استخدامها في مجالات عدة جسدية ونفسية وعاطفية واجتماعية وربما روحية. ولأن قوة الشخصية ترتبط بالضرورة ببعض السمات الإيجابية مثل العلاقات والمشاعر الإيجابية، المشاركة والبحث عن المعنى.. فهي تصلنا بالعديد من المزايا التي تساعدنا في تعزيز الإيجابية في حياتنا عموما؛ مثل تقبل الذات، الاستقلالية، الأهداف الواضحة، الصحة البدنية والنفسية إضافة إلى المرونة.
لهذه الأسباب، ينجح أصحاب الشخصية القوية بما يمتلكونه من سماتها المضاعفة وربطها بالفوائد المحددة لكل هذه السمات، في العديد من الأعمال التجارية والاقتصادية وكذلك المهن المختلفة مثل التعليم، المجال الصحي، التدريب والعلاج النفسي إضافة إلى مجال الاستشارات والعلاقات العامة.
ويؤكد المتخصص في علم النفس رايان أن نقاط قوة الشخصية تسهل مسارات فريدة لأصحابها، لتحقيق الأهداف الإيجابية التي يسعى الناس إلى تحقيقها عادة في الحياة.
بمعنى آخر، يمكننا إذا كنا من هؤلاء، أن نسمي أو نحدد أي هدف واقعي وإيجابي نريد تحقيقه، وكل ما علينا فعله بعد ذلك هو أن نستخدم واحدة أو أكثر من نقاط القوة في شخصياتنا لتحقيق الهدف، وربما نحتاج استخدامها بطريقة مغايرة لما اعتدنا عليه.. هذا غير مهم، طالما أن الأسلوب الجديد للاستخدام يوصلنا إلى هدفنا بطريقة أسرع وأكثر سلاسة.
إن تحقيق الأهداف ليس غاية بحد ذاتها، وإنما هو تعبير صادق عن إيماننا بروح الحياة وبأننا هذا الجزء النابض فيها والممتلئ، باعتبارنا كائنات ممتلئة بالحياة.
وفي إطار واحد، يؤكد متخصصون أن الناس يظهرون بعض التحيزات في أفكارهم، أحدها يكمن في ميلهم إلى الرجوع بذاكرتهم إلى أحداث وتجارب الماضي السيئة أكثر من تذكرهم للأحداث الإيجابية، فهم سلبيون بامتياز ولعل هذا النوع من المشاعر التي تولدها ذكرياتنا السلبية قد تبقى ملازمة للإنسان وملتصقة بروحه مثل الغراء.
فماذا يمكن أن تفعله قوة الشخصية لتلافي هذه المشاعر؟
أكثر من ذلك، تشير الدراسة النفسية المعنونة (علاقة قوة الشخصية مع التأقلم والتوتر المرتبط بالعمل والرضا الوظيفي)، التي أشرف عليها باحثون في جامعة غرايفسفالد الألمانية، إلى أن نقاط القوة في الشخصية تمكّن الإنسان من تحقيق توازن نفسي أكبر في هذه المعادلة.
صحيح أن التجارب السلبية في حياتنا يمكنها أن تكون مصدرا مفيدا للتعلم من الأخطاء وتحفيزنا وإثراء تجاربنا، إلا أن التفكير في نقاط القوة لدينا يمكن أن يساعدنا في تعويض تلك التجارب السلبية واستشفاف أفضل الطرق لتجنبها مستقبلا، حيث تذكرنا بأن لدينا موارد فريدة مازال في الإمكان توظيفها لمصلحتنا وإعادة صياغة أو محو الأثر السلبي الذي تتركه التجارب الفاشلة في أرواحنا.
كما يمكن لقوة الشخصية أن تساعدنا في إدارة المشكلات بصورة أكثر فاعلية. على سبيل المثال، يتم ربط تأثير قوة الشخصية بالتغلب على الضغوط التي نواجهها في العمل، تقليل أعراض الاكتئاب وتقويم بعض الأمراض الجسدية.
ومجرد إدراكنا بأننا نحمل هذه (الأدوات) في داخلنا هو أمر يبعث على الثقة، بل يجده البعض أمرا مثيرا وجاذبا وسببا في الاستقرار المعنوي والثقة بالنفس.
ويرى علماء النفس أن مواصفات قوة الشخصية تتمثل في محاور وأدلة عديدة، أبرزها تحمل المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرارات بصرف النظر عن نتائجها المتوقعة والخافية، فإذا ما ثبت عدم صحتها أو المبالغة فيها فإن الشخص الذي يتمتع بقوة الشخصية قلما يرمي باللوم على الآخرين ويكون أكثر شجاعة للاعتراف بالخطأ.
لهذا السبب أيضا فإن قوة الشخصية تعني السعي الدائم لتطوير وتنمية النفس، إضافة إلى تعزيز المهارات الاجتماعية منها بصورة خاصة لأهميتها في التواصل مع الآخرين وتعميق مفاهيم الحياة، والإطلاع على تجارب الآخرين ومحاولة تجنب أخطائهم قدر الإمكان. ومن أبرز سماتها الأخرى، الاعتداد بالنفس والتعلق بالآراء الشخصية والالتزام بالمبادئ مهما تغيرت الظروف، حيث يتمتع أصحاب هذه الشخصية بقدرتهم على إهمال النقد الذي يعدونه غير بنّاء كما أنهم قلما ينساقون خلف آراء الآخرين ويبحثون دائما عن التميز، لا يهمهم في ذلك حصد إعجاب الآخرين أو الحصول على مكافآت شخصية مادية كانت أو معنوية.
والأهم من ذلك، أنهم قلّما يفقدون توازنهم ويمتلكون مستوى معينا من الهدوء والحكمة في مواجهة المواقف المفاجئة والأحداث العصيبة.