فتح ملفات الفساد يفاقم غضب الجزائريين

الجزائر – أفاد مصدر أمني بأن أمرا صدر للسلطات الأمنية في المطارات والمعابر الحدودية، بعدم تمكين لائحة من الأسماء من مغادرة التراب الوطني، ويتعلق الأمر بعشرات المسؤولين ورجال الأعمال، وهو ما يؤكد ما تم تداوله مؤخرا في الجزائر حول منع بعض الوجوه المحسوبة على السلطة من السفر خارج التراب الوطني.
وألمح المصدر في تصريحات لـ”العرب” إلى أن القيادة العسكرية المتناغمة مع مديرية الأمن الوطني، منذ بداية الحراك الشعبي في الـ22 من فبراير الماضي، هي من تقف وراء القرار، في خطوة تجسد خطاب قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، المنحاز للهبة الشعبية.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن تعيين المدير العام الجديد عبدالقادر بوهدبة، على رأس مديرية الأمن الوطني في منتصف الشهر الماضي، خلفا للعقيد مصطفى لهبيري، ورغم أنه أصيل المؤسسة، عكس المديرين السابقين الذين استقدموا من الجيش لإدارة الجهاز الأمني، إلا أنه يمثل صوت وذراع المؤسسة العسكرية داخل الجهاز الأمني.
ويضيف هؤلاء أن تسمية بوهدبة لقيادة الجهاز الأمني (الشرطة)، قد تمت بإيعاز من الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، وأن للرجلين علاقة ولاء قديمة، وهو ما أدخل المدير الجديد في خلافات مع المدير السابق الجنرال القوي والموالي لجناح الرئاسة، عبدالغني هامل، المقال في صائفة العام الماضي.
وأفضى الإجراء إلى تفويت فرصة قمع المظاهرات الشعبية منذ انطلاقتها المعزولة في منتصف الشهر الماضي في بلدتي خنشلة وخراطة (بجاية)، قبل أن تتوسع في الثاني والعشرين من نفس الشهر، تحت أوامر وجهت من قيادة أركان الجيش إلى دوائر الأمن، بالتعامل اللين وعدم ممارسة العنف ضد المحتجين، ولو سجلت بعض الاحتكاكات المعزولة واستعمال الغاز المسيل للدموع.
ورغم عدم مطالبة الحراك الشعبي بالحساب ومقاضاة الفاسدين، وتعبيره عن استعداد الشعب للتسامح مع هؤلاء بشرط الرحيل الكلي، إلا أن المعلومات المتواترة حول فرار أقرباء وعائلات مسؤولين في هرم السلطة، وتفاقم ظاهرة تهريب رؤوس الأموال والتحويلات المالية غير الشرعية، تكون قد حركت السلطة النافذة إلى تشديد الرقابة على النشاط المالي ووضع لائحة كبيرة تحت دائرة المنع من مغادرة التراب الوطني.
سياسيون تحولوا إلى أصحاب ثروات طائلة خلال العشريتين الماضيتين، نظرا لقربهم من السلطة وتوظيف مسؤولياتهم في الكسب الموازي
ولا يستبعد أن تكشف المسيرة المليونية المنتظرة نهار اليوم للأسبوع السادس على التوالي، عن مطالب سياسية جديدة قد تأخذ المزيد من التشدد تجاه الحفاظ على ممتلكات البلاد، وتوقيف ومحاسبة الضالعين في مظاهر الفساد والنهب خلال العشريتين الماضيتين.
وأشار تقرير لقناة الشروق الفضائية، بأصابع الاتهام إلى رجل الظل وشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، بالوقوف “وراء ممارسات فساد وتبديد المال العام عبر مجموعة من رجال المال والأعمال المقربين منه، وبالاستحواذ على السلطة في البلاد منذ سنوات”.
وأشار التقرير إلى أن “رجال أعمال مقربين من السلطة، تحصلوا على قروض بنكية بضمانات رمزية، وعلى استثمارات ضخمة تحت رعاية شقيق رئيس الجمهورية”، ووضع كل من “علي حداد، بن حمادي، رضا كونيناف، عسيو، وأحمد معزوز.. وغيرهم، على رأس المجموعة المستفيدة من ريع السلطة”.
وذهب التقرير إلى حد اتهام سعيد بوتفليقة بالتدخل في القرارات الاقتصادية، وفي ميلاد ما يعرف بـ”لوبيات مركبي السيارات”، حيث حدد بنفسه لائحة من يستفيد من تلك الاستثمارات التي استنزفت أموالا طائلة من خزينة الدولة، ومن تمويلات بنكية وإعفاءات جمركية وجبائية، وأوقف من لا يؤيده.
ولفت إلى أن سعيد بوتفليقة اغتصب السلطة في البلاد منذ الوعكة الصحية التي أصابت رئيس الجمهورية في ربيع العام 2013، حيث كان في البداية يجري اتصالات معزولة مع الوزراء والمسؤولين لتوجيههم في السياق الذي يريده، ثم أصبح وسيطا بين الرئاسة ومؤسسات الدولة، وتطور أمره إلى حد الاستحواذ على القرار السياسي والاقتصادي وإدارة شؤون الدولة، وعلى ختم الدولة المتواجد في مكتبه.
ونسب إليه إصدار مسألة الرسائل المنسوبة إلى رئيس الجمهورية والموجهة للرأي العام المحلي، نقلا عمن أسماهم بـ”موظفي مكتبه الذين أضربوا عن العمل وهددوه بإعلان الالتحاق بالحراك الشعبي”.
وكان وكيل الجمهورية بالعاصمة قد صرح الخميس في بيان مقتضب بأن “مصالحه لم تصدر أي أمر لتوقيف مدير قناة الشروق علي فضيل، وأنه قرر إطلاق سراحه بعد عرضه عليه، فضلا عن فتح تحقيق في مسألة التوقيف”، وهو ما أثار استياء العاملين في المجمع، لاسيما في ما يتعلق بالمسوغ القانوني للاعتقال الذي تم صباح أمس، وبالجهة الأمنية التي قامت بالعملية دون أمر قضائي”.
وفيما صرح علي فضيل للصحافيين عقب الإفراج عنه، بأنه “سيواصل الكشف عن تفاصيل الشخص الذي يدير شؤون البلاد بطرق غير قانونية (سعيد بوتفليقة)، وأننا عازمون على كشف المزيد من ملفات الفساد”، يثير ناشطون خلفيات هذا الخروج المفاجئ للرجل الذي كان يدعم بوتفليقة والعهدة الخامسة في الأشهر الأخيرة.
ولم يستبعد هؤلاء فرضية أن يكون بصدد تقمص دور الذراع الإعلامية في المرحلة الجديدة، بالترويج لخيار المؤسسة العسكرية ومهاجمة جناح الرئاسة.
وتذكر مصادر متطابقة أن تنظيم منتدى رؤساء المؤسسات المقرب من السلطة، والممول الأول للحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة، في الانتخابات الرئاسية الماضية، يضع يده على ثروة تقدر بنحو 40 مليار دولار، وأن مسؤولين سياسيين ووزراء تحولوا إلى أصحاب ثروات طائلة خلال العشريتين الماضيتين، نظرا لقربهم من السلطة وتوظيف مسؤولياتهم في الكسب الموازي.