نذر صدام بين الجيش والرئاسة في الجزائر

نذر صدام بين الجيش الجزائري ومحيط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يخطط للتصدي لدعوات المؤسسة العسكرية إلى إعلان شغور منصب الرئيس وتفعيل البنود الدستورية المتعلقة بالشغور.
الجزائر – استفاق الشارع الجزائري على وقع توقيف رجل الأعمال المقرب من السلطة علي حداد، في ساعات فجر الأحد، بالمركز الحدودي البري أم الطبول المؤدي إلى التراب التونسي، وذلك في حلقة جديدة من مسلسل التصعيد غير المسبوق بين مؤسستي الجيش والرئاسة.
ولتضليل مصالح الاستعلامات قام علي حداد بشراء تذكرة من الخطوط الجوية الجزائرية للذهاب إلى مرسيليا انطلاقا من قسنطينة صباح الأحد، لكنه تسلل ليل السبت برا إلى الحدود التونسية بجواز سفر مزور وتم القبض عليه.
وقضى الشارع الجزائري ليلة بيضاء بين السبت والأحد، بسبب الشائعات والمعلومات المتضاربة حول تطور الأوضاع السياسية، لاسيما في ما تعلق بنشر قوات أمنية وعسكرية في العاصمة تحسبا لأي طارئ، بعد البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع حول ضرورة الامتثال لبنود دستورية من أجل تلبية مطالب الحراك الشعبي، وتوجيه اتهامات لجهات وصفتها بـ “المشبوهة ” حاولت تشويه صورة المؤسسة العسكرية وخلق حالة فوضى في البلاد.
وفيما لم يصدر بيان رسمي يؤكد خبر توقيف رجل الأعمال علي حداد، رغم تداوله على نطاق واسع في المواقع والصفحات الاجتماعية، تتضارب الأنباء بشأن توقيف شخصيات أخرى من المحسوبة على نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ومن بينها شقيقاه سعيد وناصر، ورجال أعمال وسياسيون آخرون.
ورغم نفي وزارة الشؤون الخارجية لسحب جوزات السفر من بعض الشخصيات، إلا أن مصادر قضائية تتحدث عن تحويل العشرات من الملفات إلى المحكمة العليا تتعلق بممارسات الفساد ونهب المال العام واستغلال الوظيفة. وتحدثت ذات المصادر عن لائحة بالمئات من الأسماء تم توزيعها على شرطة المطارات والموانئ والمراكز الحدودية لمنع مغادرتها للتراب الوطني، فضلا عن صدور أوامر لمصالح الطيران المدني بمنع إقلاع أي طائرة خاصة من أي مطار، تحسبا لمساءلات منتظرة لمستعملي تلك الطائرات الذين يكونون في الغالب رجال أعمال ومسؤولين وسياسيين.
الجيش يبرر تحركه بما يخوله له البند الـ28 من الدستور، الذي يتحدث عن واجبه في حماية أمن واستقرار البلاد
وشكل بيان المؤسسة العسكرية الصادر مساء السبت، تصعيدا غير مسبوق في الصراع القائم بين الجيش ومؤسسة الرئاسة، في ظل امتناع الأخيرة عن الاستجابة لمقترح تفعيل بند إعلان الشغور في منصب رئيس الجمهورية، وبروز مؤشرات مقاومة داخلية لبقاء بوتفليقة في منصبه، وتنذر بصدام مرتقب بين الطرفين.
وعكس بيان وزارة الدفاع عدة دلالات توحي بتطورات كبيرة سجلت خلال الأيام الأخيرة في هرم السلطة.
وحمل البيان لأول مرة الصيغة الجماعية لقيادة الجيش ووزارة الدفاع التي احتضنت اللقاء، الذي عقد مع عدد من المسؤولين السامين في المؤسسة، بغية إنهاء الحديث عن سيطرة الجنرال أحمد قايد صالح على المؤسسة، فضلا عن اللهجة الردعية، التي ألمحت إلى نذر صدام مع مؤسسة الرئاسة.
ويقول مراقبون إن بيان المؤسسة العسكرية حمل رسائل واضحة للأطراف الأخرى في السلطة وللرأي العام الدولي، تتمحور حول بلورة مواقفها من وحي دستور البلاد، ورفض الذهاب إلى مرحلة انتقالية تتطلب الكثير من الوقت والجهد.
وبررت المؤسسة العسكرية تحركها بما يخوله لها البند الـ28 من الدستور، الذي يتحدث عن واجبها في حماية أمن واستقرار البلاد والدفاع عن حدودها الإقليمية.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الجيش يريد الذهاب إلى حلحلة الأزمة القائمة في إطار الدستور، عبر تفعيل البند الـ102 الذي يعالج حالة الشغور، وأضاف إليها البندين السابع والثامن، اللذين يكرسان السلطة في يد الشعب ويمنحانه حق السلطة التأسيسية. وهو ما يوحي بأن الجيش يريد إدارة الانتقال السياسي بشكل ما، مع الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي، الذي شدد على رحيل السلطة وكل رموزها.
ولفت بيان الجيش إلى أن “أطرافا ذات نوايا سيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب، وقد تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة الـ102 من الدستور”.
وتحدثت عدة دوائر عن لقاء يكون قد جمع المدير السابق لجهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق)، ومستشار وشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، ووجوها سياسية ومالية، السبت بمقر الرئاسة في ضاحية زرالدة، من أجل بلورة موقف ظاهره حل الأزمة وباطنه مقاومة المقاربة التي عرضها الجيش.

وقالت مصادر إعلامية محسوبة على قيادة الأركان إن “منسق جهاز الاستعلامات الحالي بشير طرطاق، وأفرادا من الاستخبارات الفرنسية، كانوا ضمن الحاضرين في الاجتماع″، ما أضفى عليه طابع المساس بالسيادة الوطنية ودخول باريس بشكل مباشر على خط الأزمة الجزائرية.
وذكر رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، في منشور له على صفحته الرسمية على فيسبوك أن “اللقاء جرى يوم السبت بين سعيد بوتفليقة والجنرال السابق محمد مدين، في مقر الرئاسة بزرالدة”.
وبالمقابل شدد مصدر أمني لـ”العرب” على أن منسق الاستخبارات الحالي بشير طرطاق، لم يكن ضمن المتواجدين ولم يلتحق بمنصب عمله منذ شهر، لأنه يعاني هو الآخر من وعكة صحية، ما عمق التكهنات بشأن إقالته أو استقالته.
ولقي بيان المؤسسة العسكرية ردود فعل مؤيدة، تراوحت بين الترحيب الكامل، والترحيب المشروط، حيث عبر رئيس جبهة الجزائر الجديدة جمال بن عبدالسلام عن مساندته المطلقة، بينما أبدى رئيس حركة حمس الإخوانية عبدالرزاق مقري ترحيبا مشروطا ربطه بمدى تدخل العسكر في القرار السياسي، إذا كان يستهدف مرافقة الانتقال السياسي أو توجيهه.
وهي المواقف التي طبعت المسيرات الشعبية التي خرجت ليل السبت ونهار الأحد، للتعبير عن رأيها تجاه التطورات الأخيرة، حيث أعرب متظاهرون عن دعمهم للجيش، في حين طالبه البعض الآخر بالبقاء في ثكناته.
ويلمح تمسك قيادة الجيش بالدستور لحلحلة الأزمة السياسية، ومعالجتها في إطار بنود معينة، إلى سياسة النأي بالمؤسسة عن تقديمها في صورة المنفذ لانقلاب عسكري في البلاد، وتفادي توظيفات قد تستغلها الدوائر المناوئة لها، في جناح الرئاسة وبعض الدوائر السياسية والإعلامية الداخلية والخارجية.