ني هاو.. مرحبا

ماذا نعرف عن الصينيين؟ لا أعتقد أننا نعرف الكثير. ما نعرفه عنهم هو ما كتبه الغرب عن الصين، أي عبر الوسيط المعرفي الغربي. وهذا جيد ولكنه غير كاف.
الأربعاء 2019/02/27
ألا تستحق الصينية اهتماما، من باب الإنسانية بالحد الأدنى؟

درست وعملت لسنوات طويلة مع صينيين. هم أفراد مثابرون بشكل استثنائي. قد لا يكونون مبدعين في كل شيء، لكنهم بالتأكيد متفانون في التعلم وتحقيق الإنجاز. ربما السبب يكمن في أن العيش وسط أكثر من مليار إنسان في بلد بموارد محدودة لا يترك لأحد ترف الاختيار. إما تبذل أقصى ما لديك، وإما لن تجد أحدا يطعمك.

كنت أتعامل مع الزميل الصيني على أنه ابن بيئة تجمع بين عقليتي مملكتي النمل والنحل. مملكة النمل تعلمك أن ما لا يستطيع إنجازه الفرد، تحققه الجماعة. ومملكة النحل تعمل لتدخر لأيام قاسية قادمة. أناس لا يستطيعون نسيان واقعهم في الصين حتى وأن قرروا الاستقرار في الغرب، ولا أن يتجاوزا ذكريات الفقر حتى وإن كانت رواتبهم مئة ضعف لما كانوا يحصلون عليهم في بلدهم.

الثقافة الصينية متجذرة في نفوسهم بشكل استثنائي، وخلف وجوههم الباسمة أبدا، عالم عميق من الفكر والمواقف والآراء. لعل أي مفاوض سياسي أو تجاري يتعامل مع الصينيين، سيبقى محتارا بين تلك الابتسامة المرتسمة على وجه الصيني والتصلب الذي يمارسه في العمل والمواقف. وإذا كان لاعب البوكر لا يظهر أي تعابير على وجهه لكي يحيّر خصمه، فإن الصيني يربك ندّه أكثر بابتسامته.

الصينيون يعرفون عنا أكثر مما نعرف عنهم. في مناقشاتي مع بعض زملاء الدراسة والبحوث، اكتشفت كم يعرفون عن العرب والمسلمين. صدمني باحث صيني يوما عندما تحدث عن الملا نصرالدين أو جحا. يعرف تاريخ الحكاوي من الشرق الأوسط وطرفه. هؤلاء ممن تأخروا في الدراسة بسبب الثورة الثقافية، عندما قرّر ماو إرسالهم للحقول بدلا من مقاعد الجامعات. ورغم هذا كانوا يعرفون.

يتسلل الصيني اليوم إلى كل سوق في المنطقة ليزيح المنافسين. في البداية يأتون بسلع رخيصة ثم بخدمات غير مكلفة، والآن تتسابق شركاتهم على الاستثمار في العالم العربي وأفريقيا. يتصرفون وكأنهم يعرفون كل شيء عنا.

ماذا نعرف عن الصينيين؟ لا أعتقد أننا نعرف الكثير. ما نعرفه عنهم هو ما كتبه الغرب عن الصين، أي عبر الوسيط المعرفي الغربي. وهذا جيد ولكنه غير كاف. نقلت لنا الترجمة مقتطفات بسيطة من الأدب الصيني. قرأنا “بجعات برية” و”فتاة الوشاح الأحمر”، وهما روايتان كتبتا عن الصين ولكن باللغة الإنكليزية. مرة أخرى تعرف على الصين عبر بوابة الغرب.

هناك توجه لتعلم اللغة الصينية في عالمنا العربي. بدأ في الإمارات ثم وصل اليوم إلى السعودية. لنضع المصالح جانبا وحقيقة أن الصين هي القوة العالمية الثانية التي تركض لتصبح في الموقع الأول. ولكن ألا تستحق الصينية اهتماما، من باب الإنسانية بالحد الأدنى؟ كيف سنفهم كُنه تلك الابتسامة على وجه الصيني من دون أن نفكّ طلاسم لغته؟ مرحبا بالصينية: ني هاو.

24