بانكسي يثير الجدل مرّة أخرى في باريس

متحف الغرافيتي يثير غضب الباريسيين الذين يتهمونه بسرقة أعمال بانكسي بعد إعلان المعرض بأن أجزاء من الجدران التي رسم عليها بانكسي ستكون موجودة.
الأحد 2019/02/17
بانكسي يجعل جرذان باريس مرئيّة في النهار

لا يتوقف الجدل حول فنان الشارع الشهير ومجهول الهويّة بانكسي، بل إن طرح اسمه في بعض الأحيان أصبح يثير السخط والتساؤلات، ناهيك عن أعماله التي تخرب ذاتها أو تخفيها السلطة، أو تلك التي تظهر في أماكن لا يمكن توقعها، كل ذلك في سعي منه للتأكيد على أنه لا يبحث عن المال، بل عن فن حر خارج عن سلطة المؤسسة الفنيّة وسوق الفن، فهو يسعى لتقديم شكل جمالي وسياسي يتجاوز هيمنة السلطة وينتقدها، تاركا وراءه “علامات” متاحة للجميع، ولا تخضع لأي رقابة.

أثار متحف الغرافيتي في العاصمة الفرنسية باريس جدلا هائلا إثر إعلانه عن معرض للفنان بانكسي في يونيو القادم، يستضيف فيه أعماله ويعرف الناس بتجربته، يبدو الأمر عاديا للوهلة الأولى، لكنه يعكس رغبة المؤسسة الفنيّة في “احتضان” وتطبيع فن الشارع الذي يرفض المتحف وصالة العرض وسياسات التلقي فيها، ما دفع الناس إلى الهجوم على المتحف عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تعبير عن حنقهم ورفضهم لإقامته، خصوصا أن بانكسي لم يعط موافقته عليه، ليبدو المعرض أقرب إلى جهد فردي من المنظمين.

الاتهامات التي توجه للمعرض تختصر بأنه مزيف وقائم على السرقة، مزيف لأن بانكسي لم يعط موافقته من جهة، ومن جهة أخرى لأن “الأعمال” التي ستكون في المعرض لن تكون إلا نسخا مدجّنة وتفتقد للخصائص الرمزيّة التي يعتمدها بانكسي في أعماله، والتي يعكسها مكان ظهور العمل، بوصف المكان وماديته وشكله وألوانه نتاج سياسات رمزيّة ترضى عنها السلطة.

باب مسرح الباتاكلان المسروق
باب مسرح الباتاكلان المسروق

أما تهمة السرقة فلا علاقة لها برسم الدخول للمعرض، كون زيارته مجانيّة، بل أساسها إعلان المعرض بأن أجزاء من الجدران التي رسم عليها بانكسي ستكون موجودة، وهذا ما اعتبره البعض سرقة من بانكسي، ومن المدينة نفسها التي تحتضن أعماله، بل وقارنوا الأمر بما حدث منذ بضعة أيام، إذ سُرق باب مسرح الباتاكلان في باريس والذي يحوي رسما أنجزه بانكسي في ذكرى الضحايا الذين قضوا، والمثير للاهتمام أن التحقيقات لم تكشف إلى الآن من قام بسرقته.

يقول مدير المتحف غريغوري جوبي إنه حاول التواصل مع بانكسي، إلا أن الأخير لم يرد، لكنه في حال رده وطالبه بأن لا يقام المعرض، فسيلغي المعرض فورا، كذلك يؤكد أنه لن تتم “سرقة” الأعمال، بل “أخذ” بعضها، والهدف حسب تعبيره، “هو حمايتها من الاختفاء، في ظل ما يهددها من عوامل مختلفة أدت إلى فقداننا للكثير من أعمال الشارع بسبب التخريب أو عوامل الطبيعة أو ممارسات السلطة”، ويشير إلى أن من يتهمون المتحف بالسرقة، لا ينتمون إلى ثقافة فن الشارع، ولم يسألوا لماذا يقوم المتحف بـ”إحضار” هذه الأعمال، فهو يفضل أن يراها الجمهور بشكلها الفيزيائي عوضا عن صورة لها، فما يقوم به هو محاولة لإعادة تقديم فنّ الشارع، و”حفظه” وجعله مقبولا أكثر، ليخاطب جمهورا أكبر لتعريفه بهذه الثقافة، التي يراها البعض عدوانيّة أو حكرا على فئة محددة.

غرافيتي بانكسي تحول إلى رمز لرحيل ماكرون
غرافيتي بانكسي تحول إلى رمز لرحيل ماكرون

لا تبدو أجوبة مدير المتحف مقنعة، ومازال الكثيرون يرون في الأمر سرقة، بل وتناقضا مع مفهوم فن الشارع نفسه الذي ينتمي إلى المارة والعابرين وإلى المدينة نفسها، وما يطرأ على الأعمال من تعديل أو تخريب أو حتى اختفاء هو جزء منها ومن جمالياتها، فتكوينها مستمر حتى بعد انتهاء الفنان منها، أما حفظها في متحف، فقد يعني مستقبلا بيعها، وهذا ما أوضحه بانكسي في آخر لوحة له عرضت في مزاد علني، والتي دمرها الإطار المذهّب المحيط بها، وهنا يبدو المتحف نفسه كإطار سيدمر فن الشارع إن احتواه، كونه يحوّل الاحتجاج والرسالة السياسية التي يحملها فن الشارع إلى شكل استعراضي للتسلية والترفيه، ينتهي تأثيره بمجرد مغادرة المتحف، كما أن رحلة البحث عن أعمال فن الشارع هي جزء من تجربة تلقيه، بوصفه وسيلة للحوار بين المدينة وقاطنيها، سواء كانوا مشاهدين فقط، أو أشقياء مخربين أيضا، الذين يتساوى تأثيرهم أحيانا مع جهد الفنان، فكلاهما يعكسان ديناميكيّة القوة التي تحيط بالغرافيتي.

الأهم أن الكثيرين يتداولون رسالة من صفحة الإنستغرام الخاصة ببانكسي مفادها “هذا المعرض لم يوافق بانكسي عليه، لا نعلم ما سيحوي من أعمال، لكننا شبه متأكدين أن ما فيه مزيف، أو أن الأعمال مسروقة من الشارع بصورة غير قانونيّة”.

أعمال بانكسي الخفيّة في باريس
أعمال بانكسي الخفيّة في باريس

 

14